"حلّ الدولتين": ما جدّية التداول وفرص إحياء المسار السياسي؟

مسؤولون امريكيون
مسؤولون امريكيون

أنتجت الاحداث الميدانية التي شهدتها عموم الأراضي الفلسطينية خاصة الحرب الأخيرة على قطاع غزة، حراكاً اقليمياً ودولياً مكثفاً، تحت عنوان "حل الدولتين" الذي أحيته إدارة الرئيس جو بايدن عبر تصريحاتها في الأيام الماضية، بعد غيابه في عهد سلفه دونالد ترامب.

لكن هذا قد دفع إلى أسئلة عديدة من قبيل: ما جدّية إعادة تداول تعبير "حل الدولتين" الآن؟، وهل تكفي الزيارات المكوكية التي يجريها مسؤولون أمريكيون ومصريون وأردنيون وأوروبيون وأمميون لإحياء المسار السياسي بناء على "حل الدولتين"؟.. ثم، ما هي الطريق الأمثل كي يصبح هذا الحل واقعياً رغماً عن معيق الواقع الجيو-سياسي الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على الأرض؟

يقول رئيس وزراء الأردن الأسبق طاهر المصري في حديث خاص لموقع "زوايا" إن تغير الموقف الأمريكي عن ذلك الذي تم تبنيه الرئيس السابق دونالد ترامب، هو مهم جداً.

لكنّ المصري حثّ على ضرورة استقصاء "القصد الأمريكي" وإلى أي حد يُمكن له ان يوصل الموضوع للغاية المنشودة؛ لأن ما طرحته إدارة بايدن هو بمثابة "عنوان فقط"، خاصة في ظل النشاط الاستيطاني ووجود حكومة يمينية متشددة في إسرائيل تتصدى لكل الأفكار الرامية لتحقيق حل سلمي عادل، بحسب المصري.

اقرا أيضاً: الاحتلال يستغل التوتر لفرض وقائع جديدة على الأرض ضد مصالح الفلسطينيين

وتابع طاهر المصري: "بالنسبة لي يجب ان نؤكد أولا على وحدة الأراضي الفلسطينية وتمثيلها؛ بمعنى كل الاجسام الفلسطينية على الارض تكون وحدة واحدة (غزة والضفة الغربية والقدس ثم أراضي 48)".

واعتبر أن إعادة فتح القنصلية الامريكية في القدس الشرقية مجرّد "تأكيد أولي" من إدارة بايدن أنهم جديون بحل الدولتين.

إدارة أمريكية جدية..لكن نجاحها ليس مؤكداً

وبيّن رئيس وزراء الأردن الأسبق أن الإدارة الامريكية الحالية أرادت إعادة السياسة الامريكية السابقة الى وضعها الحقيقي.

بيدَ أنّ هذا يتطلب خطوات لاحقة، وأن تقوم ادارة بايدن بتحديد ما تقصده؛ لأنّ المقرر في موضوع الحل ليس فقط أمريكا بل أن شعب فلسطين يجب ان يكون له الرأي الأول، يليه الدول الفاعلة والمجتمع العالمي والعرب.

ووفق المصري، فإن حديث الإدارة الأمريكية عن حل الدولتين هو جدّي، لكن حكومة اسرائيل ستعمل ما بوسعها لتعطيل اي جهد سياسي.

وأشار إلى أنه لا يُعرف إن كان اي جهد امريكي في هذا السبيل سينجح أم لا، لاسيما وأن اسرائيل غير راضية اتجاه اي جهد أمريكي على هذا الصعيد، لاسيما وأن إجراءات بايدن من شأنها أن تسقط "صفقة القرن" وما أنجزته تل أبيب على هذا المستوى في عهد ترامب.

لكن.. ما هو أقصر الطرق لحل الدولتين؟

يُجيب طاهر المصري، قائلاً: "لا يوجد طريق قصيرة لأن الموضوع الفلسطيني له سبعون عاماً في حالة غليان، وقد تكونت سياسات وأفكار وحقائق على الأرض تحتاج الى عمل حقيقي ومتراكم"..

وهنا شدد المصري على أن واشنطن في حال اتخذت موقفاً صارماً كما يجب لإحياء العملية السلمية، فإن هذا يتطلب ضغطاً على إسرائيل بشكل قوي.

ونوه المصري أن هذا سيتسبب بما وصفها ب"مؤامرات إسرائيلية" للولايات المتحدة، "تماماً كما تخضع بعض البلدان العربية لهذه المؤامرة"، على حد قوله.

وتابع المصري: "إسرائيل لديها أسلحة، وهي ليست فقط هي قادرة على وضع العصي بالدواليب بل ايضاً تؤذي الاستمرار بالعملية السلمية".

وهنا يخلص المصري إلى القول إن الطريق لتطبيق حل الدولتين ليس يسيراً، مشيراً أيضاً إلى عقبة متمثلة بوجود فرقاء كثر بالموضوع الفلسطيني.

وضرب هنا مثالاً الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة، وهو الأمر الذي يخلق توجهات مختلفة لدى هذه الدول ويحول دون موقف أوروبي قوي تجاه الجرائم الاسرائيلية، خاصة ما جرى في قطاع غزة؛ ذلك أن كل دولة لها حق "الفيتو" مثل جامعة الدول العربية التي تعبر فيها كل دولة عن سياستها ومصالحها الخاصة، حسب تعبير طاهر المصري.

ووفق المصري، فإن قوة الاتحاد الأوربي في الملف الفلسطيني-الاسرائيلي قد تعطلت.

لكن المصري، يعتقد أنه إذا توفرت جدية لدى كل من أمريكا وروسيا، فإنه بالإمكان تسهيل الطريق امام إحياء المسار السياسي تحت عنوان "حل الدولتين"، غير أن رئيس وزراء الأردن الاسبق بدا حذراً في إظهار تفاؤله حيال ذلك حينما قال "لا أريد ان أتوقع الكثير مما سيحدث في المستقبل".

ليس سليماً ربط الملف الإيراني بالفلسطيني

ورفض المصري أي ربط للملف الفلسطيني بالموضوع الإيراني، مؤكداً أنه لا يعلم أيهما يجب أن يتقدم على الآخر في تحقيق الحل، إلا أنه يعتقد أن هناك خيوطاً غير ظاهرة للربط بين الملفين.

وشدد المصري على أنه ليس سليماً ان يتم انتظار اتفاق دولي للعودة الى الاتفاق النووي الإيراني حتى يتم الانتقال الى الملف الفلسطيني.

وأوضح ان القضية الفلسطينية مختلفة تماماً عن الملف الإيراني، إذ أن الأولى هي موضوع حياة وأرض وعدوان مستمر منذ 73 عاماً.

السلطة: خطاب واشنطن أكثر من استهلاك

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لشؤون الأمم المتحدة والمنظمات الدولية د. عمر عوض الله أن خطاب الإدارة الامريكية الحالية يتعدى كونه مجرد خطاب استهلاكي مشابه لذلك الصادر عن الإدارات الأمريكية السابقة..

واصفاً إياه ب"خطاب جيد ومهم"؛ إذ انه تحدث عن حق الشعب الفلسطيني في الأمن والسلام والكرامة والحقوق المتساوية وكذلك حقه بدولة مستقلة، ومروراً باستخدام الإدارة الأمريكية مصطلحات من قبيل "حل الدولتين" و"القدس الشرقية" و"عدم المساس بالوضع الراهن".

وهذه تعبيرات لطالما غابت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.

بيدَ أنّ عوض الله استدرك قائلا إن "خطاب إدارة بايدن بشكله الجيّد بحاجة إلى أن يتحول لأبعد من ذلك، أي لخطوات عملية لتثبيت حقوق الفلسطينيين الشرعية اذا كانت الولايات المتحدة جادة بخطابها".

طريق إحياء المسار السياسي ليس سهلاً

وأقر عمر عوض الله في حديثه لموقع "زوايا" أن الطريق إلى إحياء المسار السياسي لتحقيق حل الدولتين ليس سهلاً، لكنه شدد بالوقت ذاته على أنّ واشنطن ليست بحاجة لاختراع العجلة من جديد او تضع معايير مختلفة.

إذ أن كلها موجودة من خلال قرارات الشرعية الدولية ومنظمة الأمم المتحدة.

اقرأ أيضاً: “القدس” توحد الفلسطينيين من النهر إلى البحر وتكسر حاجز الخوف من الاحتلال

واستذكر عوض الله أحدث القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة رقم 2334، حيث تحدث عن حل الدولتين وضرورة إنهاء الاحتلال واعتبار الاستيطان عائقاً كبيراً امام عملية السلام، وأشار القرار أيضاً إلى القدس كعاصمة لدولتين.

ماذا تتوقع السلطة من إدارة بايدن؟

ورداً على سؤال حول ما تتوقعه السلطة الفلسطينية من الإدارة الأمريكية في قادم الايام، قال المسؤول بوزارة الخارجية عمر عوض الله إنه يعتقد بأن هبة الشعب الفلسطيني في القدس وكل مكان، إضافة إلى صمود سكان قطاع غزة، قد فرض نفسه على المعادلة الدولية وكذلك على اي مسار سياسي بأن يأخذ بالاعتبار ان جذر المشكلة هو الاحتلال.

وأضاف عوض الله ان السلطة تتوقع أن تقوم اللجنة الرباعية الدولية بعقد اجتماع سريع لإطلاق مؤتمر دولي للسلام لتنفيذ رؤية لعملية سياسية جادة وذات مغزى، مع ضرورة أن تنتهي بإطار زمني واضح بناء على مرجعيات السلام المعروفة.

ودعا عوض الله إلى حراك دولي سريع من بوابة "الرباعية الدولية" لفرض الحقيقة على اسرائيل بصفتها سلطة قائمة بالاحتلال، بموازاة إطلاق مسار سياسي ليس محصورا فقط بالمفاوضات، من منطلق أن المجتمع الدولي مطالب بإنهاء الاحتلال بشكل فوري سواء عبر المفاوضات أو غيرها من الطرق.

مجرّد تخدير واحتواء!

في المقابل، قال الصحفي المختص بشؤون السياسة الأمريكية محمد القاسم لـ"زوايا" أن الإدارة الامريكية الحالية لم تتبنَ مقاربة سياسية جديدة في طريقة تحريك المسار السياسي وإنما عادت إلى الطريقة التقليدية كعنوان لحفظ الاستقرار.

واعتبر القاسم خطاب الإدارة الامريكية عن "حل الدولتين" وما تبع ذلك من حراك دولي بمثابة "تخدير واحتواء" للأمور لانها كانت على وشك الخروج عن السيطرة، على إثر الحرب على غزة وما رافقها من مواجهات في بقية الأراضي الفلسطينية، وتظاهرات غاضبة في بلدان عربية وعالمية مثل الأردن.

وقدّر القاسم أن نشهد في الفترة القادمة تدفقاً للأموال من أمريكا ودول أخرى لصالح السلطة الفلسطينية للحفاظ على استقرارها ومكانتها، لكنه استبعد حدوث اي تقدم على صعيد المسار السياسي.

المصدر : زوايا - أدهم مناصرة
atyaf logo