منذ اندلاع المواجهات الشبابية العفوية على درجات باب العمود، والتي اشعلت شرارة الهبة المستمرة منذ نحو شهرين بين ابناء الشعب الفلسطيني وقوات الاحتلال، باعتبارها تعبير مكثف عن جوهر الصراع على هوية العاصمة المحتلة ومكانتها، وباعتبار ( القعدة على الدرج ) ملمح أساسي من ملامح العروبة، وباعتبار باب العمود معلم أساسي من معالم فلسطينية المدينة وهويتها الراسخة التي لم يستطع شيلوك طمسها ولن يستطيع.
مذاك، لعبت منصة (تيكتوك) دوراً فاعلاً في تلك المواجهات وأسهمت في تأجيجها، ومن ثم ربطها بمجمل مساعي الاحتلال للإيغال في سرقة المدينة وأسرلتها، ومهدت الى الاهتمام الواسع بقضية الشيخ جراح والأقصى وسلوان، وأتساع دائرة رفض الأسرلة والعنصرية الى الداخل المحتل، ومن ثم دخول المقاومة في غزة على خط المواجهة، وهبة الضفة التي لا زالت متواصلة.
وفي سياق تطور واتساع مدى المواجهة لعبت مجمل وسائل التواصل الاجتماعي، وما يعرف بصحافة المواطن ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي،، ووسائل الاعلام التقليدية والصحفيين، دوراً بالغ الأهمية في احداث الخلخلة التي لم نشهد مثيل لها منذ عشرات السنين في الرأي العام الدولي، والتأييد الواسع للقضية الفلسطينية، بما في ذلك من كبرى الصحف ووسائل الإعلام الامريكية والغربية، وهو ما ترجم بالمظاهرات والمسيرات الضخمة التي جابت شوارع وميادين عشرات العواصم والمدن الرئيسية حول العالم، وبروز العديد من الشخصيات اللامعة في مجالات مختلفة مثل الفن والسينما وكرة القدم وعرض الأزياء وغيرها، عبرت عن رفض واضح للاحتلال وجرائمه وعنصريته، وعن تأييد أوضح للحقوق الفلسطينية، ورفع العلم الفلسطيني في أماكن لم نكن لنتخيلها.
وعلى مسار الأحداث المشتعلة، فقد برزت بعض الرموز الفلسطينية، والمقدسية خاصة، نالت شهرة واسعة كونها قد أجادت التحدث إلى وسائل الإعلام محلياً وعربياً ودولياً، وأجادت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، واجتراج وسومات (هاتشتاغ) احتلت لأسابيع سلم الوسومات الأكثر تغريداً، وأبدعت في تقديم الرواية الفلسطينية وربطها في سياق وطني وسياسي، فأصبحت فتاة الشيخ جراح،منى الكرد، عنوان الصمود والتحدي، وأقنعت العالم بانها صاحبة البيت وحارسته، وأن شلومو مجرد مارق وسارق، يحميه جند عصابة اسمها حرس الحدود، ويتدثر بدعم حفنه من ذوي الياقات يسمون قضاة في محكمة (عدل عليا) ليس لها من اسمها أي نصيب، وأصبحت مقابلة شقيقها محمد على شبكة سي ان ان الأمريكية محط إعجاب المتابعين لدرجة ذهب معها البعض لوصفة بوزير الخارجية.
منى ومحمد نماذج واضحة، الى جانبهم مئات الشابات والشبان، الذين أجادوا نقل الحقائق للعالم، وصنعوا رواية الشعب الفلسطيني التي غابت عن أذهان العالم منذ زمن بعيد ليحل محلها خطاب السفارات والبعثات المنفصل عن الواقع، وخطاب سفراء يعتبرون ( هاي زي هذيك )، ولا يميزون بين الطقطق والتيك توك، يبحثون عن درجات تعلي رواتبهم ورتبهم، ويتجاهلون درجات باتت عنواناً للقدس ولفلسطين وقضيتها.
وهنا يكمن الفارق، بين منى ومحمد، وبين كفاح وأحمد، بين خطاب مبني على عدالة القضية ووحشية المعتدي، استطاع هز العالم في بضعة أيام، وأفضى الى اختلال في معادلة الرأي العام العالمي، وبين خطاب التأتأة الذي لم يحسن حتى استغلال الحالة الراهنة ولم يكن بمستواها، بل شكل كوابح للحالة القائمة، وأفضى الى هز الرأي العام المحلي، وفتح بقوة ملف السفارات والسفراء، ووزارة الخارجية التي تدير عملهم.
وباستثناء قلة قليلة من السفارات والسفراء، فان ما كشفت عنه الاحداث، وهو معروف أساساً للمتابعين والمعنيين، يقتضي من بين ما يقتضيه، وضع الاعلام من حيث لغة الخطابة، ومن حيث الأدوات اللازمة له، وبناء العلاقة مع الصحفيين ووسائل الاعلام في الدول التي تعمل بها سفارات وممثليات فلسطين، وضعها على رأس سلم أولويات العمل، وإعادة تقييم السفراء، ودور السفارات استناداً إلى ما حققوه من نجاحات وإخفاقات في حقل الاعلام، الذي يعتبر نقطة عبور إلى الرأي العام، من شأن إجادة التعاطي معه، تسجيل نجاحات إضافية على هذا الصعيد، وهو ما نحتاج إليه بقوة في الحالة الراهنة، وفي كل محطة قادمة.