السياسة المالية للسلطة الفلسطينية والانقسام الفلسطيني

عملات ورقية
عملات ورقية

قد لا تبدو السلطة الفلسطينية محقة في أمر بالشأن الفلسطيني بقدر إصرارها على قيام أي تعاملات خارجية مع قطاع غزة من خلالها على اعتبار كونها الجسم الرسمي المعترف به دوليا ومن كل الأطراف، الممثل للفلسطينيين حسب الاتفاقات المختلفة مع إسرائيل، كما أن قيادة السلطة تتحد وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية والتي لا خلاف على كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وضرورة ذلك وضرورة عدم تنازعه لما له من آثار سلبية خطيرة على الفلسطينيين، مع ضرورة إصلاح المنظمة ضمن إطار البيت الفلسطيني.

والسلطة محقة في ذلك كممثل تنفيذي لمنظمة التحرير في المناطق الفلسطينية لان فصل قطاع غزة ككيان مستقل على كل المستويات، المؤسسية والسياسية والاقتصادية، هو العمود الأساس لإنجاح أي خطة حل اقتصادي للقضية الفلسطينية لما لهذا القطاع من زخم شعبي وثوري ولما له من عبء على الاحتلال لا يستطيع الاستمرار في تحمل مسؤوليته كقوة محتلة، ودور القطاع في كافة الخطط التاريخية السابقة والعديدة بارز وواضح جدا، وفي هذا فصل آخر.

والسؤال الجوهري هاهنا، هل تعمل السلطة بشكل حقيقي لإبقاء القطاع ضمن إطار الجسم الفلسطيني الرسمي ودعم صمود أهله لمواجهة أي خطط انفصالية مدفوعة خارجيا، ومن هنا تبرز سياسة السلطة المالية كحجر زاوية في أداء هذا الدور نظرا لان السلطة هي المخولة رسميا باستلام الضرائب غير المباشرة التي تجبيها إسرائيل لصالحها حسب اتفاق باريس الاقتصادي والتي تشكل جل إيرادات السلطة، في ظل ضعف قدرة السلطة على تنمية الإيرادات المحلية خلال عمرها، بجانب المساعدات الخارجية والتي توجه لها أو عبرها.

وتبدو السلطة الفلسطينية حقيقة متناقضة مع نفسها في هذا الجانب للعديد من الأسباب على سبيل المثال لا الحصر وعلى النحو التالي:-

أولا:- الجهاز الحكومي البيروقراطي العام والذي توسعت فيه السلطة بشكل كبير وغير مبرر منذ نشأتها لإغراض التحشيد الحزبي والانتخابي، وبشكل غير متوازن من خلال التوسع في الإنفاق على الأمن والأجهزة الشرطية والأمنية بشكل ملفت لسلطة تحت الاحتلال مقارنة بالتوظف في القطاعات الخدمية والاجتماعية العامة، وقد بلغ حجم التوظف في قطاع غزة قبل الانقسام في القطاع العام 36% مما حدا بدورة الدخل في القطاع الاعتماد على فاتورة الرواتب بشكل جوهري.

وقد تفاقم هذا الأمر بشدة بعد التوسع في التوظيف من قبل حكومة الأمر الواقع بالقطاع اثر امتناع الجهاز الحكومي للسلطة عن تقديم الخدمات العامة اثر الانقسام واحتجاجا عليه وبتوجيهات من السلطة نفسها.

إن ذلك يوضح حجم تأثير الراتب الحكومي على مستويات الدخول والمعيشة والفقر والأمن الغذائي بالقطاع اثر قيام السلطة بالتوقف الكلي عن التوظيف واقتطاع هذه الفاتورة بشكل جوهري وصادم منذ مارس 2017 دون وجود شكل علمي وموزون لإعادة الهيكلة وخلق فرص عمل بالعديد من الأشكال الممكنة لتفادي آثار هذه الاقتطاعات، وفي هذا فصل آخر.

ثانيا:- إهمال القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم والبنى التحتية وانعدام الإنفاق التطويري على القطاع منذ بداية الانقسام مما اثر على شكل التعليم سواء الأساسي أو الثانوي أو الجامعي، الذي صاغ القيم الوطنية وحماها منذ نشأته، وتردي المستويات الخدمية الصحية بشكل لافت وتراجع مستوى الخدمات القطاعية للكهرباء والمياه والبنى التحتية بكافة أشكالها لمستوى معقول في القرن الواحد والعشرين لمنطقة بنفس مستوى تصنيف الدخل للمناطق الفلسطينية Low Middle Income Level بل اقل من ذلك أيضا.

ناهيك عن تردي أوضاع الشرائح الهشة والتي بات القطاع بغالبيته منها إذ بلغت نسبة انعدام الأمن الغذائي للأسر الفلسطينية 85% والبطالة 53% والبطالة بين الشباب أكثر من 70% وغير ذلك وهو ما يختلف بشكل جوهري ولافت عن نظيره في الضفة الغربية، مما لا يخدم كينونة وحدة الجسد الفلسطيني وتجانسه، بل العكس.

أضف إلى ذلك شأن دعم القطاع الخاص والشركات الصغير ومتناهية الصغر وسياسات دعم التصدير، بل وترك القطاع فريسة للاحتكارات الكبرى ذات التأثير والنفوذ لدى السلطة نفسها.

ثالثا:- لا يوجد أي دليل معتبر على أن القطاع يحصل على حصته الطبيعية من الموازنة العامة والتي يدفعها من خلال الرسوم الجمركية والضرائب غير المباشرة المختلفة التي تجبيها السلطة في ظل تضخم الواردات من إسرائيل وعبرها نتيجة تراجع القطاعات الإنتاجية نتيجة التدمير الإسرائيلي الممنهج لهذه القطاعات في قطاع غزة، ناهيك عن حصته من المساعدات.

وبمعزل عن ذلك فان القطاع كمنطقة منكوبة بكل المقاييس وتساهم بنصيب الأسد في زخم مواجهة الاحتلال، وهو أمر معتبر أيا كانت الإستراتيجية المتبناة في مواجهة الاحتلال، يستحق أن يوجه له مزيد من الإنفاق لتعزيز الصمود.

لذا فان هذه السياسات تدفع بقوة بقطاع غزة بعيدا عما يراد له فلسطينيا وتعزز فرص نجاح الاستفراد بالضفة الغربية لتشكل وقطاع غزة مدن صفيح وفناء خلفي لخدمة الاقتصاد الإسرائيلي وابتلاع ما تبقى من الأرض الفلسطينية.

فان الأمم المحتلة لم تنجح قط في مواجهة القوى الاستعمارية إلا من خلال الوحدة والتجانس لمكوناتها ومناطقها الجغرافية بعيدا عن التحيز والتمييز.

المصدر : خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo