تقرير إغلاق الاحتلال معبر كرم أبو سالم ينذر بانهيار المنظومة الزراعية بغزة

مزارعون فلسطينيون
مزارعون فلسطينيون

يُمعن الاحتلال الإسرائيلي في إطباق الخناق على قطاع غزة بشتى السبل والوسائل، فلا يزال يغلق معبر كرم أبو سالم المنفذ التجاري الوحيد للبضائع الفلسطينية من قطاع غزة إلى الضفة الغربية والخارج، لا سيما المنتجات الزراعية.

وفي التفاصيل، فقد أغلق الاجتلال معبر كرم أبو سالم كلياً مع اندلاع الحرب في 10 مايو/أيار الماضي، ورغم أنها أعادت فتحه بعد أربعة أيام من إعلان وقف إطلاق النار، فإنها تفرض قيوداً مشددة على حركة الاستيراد والتصدير، بحسب مسؤولين وخبراء اقتصاديين.

غزة ردت بوقف استيراد الفواكه

ووفقاً لرئيس لجنة تنسيق إدخال البضائع لقطاع غزة التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله، فإن الاحتلال يسمح بدخول أربعة أصناف فقط من المواد إلى غزة، وهي: المواد الغذائية الأساسية، ومواد طبية، ومحروقات للسيارات، والأعلاف، بينما يمنع كلياً التصدير.

ورداً على منع تسويق وتصدير 15 صنفاً من المنتجات الزراعية من غزة إلى أسواق الضفة الغربية والخارج، للأسبوع السادس على التوالي، قررت وزارة الزراعة في غزة وقف استيراد كافة أنواع الفواكه من الاحتلال الإسرائيلي.

وحذر نائب مدير عام التسويق والمعابر بوزارة الزراعة محمد أبو عصر في حديث لـ"زوايا"، من أن السلة الغذائية لسكان قطاع غزة تقترب من حافة الخطر، وذلك نتيجة لتكبد المزارعين خسائر فادحة وعزوفهم عن الزراعة، بسبب إغلاق الاحتلال الإسرائيلي لمعبر كرم أبو سالم في وجه الصادرات الزراعية.

وذكر أبو عصر أن قيمة الخسائر التي لحقت بقطاع الصادرات الزراعية والأسماك نتيجة إغلاق معبر كرم أبو سالم بلغت نحو (12 مليون دولار)، مؤكداً أن إطالة أمد الإغلاق من قبل الاحتلال الإسرائيلي، سوف يضاعف من خسائر المزارعين والتجار الفلسطينيين.
اقرأ أيضا: صور وإحصائيات.. خسائر الزراعة تفوق 200 مليون$ والإهمال يطيل أمد التعافي

وأشار أبو عصر إلى أنه تولد لدى المزارعين نوايا للعزوف عن الزراعة في ظل تدني الأسعار المحلية ومنع الاحتلال السماح لمنتجاتهم بالتسويق للضفة الغربية والتصدير للدول العربية، فضلاً عن منع إدخال مستلزمات الإنتاج، محذراً من أن استمرار هذا الوضع، سوف ينعكس على السلة الغذائية للمواطنين في القطاع.

وطالب أبو عصر كافة المؤسسات الحقوقية والجهات الدولية والعربية ذات العلاقة بالزراعة والغذاء بالوقوف عند مسؤولياتها لإجبار الاحتلال على فتح معبر كرم أبو سالم والسماح بتسويق وتصدير المنتجات الزراعية وإدخال المستلزمات الزراعية.

إحصاءات الواردات والصادرات

ويعتمد قطاع غزة على "الزراعة" بشكل رئيسي، لما تشكله من رافعة اقتصادية مهمة، وما تمثله من حاجة ملحة لأكثر من مليوني مواطن فلسطيني يعيشون ظروفاً اقتصادية صعبة منذ نحو ما يزيد عن 15 عاماً من الحصار الإسرائيلي.

فعلى صعيد التسويق والتجارة الخارجية، تبلغ قيمة صادرات القطاع الزراعي من قطاع غزة حوالي 65 مليون دولار، حيث يتم تصدير نحو 50 ألف طن من المحاصيل في العام الواحد.

وهناك فائض في بعض أنواع الخضروات كالبندورة، والبطاطس، والبطاطا، والفلفل الحلو، والخيار، والتوابل المختلفة، وغيرها من المحاصيل التصديرية، التي هي في حاجة إلى فتح المعابر، وتسويقها عربياً وعالمياً بشكل أكبر.

ووفقاً لإحصاءات رسمية حصلت عليها "زوايا" من وزارة الزراعة الفلسطينية في غزة، فإن حجم الصادرات الزراعية من قطاع غزة إلى (الداخل المحتل والضفة الغربية والدول العربية) من بداية العام الحالي 2021 حتى الإغلاق الإسرائيلي لمعبر كرم أبو سالم في 10 مايو الماضي بلغ 23,460 طن خضروات وتوت أرضي وليمون.

في حين أن حجم التسويق والتصدير في الفترة سالفة الذكر من الأسماك بلغ 287 طن، أما من الجلود 2700 طن.

وبالمقارنة مع العام الذي سبقه (2020)، فقد بلغ حجم الصادرات الزراعية من قطاع غزة إلى (الداخل المحتل والضفة الغربية والدول العربية) 44,532 طن خضروات وتوت أرضي، و493 طن أسماك، والجلود 7200 طن.

وبالنسبة لحجم الواردات الزراعية لقطاع غزة من (الداخل المحتل) منذ بداية العام الحالي 2021 حتى تاريخ قرار وزارة الزراعة بوقف الاستيراد من الداخل المحتل في 14 مايو الماضي بلغ الإجمالي 31,088 طنا، مقسمة 27,964 طن فواكه، 3,123 طن خضروات.

وفي ذات الفترة بلغ حجم الواردات الزراعية لقطاع غزة من مصر 8,976 طن، مقسمة 4,232 طن فواكه، 4,743 طن خضروات، أما من الضفة الغربية فقد بلغت 336 طن خضروات (بصل) قط.

وبالمقارنة مع العام الماضي 2020، فقد بلغ حجم الواردات الزراعية لقطاع غزة من (الداخل المحتل) 54,904 طنا من الخضروات والفواكه، ومن مصر 9,588 طنا، ومن الضفة الغربية 563 طنا، أما من الخارج 31 طن طماطم فقط.

معاناة وخسائر بالجملة

ويشكل قطاع الإنتاج النباتي الجزء الأهم من هيكل القطاع الزراعي، ولا سيما إنتاج الخضروات، حيث استحوذت على النصيب الأكبر من اجمالي الإنتاج النباتي، فقد بلغت نسبة مساهمته 56% من إجمالي الإنتاج النباتي في قطاع غزة. كما بلغت نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي 5.6%.

عاهد الأغا مدير جمعية خان يونس الزراعية التعاونية، من جملة الذين تضرروا بسبب إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري، فقد أشار إلى أن نحو 250 مزارع وتاجر وعامل ينتمون للجمعية تضرروا هم كذلك.

اقرأ أيضا: “المبيدات بغزة”.. صحة المواطن مرهونة لرقابة “الزراعة” وضمير المزارع

وأكد الأغا لـ"زوايا" أن حجم التسويق والصادرات التي تمر من خلال جمعيته وتخدم مزارعي وتجار جنوب قطاع غزة، تتراوح ما بين 200 طن إلى 250 طن يومياً من كافة أصناف الخضروات.

ونوه إلى أن 20 عامل (رجال وسيدات) توقفوا عن العمل في الجمعية، حيث يقومون بعمليات الفرز وإعادة التعبئة والتغليف للخضروات، لافتاً إلى أن طواقم فنية من وزارة الزراعة تقوم بالإشراف المباشر على العملية برمتها، للتأكد من الجودة وسلامة الإجراءات قبل التسويق والتصدير.

وذكر الأغا، أن توقف التصدير نتيجة لإغلاق المعبر ما يقارب 40 يوماً، أدى إلى خسارته نحو 20 ألف دولار، فضلاً عن خسارة المنتمين للجمعية من المزارعين والتجار مئات آلاف الدولارات، وتدني أسعار السلع الزراعية في الأسواق بشكل كبير.

ورغم أن الأغا أثنى على قرار وزارة الزراعة بوقف استيراد الفواكه من الداخل المحتل رداً على وقف الاحتلال للتصدير، إلا أنه اعتبر هذه الخطوة "أقل واجب وغير كافية"، مطالباً الزراعة بمزيد من الإجراءات لدعم صمود المزارعين والتجار وتعويضهم عن خسائرهم.

وطالب الأغا المؤسسات الحقوقية والدولية وكافة الجهات المعنية بالقطاع الزراعي، بالضغط على الاحتلال لفتح المعابر أمام تسويق وتصدير المنتجات الزراعية من غزة للضفة والخارج.

ماذا عن دعم المتضررين وسياسة الاستيراد؟

ولا يحتمل المزارع شحدة زعرب أن يرى محاصيله الزراعية تتلف داخل الدفيئات المزروعة بالخيار والبندورة والفلفل الحلو، حيث لا يستطيع قطفها وتسويقها وتصديرها للضفة الغربية والخارج أو حتى تسويقها محلياً.

وعبر بالقول: "إنه أهون عليه تلف محاصيله على أغصانها، دون تمكنه من قطفها، لأن ذلك سوف يكلفه عمال ونقل وجهد يضاعف من خسارته ولا يعوضه حتى الرأس بالطاقية"، على حد وصفه.

وأقسم المزارع زعرب، أن ثمن البذور والمستلزمات الزراعية التي استخدمها في زراعة دفيئاته البالغة مساحتها أربعة دونمات معظمها "ديون" ينتظر سدادها بعد نضوج المحصول وتسويقه، متسائلاً والحسرة في عينيه "هل سيرحمني التاجر من استرداد نقوده، أم سترحمني الشرطة من زجي في سجونها؟".

ولا يختلف حال المزارع عادل ماضي عمن سبقه في سرده لمعاناته من جراء منع التصدير وإغلاق معبر كرم أبو سالم، ولكنه زاد في التعبير عن تذمره من السماح بإدخال بعض الأصناف الزراعية من مصر إلى القطاع.

ويرى ماضي أن ذلك من شأنه أن "يزيد الطين بلة"، حيث لا تجد المحاصيل لها سوقاً في غزة، متسائلا "فكيف لها استيعاب كميات من الخارج تساهم في تدني الأسعار بشكل أكبر فتكاً بالمحصول المحلي وتُكبد المزارع مزيد من الخسائر".

ومع ذلك، طالب المزارع ماضي وزارة الزراعة بمنع استيراد أيٍ من المنتجات الزراعية التي لها مثيل أو بديل في غزة، عاداً أن أوضاع المزارعين في غزة لا تحتمل المزيد من الضحك عليهم وإيهامهم بالشعار الإعلامي حول حماية المنتج الوطني ودعم المزارعين، ولكن الواقع على الأرض يدمر المنتج المحلي والمزارعين، على حد تعبيره.

إعلاء صوت المزارعين والتجار

أما التاجر أحمد خالد الأسطل، فقد عبر عن حاله وحال الكثيرين من التجار الذين تعطلت مصالحهم نتيجة لإغلاق معبر كرم أبو سالم في وجه المنتجات الزراعية، مبيناً أن إطالة أمد الإغلاق من شأنه أن يكبدهم خسائر فادحة.

وأشار إلى أن طموحهم كان ينصب على إيجاد آفاق أوسع للتصدير الأسواق العربية والعالمية، لافتاً إلى أن مزارعي غزة على استعداد لإنتاج كميات أكبر من الخضروات وتصديرها إلى الدولة الأوروبية والخليج العربي.

وبحكم علاقاته الواسعة بالتجار والمزارعين، فإنه يقترح تنظيم فعاليات احتجاجية يقوم بتنظيمها المتضررين من كافة القطاعات الاقتصادية، ويتم خلالها دعوة وسائل المؤسسات الحقوقية والدولية، من أجل إيصال صوتهم للعالم للضغط على الاحتلال لفتح المعبر، باعتباره المتنفس التجاري الوحيد لغزة.

في حين أن التاجر حمدي الجرجاوي، حذر من أن منعهم من استيراد مدخلات الإنتاج الزراعي، سوف يحول دون تمكن المزارعين من التحضير للموسم الزراعي القادم، مؤكداً أن خسارته من جراء إغلاق معبر كرم أبو سالم "مزدوجة" .

 وأوضح أن ازدواجية عمله في هذا القطاع، تتمثل في أنه يقوم باستيراد معظم مدخلات الإنتاج الزراعي، كما يقوم بتصدير كميات من الخضروات مثل البطاطا حوالي 100 طن سنوياً لدول عربية وخليجية.

تحذير من انهيار المنظومة الزراعية بغزة

وبدوره، يؤيد محسن أبو رمضان رئيس شبكة المنظمات الأهلية، في حديثه لـ"زوايا" مقترح التاجر الأسطل، مشيراً إلى أنه يجب وضع الجميع أمام مسؤولياته لإعلاء صوت المزارعين والتجار الذين يعانون الأمرين طوال سنوات الحصار والإغلاق الإسرائيلي المتكرر لمعبر كرم أبو سالم.

وإلى جانب ما يقوم به الاحتلال من جريمة منع التسويق والتصدير من قطاع غزة إلى الضفة والخارج، فإنه ما زال يمنع إدخال مدخلات ومستلزمات الإنتاج إلى القطاع، كما أشار أبو رمضان، وحذر من أن ذلك سيؤدي إلى عزوف المزارعين عن الزراعة، وبالتالي فإن ذلك يعرض السلة الغذائية لسكان القطاع للخطر الشديدئ

وذكر أبو رمضان أنه يجب على المؤسسات الدولية ذات الصلة والعاملة في قطاع غزة ( الفاو FAO– الصليب الاحمر ICRC– مكتب منسق الشؤون الإنسانية OCHA- برنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP– شبكة المنظمات الدولية AIDA) أمام مسؤولياتهم الكبرى في توفير الحماية للنظام الغذائي والمزارعين وتسهيل المدخلات الأساسية لضمان تعزيز صمود و استمرار القطاع الزراعي وقت الأزمة ومنع انهيار المنظومة الغذائية والزراعية في قطاع غزة.

المصدر : غزة- خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo