قراءة في تحولات الصحافة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية

رصد مراقبون ومحللون وجود تغيّرات وتحوّلات في تعاطي الصحافة الأميركية مع الاحتلال الإسرائيلي والقضية الفلسطينية في ضوء الأحداث الأخيرة المتمثّلة بالهجمة الاحتلالية غير المسبوقة على مدينة القدس، ومحاولات التهجير المتواصلة لسكان حيّ الشيخ جرّاح، والقصف التدميري الأخير ضد قطاع غزة، إضافة إلى الانتهاكات الإجرامية بحق مواطني الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948.


ويبدو هذا جليّاً لمن يتابع القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية والصحف ذات الثقل الأميركي والدولي، التي أخذت تتعاطى مع القضية الفلسطينية من منظور مغاير للسياسات التحريرية أو الإعلامية التي اعتدنا عليها، ما يطرح تساؤلاً مركزياً مفاده: هل تدخل هذه التحوّلات في إطار التغير الجديد الثابت، أم الطارىء؟


جريدة واشنطن بوست (Washington post  )


نشرت جريدة واشنطن بوست يوم 19 أيار/ مايو 2021، تقريراً خاصاً بعنوان "بايدن على خلاف متزايد مع الديمقراطيين الآخرين بشأن إسرائيل"، يتحدث عن خوض الرئيس الأميركي جو بايدن صراعاً متزايداً مع زملائه الديمقراطيين، بحيث يتحوّل حزبه نحو موقف أكثر صرامة تجاه "إسرائيل" ودعم أقوى للفلسطينيين.


وقد أشار التقرير أيضاً  إلى توقيع 500 ناشط أمريكي، من حملة بايدن الانتخابية ومن اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، الذين عملوا على فوزه في انتخابات الرئاسة، على رسالة تدعو بايدن إلى فرض عقوبات على "إسرائيل" على جرائمها بحق الفلسطينيين.


جريدة نيويورك تايمز ( New York Times )


نشرت جريدة نيويورك تايمز يوم 26 أيار/ مايو 2021 في تغطية نادرة، صور وأسماء وقصص الأطفال الفلسطينيين البالغ عددهم 66 طفلاً، والذين استشهدوا جرّاء العدوان الإسرائيلي. حيث خصّصت الصحيفة مساحة كبيرة على خلفية سوداء حداداً عليهم، في تقرير حمل عنوان (كانوا مجرد أطفال).


جريدة فورين بوليسي ( Foreign Policy )


كتب ستيفن والت استاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد وكاتب عمود في صحيفة فورين بوليسي، مقالاً بتاريخ 27 أيار/ مايو 2021، تحت عنوان: " حان الوقت لإنهاء "العلاقة الخاصة" مع إسرائيل". أوضح فيه والت بأن  فوائد الدعم الأمريكي لإسرائيل لم تعد تفوق التكاليف، ولهذا يجب إنهاء العلاقة الأميركية – الإسرائيلية.


اقرأ أيضاً: قرار وقف إطلاق النار على المحك .. ومسيرة الأعلام قد تكون فاصلة


ورأى والت أن المسألة ليست صعبة، حيث توقّع بمجرد أن تصبح المناقشة العامة لهذا الوضوع  أكثر انفتاحاً وصدقاً ، أن تتغير المواقف التي عفا عليها الزمن بسرعة مدهشة، مضيفاً : "ما كان يوماً ما لا يمكن تصوره يمكن أن يصبح ممكناً - حتى طبيعياً" بحسب تعبيره.


صحفيون أميركيون يطالبون بالتغيير


في خطوة مُتقدّمة وغير مسبوقة، وقّع 514 صحفي أميركي من بينهم صحفيون من وسائل إعلام معروفة مثل وول ستريت جورنال ولوس أنجلوس تايمز، رسالة مفتوحة حول تعامل الإعلام الأميركي مع فلسطين، تدعو في مضمونها إلى وقف تجاهل ممارسات الإحتلال الإسرائيلي القمعية بحق الفلسطينيين في إنتاج الأخبار.


ووصف الموقّعون "إسرائيل" بدولة الاحتلال العسكري ونظام الفصل العنصري، مطالبين بالتغيير العاجل في مسار الصحافة الأميركية فيما يخص القضية الفلسطينية،  ووقف تعقيم الأخبار. وقد لفتت رسالة الصحفيين إلى تقرير هيومن رايتس ووتش الذي نُشر في شهر نيسان / أبريل 2021، وما يحمله من إنتهاكات وجرائم إسرائيلية موثّقة.


الإعلام الاجتماعي الأميركي


لا يمكن قراءة تحولات الاعلام الأميركي التقليدي بمعزل عن الاعلام الاجتماعي الأميركي ( وسائل التواصل الإجتماعي)، والمواقف الشعبية، التي عكستها المسيرات التضامنية غير المسبوقة مع الشعب الفلسطيني، التي جابت مدن الولايات المتحدة الاميركية، إضافة إلى مواقف المؤثرين والمشاهير والفنانيين والسياسيين في مواقع التواصل الاجتماعي، ومواقف الديمقراطيين التي سبق وأن ذُكرت آنفاً.


يمكن القول أن هذه الشواهد تُبرّر التغيرات السياساتية التي أحدثتها الوكالات الإعلامية الأميركية، حيث وإن كانت هذه الوكالات منحازة إلى الطرف الإسرائيلي، فإنها لن تستطيع الاستمرار بتجاهل المصادر المرئية الموثّقة في وسائل التواصل الاجتماعي وحقيقة الامر الواقع، لأنها ببساطة ستفقد سلطتها لصالح الاعلام البديل المتمثل بإعلام وسائل التواصل الاجتماعي المتاح بسهولة لدى الجمهور الأميركي وغير الأميركي. .


خاتمة تحليلية


فرضت وحدة وشمولية الموقف الفلسطيني في كافة أراضي فلسطين التاريخية والشتات نفسها على الرأي العام الأميركي، والتعاطي الإعلامي الأميركي مع القضية الفلسطينية. وهذه الوحدة لم تفرضها النخب السياسية الفلسطينية، وإنما الشباب الفلسطيني الذي كسب الرهان في جولة العدوان الإسرائيلي الأخيرة، على مختلف الأصعدة الشعبية والدبلوماسية والإعلامية.


لم تكن هذه التحوّلات في الصحافة الأميركية لتكون، لولا الشباب الفلسطيني أمثال محمد ومنى الكرد أبناء حيّ الشيخ جرّاح، الذين استطاعوا بكاميرات أجهزتهم الخلوية، وبلغتهم البسيطة، و"الهاشتاجات" المتواصلة، أن يوصلوا الرسالة الفلسطينية إلى أرجاء العالم بسرعة ووضوح شديدين.


وقد أسهم وجود شخصيات فلسطينية وعربية داخل الكونغرس الأميركي أمثال رشيدة طليب وإلهان عمر، في تسويق الرواية الفلسطينية أمثل تسويق على الطريقة الأميركية، حفّز الديمقراطيون على اتّخاذ مواقف متقدّمة والوقوف بوجه الرئيس الديمقراطي في سبيل نصرة الفلسطينيين.


يقع على عاتق النخب الفلسطينية مهمة مجاراة ودعم استمرارية الفعل الشبابي الفلسطيني المُبهر، وتركيز الجهود الدبلوماسية نحو  إحداث تحوّلات سياساتية داخل البرلمانات الأميركية والدولية، بما يضمن توسيع دائرة التأثير واتخاذ القرار لصالح القضية الفلسطينية، والإبقاء على هذه التحوّلات في إطار ثابت وليس طارىء، وكما قال ستيفن والت: "ما كان يوماً ما لا يمكن تصوره يمكن أن يصبح ممكناً - حتى طبيعياً ".


بقلم: فادي أبوبكر

أصل المقال

مواضيع ذات صلة

atyaf logo