الفلسطينيون أمام خيارات قليلة وصعبة

مظاهرات فلسطينيين
مظاهرات فلسطينيين

(1) تعددت الاسباب والفشل واحد

طوال العقود الماضية جرب الفلسطينيون الكثير من الخيارات من أجل معالجة قضيتين مهمتين, الأولى الخروج من حالة التشتت السياسي والفصائلي والتوافق على استراتيجية وطنية جامعة تكفل لهم تحقيق أهدافهم الوطنية, والثانية التغلب على أزمة الانقسام الطاغية التي امتدت لأكثر من 15 عاما , وألقت بظلالها على كافة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وتعددت الأسباب التي قادت إلى الفشل في إيجاد مخرج من هذه المعضلة , منها ما هو ذاتي متعلق بالفلسطينيين ومنها ما هو متعلق بعوامل خارجية.

العوامل الذاتية تمثلت أولاً في غياب الثقة بين حركتي حماس وفتح واشتداد الخلاف بينهما, ثم امتدت لتغيب بين حركة فتح والفصائل الأساسية مثل الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والجهاد الإسلامي وذلك بسبب السياسات التي اتبعها الرئيس أبو مازن في إدارة الشأن السياسي وفي إدارة ملف معالجة الانقسام.

والعامل الثاني هو تعارض البرامج السياسية بين قطبي الساحة الفلسطينية, حيث تتبنى حركة فتح المفاوضات السياسية السلمية للتوصل إلى حل يقوم على أساس دولتين , بينما تعارض حركة حماس خط التفاوض السياسي وتعتبره مضيعة للوقت وتدعو إلى تحشيد الشعب الفلسطيني تحت راية المقاومة والكفاح المسلح.

ورغم المئات من اللقاءات التي جمعت بين القوى السياسية أو ثنائيا بين حماس وفتح , ورغم التفاهمات التي تمت في اكثر من مناسبة, الا ان الفلسطينيين لا يزالون يراوحون مكانهم من حيث عدم وجود رؤية سياسية جامعة واستمرار الانقسام.

(2) حوارات ولقاءات بدون جدوى

لقد بدأت اول (الوصفات) السياسية للاستشفاء من التيه السياسي ومرض الانقسام من خلال الدعوة(السريعة) وغير المدروسة إلى حوار وطني, عقد أغلب جلساته في القاهرة برعاية مصرية , وتكررت اللقاءات في القاهرة, وفي بعض الأحيان كانت تنتقل الى عواصم اخرى , ومع ذلك فان هذه الحوارات فشلت في وضع أسس لرؤية وطنية مشتركة لترتيب البيت الفلسطيني , وغالباً ما كانت الاتهامات يتم تبادلها بين حماس وفتح في تحمل مسئولية فشل الحوار الوطني.

لقد كانت الحوارات الفلسطينية تعقد بدون إعداد أو ترتيب مسبق يضمن نجاح هذه الحوارات, ومن ثم تحولت إلى ما يشبه الصالون السياسي ولم تتعد إلى أخذ قرارات حاسمة في معالجة القضايا المطروحة على طاولة الحوار.

ثم وجد الفلسطينيون أن الحوار الوطني الذي يشتمل على ملفات معقدة مثل منظمة التحرير والتوصل لبرنامج سياسي, فضلاً عن المصالحة المجتمعية وتوحيد المؤسسات الحكومية في الضفة الغربية وقطاع غزة , يواجه عقبات كبيرة ويحتاج إلى جهود كبيرة وضخمة ووقتاً طويلاً لوضع معالجات لهذه القضايا الكبرى ومن ثم أصيبوا بشيء من الفتور والملل, ومن ثم انتقلوا إلى خيار أسهل وأسرع , وهو التوجه إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية أو ما أطلقوا عليه حكومة وفاق وطني , وذلك في عامي 2013 و2017 غير أن هذه الحكومة , التي افتقدت مقومات النجاح والقدرة على العمل, لم تصمد إلا أياماً معدودة, ثم سرعان ما انهارت تحت وطأة الانقسام الذي كان يتغلغل في شرايين الحياة اليومية.

ثم برزت فكرة أن يذهب الفلسطينيون إلى القضية الأم , منظمة التحرير, باعتبارها البيت الذي يسع الجميع والممثل الشرعي للفلسطينيين, وباعتبارها العنوان السياسي والوطني الذي طالما سعى الفلسطينيون إلى إصلاحه والإنضواء تحت لوائه, غير أنه سرعان ما برزت المشاكل المتعلقة ببرنامج المنظمة الذي يعترف بإسرائيل ويرفض الكفاح المسلح ويقر فقط بحق الفلسطينيين بدولة على حدود عام 1967, وهو ما شكل نقطة خلاف عميق بين الفصائل الفلسطينية التي طالبت بقوة بتغيير برنامج المنظمة واستبداله ببرنامج وطني متفق عليه بين القوى السياسية.

المشكلة أن منظمة التحرير التي سلبت كل صلاحياتها وتحولت إلى هيكل سياسي فارغ وغير قادر على اتخاذ قرارات مصيرية وتقديم معالجات حقيقية للقضية الفلسطينية, أصبحت ورقة بيد السلطة الفلسطينية وحركة فتح التي احتكرت القرار السياسي ووضعت شروطا للدخول إلى (حرم) المنظمة ,وهو ما عزز شكوك القوى السياسية أن شعار إصلاح منظمة التحرير لن يعدو أن يكون مطلباً بعيد المنال.

ثم بعد جدل فلسطيني داخلي طويل, فضل الرئيس محمود عباس أن يحتكم إلى صناديق الانتخابات, باعتبار أن الانتخابات هي السبيل الوحيد للخروج من المعضلة الوطنية وإعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني وتجديد الشرعية للمؤسسات الوطنية, وتم الاتفاق بينه وبين حركة حماس على شمول الانتخابات للمجلس التشريعي والمجلس الوطني وكذلك المنصب الرئاسي, ومن ثم جرى ترتيب كافة الاجراءات الخاصة بعقد الانتخابات, بما فيه المحكمة الانتخابية وقانون الانتخابات وتوفير الأمن في قطاع غزة, وتم الاتفاق على أن يكون يوم 22/5 هو يوم إجراء الانتخابات, وعلى أثرها تشكلت الكتل الانتخابية وشرعت في تجهيز نفسها لخوض معركة الانتخابات, غير أن الرئيس عباس فاجأ الجميع وبدون سابق انذار بإلغاء الانتخابات تحت حجة أن إسرائيل رفضت إجراء الانتخابات في مدينة القدس, على الرغم من قناعة العديد من القوى السياسية أن أبو مازن ألغى الانتخابات بسبب تردي شعبيته في مقابل ارتفاع شعبية حركة حماس وبسبب (النصائح) التي أسديت له من أطراف عديدة بعدم إجراء الانتخابات حتى لا يسمح لحركة حماس أن تتغطى بالشرعية السياسية.

(3) العودة إلى التيه السياسي

وهكذا عاد الفلسطينيون مرة اخرى الى المربع الاول, وعادت رحلة التيه السياسي وحالة الفراغ لكي تفرض نفسها مرة اخرى على الحالة الوطنية , ويبدأ الفلسطينيون رحلة البحث الطويلة والشاقة في اجتراح حلول لمعالجة أزمة غياب الرؤية الوطنية وانهاء الانقسام.

اليوم تبدو الصورة اكثر وضوحا لكنها في نفس الوقت معقدة وتحتاج الى كثير من الفحص والتدقيق والتحليل لتفكيك عوامل الازمة فيها.

المشكلة أن الفلسطينيين ليس أمامهم ترف من الوقت لكي يضيعوا سنوات في تجارب غير مضمونة أو الدخول في مغامرات غير محسوبة.

لقد مل الشعب الفلسطيني من تكرار الفشل في جولات الحوار وأصيب بصدمة كبيرة من قرار الرئيس بإلغاء الانتخابات, وفقد الكثير منهم الثقة بالقيادة الفلسطينية وقدرتها على تحمل المسئولية الوطنية في ظل تصاعد الإجراءات الاحتلالية في الأراضي الفلسطينية وفي ظل تراجع اهتمام المجتمع الدولي بالقضية الفلسطينية.

إن التجارب التي مر بها الشعب الفلسطيني ينبغي أن ترسم له الطريق الافضل في تحديد خياراته ووسائله وتجنبه عوامل الفشل التي لازمت عملية الحوار الوطني طوال عقود ماضية.

اليوم اتضح أن القيادة الفلسطينية بزعامة أبو مازن لا تريد التخلي عن النهج السياسي الذي اتبعته طوال ربع قرن ولم تحصد منه سوى الثمار المرة, ولا تزال تتمسك بخيار التفاوض السياسي الذي ثبت فشله وعقمه, بل إنه منح إسرائيل غطاء لإلغاء أي فرصة لتحقيق حل سياسي ولاستغلال ذلك في تعميق الإجراءات الاحتلالية مثل الاستيطان والتهويد ومصادرة الأراضي وإضعاف السلطة الفلسطينية.

في نفس الوقت فإن حركة حماس أبدت مرونة عالية في السنوات الاخيرة في التعاطي مع دعوات الحوار وكذلك الانتخابات, غير أنها توصلت الى قناعة راسخة ان ابو مازن لا يملك الجدية اللازمة لتحقيق المصالحة الوطنية والخروج من مربع الانقسام.

إن حركة حماس التي تصر على التمسك بخيار المقاومة وخاضت مواجهات ضارية مع قوات الاحتلال باتت أمام تحد كبير في تصويب الحالة الوطنية وتقديم بدائل ومعالجات حقيقية, وبات مطلوباً من حركة حماس أن تطرح رؤية استراتيجية بالتعاون مع القوى السياسية والمجتمعية التي ترفض المسار السياسي للرئيس أبو مازن من أجل إيجاد بديل حقيقي وواقعي ينقذ الحالة الوطنية من وهدتها.

صحيح أن الخيارات قليلة لكن بيد الفلسطينيين الكثير من اوراق القوة التي يستطيعون بها تغيير المعادلة في المنطقة إذا احسنوا استخدامها.

وثبت من خلال معركة(سيف القدس) الأخيرة أن الفلسطينيين يمتلكون قدرات وطنية هائلة في مواجهة الاحتلال وفي القدرة على تثبيت قواعد جديدة للصراع مع الاحتلال, غير ان كل هذا اذا لم يتوج برؤية وطنية جامعة قادرة على ترجمة المنجزات العسكرية الى منجزات وطنية اجتماعية فانه كمن يزرع ولا يحصد , وكمن ينتظر يبني قصرا فخما على رمال متحركة.

المصدر : خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo