في الوقت الذي تسامهم فيه البنوك ومؤسسات الإقراض في أي دولة مشاريع التنمية الاقتصادية في بلادها، فإن الصورة في فلسطين مخالفة تماماً لهذا الدور، حيث لا تدعم تلك البنوك ومؤسسات الإقراض المشاريع الاستثمارية التي من شأنها إحداث تطور ونهضة اقتصادية، وتلجأ لقروض الأفراد لدعم مشاريع لا تلبي المأمول منها، كشراء السيارات، أو الزواج، أو التعليم ...، الأمر الذي أكده محللون اقتصاديون في أحاديث منفصلة لموقع "زوايا".
دور محدود
الخبير الاقتصادي في جامعة بيرزيت، الدكتور نصر عبد الكريم، أوضح أنه بلا شك فإن دور تلك المؤسسات في التنمية الاقتصادية محدود جداً، مشيراً إلى أن مجموع الائتمان الذي منحته في السنوات الماضية، كشف أن حصة الائتمان الموجه لأغراض الاستثمار حصة قليلة، سواء كانت لشركات أو لأفراد لهم مبادرات استثمارية او يرغبون في التوسع بمشاريعهم الاقتصادية.
وأوضح أن البيانات المصرفية الفلسطينية الموحدة، تشير إلى أنه في حدود 75 بالمئة من ما منحته من الائتمان هي لأغراض شخصية استهلاكية تجارية، سواء للحج والعمرة أو للزواج أو التعليم بضمان راتب وكفلاء ونهاية خدمة، جزء قليل كانت للأغراض الانتاجية سواء سياحة داخلية أو زراعة أو صناعة أو مقاولات، حصلوا على حدود 22 بالمئة، من بينها الزراعة لم تحصل على أكثر من 2% والساحة كذلك، فيما الصناعة حصلت على 6 بالمئة من أجمالي الأموال التي منحت للقروض.
اقرأ أيضاً: “حلّ الدولتين”: ما جدّية التداول وفرص إحياء المسار السياسي؟
وأوضح عبد الكريم، أن هذه الأرقام غير كافية لتنمية الاستثمار، مقارنة بدور البنوك في العالم، لافتاً إلى أن بنوك العالم ومؤسسات الإقراض تمنح فرصة أكبر للاستثمار، مشيراً إلى أن هذه المؤسسات محفظتها الائتمانية بلغت 280 مليون دولار وما نسبته 11% منحت لأغراض انتاجية والباقي استهلاكية.
وعزا الخبير الاقتصادي عبد الكريم، أسباب هذه المشكلة، إلى عدم إقدام شركات ومؤسسات على الطلب لهذه التسهيلات، إلى جانب حذر المؤسسات في ظل وجود بدائل لديها في القروض الشخصية للأفراد بضمان راتب أو كفلاء، لعدم تحمل مخاطر تسهيلات الزراعة والسياحة والصناعة.
وأوضح أن عدم وجود طلب من البنوك ومؤسسات الاقراض للحصول على تسهيلات، سببه عدم وجود اقتصاد متحرك، وأن الجدوى الاقتصادية للاستثمار غير مضمونة النتائج نظراً للأوضاع السياسية والامنية في البلد، إضافة إلى تراجع الاقتصاد الفلسطيني وهو ما أدى لتراجع الفرص الاستثمارية.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن الاستثمار هدفه الانتاج والبيع، وفي ظل وجود منافسة من الصين، وتركيا والخارج، في ظل وجود أسواق غير منظمة والقدرة الشرائية للمواطنين ليست جيدة، فإن الطلب على حصول التسهيلات تراجع.
وتابع أن الاقتصاد الفلسطيني يشهد تحولاً منذ عشرين عاماً، وأصبح يأخذ منح الاقتصادي الخدمي، مشيراً إلى أنه في الماضي في عهد الاحتلال كان انتاجي في الصناعة والزراعة، واليوم أصبح تجاري خدمي، لافتاً إلى أن أصحاب الحرف إما غادروها أو التحقوا بالتجارة او أبقت على الصناعة بدون توسع ووضعت بجوارها نشاطاً تجارياً، بالتالي أصبح هناك تحول في هيكل الاقتصاد.
وأوضح، أن الاستثمار في الماضي كان يشكل 20 بالمئة من الناتج المحلي، أما اليوم فلا يزيد عن 10 بالمية، مع العلم أن التحول في الاستثمار في المجال العقاري.
الحكومة عاجزة ولا تكترث
محمود صبرة أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، أكد أن كل اقتصاد يحتاج لقدر معين من الاستثمار ولا يتم هذا الاستثمار إلا من خلال المدخرات المحلية أو الأجنبية في البنوك، معرباً عن أسفه أن القطاع المصرفي الفلسطيني شأنه شأن القطاعات المصرفية في الدول النامية لا يقوم بهذا الدور، وإنما يسعى لتعجيل عملية الربح، من خلال تعزيز أساليب أسهل تمويل الواردات من الخارج وهذا يؤدي لزيادة العجز في الميزان التجاري، وزيادة المنافسة للمنتجات المحلية وبالتالي يضعف الاستثمار ولا يقويه.
وأوضح أن 14 مليار من الودائع في القطاع المصرفي الفلسطيني فإن الغالبية العظمى منها توجه للإقراض الحكومي العام أو القطاعات الاستهلاكية سيارات أو بناء شقق أراضي ... ، وهذا لا يدعم القطاعات الانتاجية الحقيقية مثل الزراعة والصناعة وغيره.
وعزا الخبير الاقتصادي صبرة، المشكلة في عجز القطاع الحكومي الحالي في وضع استراتيجيات مالية واستثمارية ونقدية، لتوجيه البنوك من أجل توجيه المدخرات الفلسطينية نحو القطاعات الانتاجية وليس الاستهلاكية.
اقرأ أيضاً: إغلاق الاحتلال معبر كرم أبو سالم ينذر بانهيار المنظومة الزراعية بغزة
وأكد على عدم وجود خطط لدينا فيما يتعلق بالقطاع العام، ولا خطط تنموية، ولا يوجد هدف واضح للقطاع المصرفي.
ونقل الخبير الاقتصادي صبرة، عن أحد مدراء البنوك عندما سأله عن دور البنوك في التنمية ومشاريعهم، رد عليه قائلاً :" الحكومة لم تقدم لنا خطط لذلك".
وأضاف أنه لا يوجد جسم حكومي حريص لدفع القطاع المصرفي نحو دعم العملية التنموية في فلسطين.
دور غير وطني للبنوك
أسامة كحيل نقيب المقاولين الفلسطينيين في قطاع غزة قال:" إن دور البنوك ومؤسسات الإقراض "غير وطني" وهدفه الأكبر جني العوائد والأرباح حتي في ظل هذه الظروف الصعبة والاستثنائية.
وأضاف كحيل في حديث لـ "زوايا"، أن البنوك ومؤسسات الإقراض ضربت بعرض الحائط مصالح الناس والمواطنين، مؤكداً أن ثرواتهم تضاعفت مئات المرات منذ أن بدأت اعمالهم في غزة.
وأشار كحيل إلي ضرورة أن تتحلي هذه المؤسسات بروح المسؤولية، وتتبني دور حقيقي يثبت وطنيتهم في ظل جائحة كورونا، والإغلاقات المستمرة، والحصار الإسرائيلي، والعقوبات، التي أثرت على الأعمال الاقتصادية وتضرر منها بشكل خاص المقاولين، ورجال الاعمال، وأصحاب المصانع.
وأوضح وجود أسباب متعددة لغياب هذا الدور لدى البنوك ومؤسسات الإقراض والاستثمار أهمها أن رأس المال الفلسطيني احتكاري وليس وطني، مشيراً إلي أن شركات الاستثمار الاحتكارية الكبرى كشركة جوال، وباديكو، والشركات القابضة، والبنوك، وشركات التأمين كانت تبرعاتها خجولة ولا تعادل تبرعات شخص واحد في الدول الأجنبية.
وأكد كحيل أن السبب الثاني لغياب دور هذه المؤسسات وجود معظم أصحابها عند تكليف وتشكيل الحكومات الفلسطينية المتعاقبة وصولاً إلي حكومة محمد اشتيه، وهو ما أثر على تلك الحكومات" المكسورة عينها" بما يضمن عدم الضغط القانوني المطلوب عليهم لأخذ دور حقيقي تجاه أبناء شعبهم.
وبين أن الشعب لا ينسي من كان سبباً في معاناته، ومن لم يقف معه في الظروف الاستثنائية، وشهد القطاع العديد من الحراكات المختلفة للضغط على العديد من المؤسسات الاستثمارية للحد من جشعهم كان آخرها حراك ضد شركة جوال.
وشدد على ضرورة إيقاف البنوك ومؤسسات الإقراض للفوائد وتقليل التأمينات، والعمولات في ظل انتشار جائحة كورونا، ونزع مخاوفهم غير المبررة التي يتم استغلالها لزيادة أرباحهم.
ويعاني الاقتصاد الفلسطيني من تراجع كبير بفعل سياسات الاحتلال وعدم استقرار الأوضاع السياسية، وهو ما دفع الانتاج الفلسطيني للتراجع خشية من النتائج غير المضمونة، الأمر الذي يحتم على المؤسسات الوطنية الربحية وعلى رأسها البنوك ومؤسسات الاقراض على منح تسهيلات كبيرة لتشجيع التنمية الاقتصادية والاستثمار كخطوة وطنية في مواجهة الاحتلال وسياساته ضد الشعب الفلسطيني.