إعادة الإعمار وسياسة الاحتواء

د. محمود صبرة
د. محمود صبرة

هناك الكثير من المحددات السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية التي تقود لتدهور الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، والتي وصلت لمستويات خطيرة وغير مسبوقة لا تكاد تعرفها لا النظرية الاقتصادية ولا التطبيقات الفعلية للوقائع الاقتصادية تاريخيا.

وتأتي عمليات التدمير الإسرائيلية الممنهجة ضمن عدوانها العسكري المتكرر سواء للتكوين الرأسمالي الثابت (مثل المباني والآلات) أو المنشآت الاقتصادية بمختلف القطاعات إحدى اخطر هذه المحددات خلال العقدين الماضيين.

 

اقرأ أيضاً: قرار وقف إطلاق النار على المحك .. ومسيرة الأعلام قد تكون فاصلة

 

ولا تنفك عمليات التدمير ومن ثم إعادة الاعمار عن كونها محددا أو صدمة اقتصادية بغية تحقيق أهدافا سياسية وهو ما سبق وان أطلقت عليه "الصدمة الاقتصادية للأغراض السياسية" وهو ما يرسخ مزيدا من التبعية والتحكم الإسرائيلي بإطار الاقتصاد السياسي الفلسطيني عموما والغزي بالخصوص عبر آلية إعادة اعمار غزة GRM Gaza Reconstruction Mechanism على سبيل المثال لا الحصر، وهذا مجال بحث آخر.

 

مصر والإقليم وإعادة الاعمار

 

 

خلال العدوان الإسرائيلي الأخير برز الدور المصري بشكل متميز عن سابقه من خلال دور الوساطة والمساندة خلال العدوان وفي أعقابه وهو ما يزيد مستوى النفوذ المصري الناعم في الإقليم ويحسن صورة النظام المصري داخليا وخارجيا في أعقاب التغيرات الجذرية التي حدثت في مصر خلال العقد الماضي.

 

يأتي ذلك بالخصوص في اثر تبرع مصر بنصف مليار دولار من اجل إعادة الاعمار، وهي التي تحصل على الكثير من المنح والمساعدات ومشبعة بالديون وعجز العملات الأجنبية، وبمعزل عن القيمة الحقيقية التي يمكن أن تؤول من التبرع لإعادة الاعمار في النهاية إذ أن هذه التعهدات تحتاج لالتزامات مكتوبة لاحقاً ولمنح وتحويلات نهائية حقيقية والتي تكون قطعا اقل من التعهد السياسي المعلن كما هو معلوم في أدبيات الاقتصاد السياسي بغض النظر عن المانح وأهدافه، مع الأخذ بعين الاعتبار المساعدات المقيدة والمرتبطة بتزويد السلع والخدمات ويرتبط بها من أسعار ظل مغالى في تقديرها، وهذا مجال بحث ثان.

 

ومن جهة ثانية بالنظر لطبيعة العلاقة سياسيا والتناقض فكريا بين النظام المصري وحركة حماس التي تحكم القطاع.

 

ومن هنا يثور السؤال الأهم عن مدى ارتباط هذه المساعدات، وما ينشأ عنها من ارتباطات اقتصادية غزية-مصرية، بالفقاعة العربية الليبرالية المستحدثة والتي قد تسعى للعب دور الاحتواء للمارد الغزي الصغير من خلال المزيد من الارتباطات الاقتصادية وتوفير البديل الذي فقده القطاع من خلال الانقسام والحصار المزمن الذي يعاني منه، والذي سيقود لمزيد من العزلة عن باقي ما تبقى من الجسد الفلسطيني، حيث يخدم هذا الاحتواء تطبيق الرؤية العربية لشكل المنطقة وعلاقتها مع إسرائيل وعزل إيران، ولا يمنع أن يكون هناك دور وسيط ومعزِز لجهات فلسطينية، تم احتوائها عربيا بالفعل، والتي تسعى لإعادة إيجاد موطئ قدم لها في الساحة السياسية الفلسطينية، ويتوقع أن يبرز هذا الدور للعلن قريبا.

 

محاذير:

 

 

على الرغم من أن انخراط الاقتصاد الفلسطيني بمزيد من العلاقات الاقتصادية والتجارية بالمحيط العربي أمرا محبذا وموصوف اقتصاديا وسعت له السلطة الفلسطينية مسبقا وبنجاح محدود على اعتبار انه يخفف من حدة التبعية لإسرائيل إلا أن المغانم الاقتصادية قد لا تذكر، في ظل حالة الانقسام السياسي التي باتت أو شارفت على كونها انفصالا، مقارنة بالضرر السياسي الذي قد يلحق بالقضية الفلسطينية سياسيا واقتصاديا بالضرورة، لذا وجب التنبيه لبعض المحددات:


اقرأ أيضاً:  “الأونروا”.. من تثبيت اللجوء حتى مخطط التصفية

أولاً: إن خلق آفاق لعلاقة مؤسسية واتفاقات وروابط اقتصادية وتجارية مع قطاع غزة بعيدا عن باقي ما تبقى من الوطن أي في ظل سيادة حالة الانقسام السياسي والاقتصادي والمؤسسي والقانوني فلسطينيا يعزز فرض حالة الحل النهائي الأحادي الجانب الذي تسعى إسرائيل لفرضه والذي عرف بصفقة القرن معززا بسياسة الاحتواء الإقليمية العربية ومدفوعا بالقوى الاقتصادية للمطبعين الليبراليين العرب ولو ضمناً.

 

ثانياً: إن خلق العلاقات المشار إليها سابقا، وبشكل غير متوازن في ظل حالة العجز والحاجة الماسة غزيا، ستقود لتجيير الفوائد الاقتصادية لمصلحة فئات وشرائح معينة تلك التي تستطيع الولوج للقرار الريعي المصري الذي سيسمح أو لا يسمح باستيراد لسلع معينة، وهي تجربة سابقة، أو مباشرة شركات معينة لعملية إعادة الاعمار وبالتالي ستقود هذه العلاقات الغير تنافسية لتدمير الكثير من الشركات القامة وسو توزيع الدخل والثروة لصالح فئات معينة دون فئات أخرى.

 

ثالثاً: مثل هذه العلاقات الزاويًة Corner Relationships ستعمق حالة الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة وليس فقط من جانب سياسي وإنما من جوانب أخرى قانونية ومؤسسية واجتماعية لتعميقها التفاوت في كافة المؤشرات بين المحافظات الشمالية والجنوبية والتي ما فتئت تتفاوت بشكل واضح منذ الانقسام.

 

ومن هنا يثور السؤال القديم الجديد هل سقطت صفقة القرن وما هي عناصرها الاقتصادية، وهو مجال مقال قادم.

 

المصدر : خاص- زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo