ترجمة خاصة: "عبثية محمود عباس"

الرئيس محمود عباس
الرئيس محمود عباس

بعد سنوات من ترأس السلطة، هل يمثل الرئيس الفلسطيني محمود عباس المعترف به دوليًا أي شخص آخر غير نفسه؟

"كتب هذا التقرير بواسطة الصحفية أنتشيل فوهرا، كاتب ومعلق على الشؤون السياسية في الشرق الاوسط في صحيفة فورين بوليسي الأمريكية وترجم بواسطة موقع زوايا للفكر والاعلام."

الصحفية: أنتشيل فوهرا

في الساعة الثانية من صباح يوم الجمعة المنصرم، انتهت موجة القتال التي استمرت 11 يومًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين مع تطبيق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه مصر.

لكن الصواريخ التي أطلقتها حركة المقاومة الاسلامية (حماس) والغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر انتهت فقط بعد أن أودت بحياة 12 إسرائيليًا ونحو 250 فلسطينيًا.

في حين أن ميزان القوى يميل بوضوح لصالح إسرائيل، وهي قوة عسكرية متفوقة. شعر العديد من الفلسطينيين أن الجولة الأخيرة من الصراع جلبت لهم نصراً ضئيلاً، ولكنه مهم لأن المفاوضات السلمية لم تسفر عن أي شيء إلى يومنا هذا.

لأول مرة منذ فترة طويلة شعر الفلسطينيون أنهم أظهروا استياءهم من التجاوزات الإسرائيلية بدلاً من ابتلاع كبريائهم وانتظار أمل العالم لهم أو للانتهاكات الإسرائيلية بحقهم. لقد اتحدوا ليس فقط في غضبهم من استخدام إسرائيل المفرط للقوة ضد سكان غزة، ولكن أيضًا في دعمهم لرد حماس على إسرائيل.

ورأى الفلسطينيون وابل الصواريخ الذي تم إطلاقه على إسرائيل على أنه رد مناسب من قبل شعب ساخط، وليس استفزازًا. مع انتهاء المعركة دون تنازل أي من الطرفين، احتفل آلاف الفلسطينيين في شوارع كافة المدن بانقضاء هذه الجولة.

قال بعض الخبراء إن أولئك الذين يعيشون داخل الأراضي المحتلة 48 والذين يعيشون أيضا كمواطنين إسرائيليين داخل إسرائيل يفكرون في مزايا تنظيم حملة موسعة للمقاومة المسلحة لتكثيف نضالهم من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة وضد الفصل العنصري المزعوم من قبل إسرائيل.

اقرأ أيضاً: حماس أمام توجّهين دوليين بعد الحرب..ما هما؟

قال العديد ممن تحدثت معهم مجلة فورين بوليسي إنهم سئموا ببساطة انتظار المحادثات أو الاتفاقيات التي تؤدي إلى دولة منفصلة على طول الحدود كما تم تحديدها حتى عام 1967 - قبل ضم إسرائيل للقدس الشرقية.

قالوا إنهم سيدعمون انتفاضة مسلحة فقط لتذكير إسرائيل بأنهم لم يتخلوا عن حقهم في تقرير مصيرهم ولن يقبلوا أبدًا بالوضع الراهن الذي ترغب إسرائيل فرضه عليهم كأمر واقع.

يكمن في قلب الفلسطينيين إحباط من إسرائيل العنيدة التي تريد إدارة الصراع بدلاً من حله، ولكن أيضًا رئيسهم، محمود عباس، الذي يراه معظم الفلسطينيين سواء الذين يعيشون في الوطن أو في الشتات على أنه غير فعال وضعيف وبلا فائدة، وفي بعض الأحيان يحاول تقديم الأمن الإسرائيلي على حقوق وأمن الفلسطينيين.

كما زادت أيضا الأزمة الأخيرة من تراجعه شعبيا، بينما من المتوقع أن تزداد شعبية حماس.

يشك البعض في أن الكثير من الشباب يمكن أن يطيع نداء حماس لحمل السلاح إذا شعروا أنه ليس لديهم خيارات أخرى ولا شيء يخسرونه.

ويقول آخرون إن الأزمة أعطت زخماً لحركتي فتح التي يتزعمها عباس (أكبر فصيل في منظمة التحرير الفلسطينية متعددة الأحزاب) وحماس لتوحيد المقاومة الفلسطينية وإعادة تنظيمها، لإعطاء إسرائيل درسا مفاده أن تكلفة إسرائيل سوف تكون كبيرة وحتمية إذا ما جرّت قدميها إلى أي قتال.

من الصعب القول ما إذا كان أي منهما سيتحقق، لكن في نهاية الأزمة الأخيرة، لم تحقق لإسرائيل الكثير.

نعم إن إسرائيل نجحت في إيقاع المزيد من الضحايا، لكن لا يوجد شيء ملموس ومقنع بأنها ردعت أو على الأقل أوقفت حماس عن إطلاق الصواريخ مرة أخرى على المدن الإسرائيلية. بدلاً من ذلك، أدت سياساتها والنزاع الأخير الذي طال بلا داعٍ إلى إضعاف عباس - العدو الأكثر براغماتية لإسرائيل.

كانت قد فضلت إسرائيل والولايات المتحدة عباس، الذي يُنظر إليه على أنه معتدل، ليحل محل ياسر عرفات، وهو شخصية مثيرة للجدل في الغرب لكنه زعيم يتمتع بشرعية وبلا منازع في المجتمع الفلسطيني. بعد وفاة عرفات في عام 2004، تم اختيار عباس بالفعل كرئيس لحركة فتح، وفي ديسمبر من ذلك العام أثناء ترشحه للرئاسة الفلسطينية، دعا إلى إنهاء العنف في الانتفاضة الثانية، وهي انتفاضة حدثت عام 2000.

بينما خاضت حماس والجهاد الإسلامي المتمركزتان في غزة حروبًا صغيرة بشكل متقطع مع إسرائيل او ما يسمى بجولات تصعيدية، كان النهج الأوسع للسلطة الفلسطينية بقيادة عباس والذي يعتبره المجتمع الدولي ممثل الشعب الفلسطيني هو الانخراط في محادثات مع إسرائيل والغرب لحل الأمور سلميا.

حالت كل تلك المحادثات دون المضي إلى أي مكان أو إنجاز للفلسطينيين، وإذا كان هناك أي أمل كان الفلسطينيون يتشبثون به، فقد تم القضاء عليه من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي وقع على نقل السفارة الأمريكية من إسرائيل (تل ابيب) إلى المدينة المقدسة المتنازع عليها من الطرفان (القدس) في عام 2018

ولكن مع اقتحام الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى في أواخر شهر رمضان المنصرم، ثبت أن القدس نقطة تحول وحينها أطلقت حماس الصواريخ من غزة رداً على ذلك الاقتحام، وشعر العديد من الفلسطينيين بالقوة.

حينها قال كثيرون إن سياسة الاعتدال والمفاوضات التي يتبناها عباس لم تكن مجدية منذ سنوات كما قالوا أيضا إن التفاوض اللامتناهي أو المطالبة بالمفاوضات ليس فقط عبثًا، ولكنه مهين للفلسطينيين بكل أشكاله.

يتوقع الخبراء الفلسطينيون أن يرتفع قدر حماس لدى الفلسطينيين في أعقاب الصراع الأخير، وأن يفقد عباس أي قدر ضئيل من المصداقية المتبقية لديه.
اقرأ أيضاً: “القدس” توحد الفلسطينيين من النهر إلى البحر وتكسر حاجز الخوف من الاحتلال

قال علي الجرباوي، الوزير السابق في حكومة السلطة الفلسطينية والمحلل السياسي "إن اليأس من عملية السلام البائدة بين الناس كان ملموسًا ومن المتوقع أن يزيد الدعم لحركة حماس. أعتقد أنه سيكون هناك المزيد من الدعم للمقاومة المسلحة لحماس، لأن الفلسطينيين المعتدلين مثل عباس ليس لديهم شريك جيد في إسرائيل."

حماس ستحشد المزيد من الناس، نعم بالتأكيد. لكن ما هي خياراتنا؟ لا توجد طريقة أخرى غير المقاومة المسلحة. لا أمل في المفاوضات، فهي عملية لا نهاية لها. المقاومة المسلحة أعطت الناس أخيرًا بعض الأمل".

مصطفى البرغوثي، سياسي فلسطيني يشغل منصب الأمين العام لحزب سياسي يُدعى المبادرة الوطنية الفلسطينية وعضو في المجلس التشريعي الفلسطيني منذ عام 2006، قال إنه بعد الأزمة الأخيرة وجد الفلسطينيون المقاومة العسكرية أكثر نجاحًا من الدبلوماسية، وأضاف قائلا: "آخر ما يريد الناس رؤيته هو تكرار الماضي، الاتفاقات المؤقتة، وما شابه".

وختم حديثه قائلا: "نحن بحاجة إلى أن نقرر ما يجب أن تكون عليه استراتيجيتنا السياسية وأي شكل من أشكال النضال - مسلحًا أم سلميًا – نعم إن الرأي العام هو استخدام المقاومة الشعبية اللاعنفية ولكن أيضًا المقاومة العسكرية مطلوبة عندما يكون ذلك دفاعًا عن النفس".

وقالت دانا الكرد، الأستاذة المساعدة في معهد الدوحة للدراسات العليا، إن افتقار عباس للمصداقية كان بسبب إخفاقاته العديدة. وأضافت أيضا "لقد تجاوز فترة ولايته"، في إشارة إلى عدم شرعية عباس لتخطيه فترة ولايته التي امتدت منذ العام 2005.

قالت الكرد أيضا: "حقيقة أنه يرأس السلطة الفلسطينية منذ عام 1994 ولم يحقق أيًا من أهدافها وعلى ما يبدو أنه يشكل عائقا رئيسيا أمام التحرير الفلسطيني هو سبب آخر جعل الناس تضيق ذرعا منه حقا، كما أن الفلسطينيين استشاطوا غضبا عندما أجّل عباس الانتخابات إلى أجل غير مسمى، والتي كان من المفترض إجراؤها الشهر الماضي بعد توقف دام 15 عامًا، قال كثيرون: "إنه يخشى الخسارة فيها".

وأضافت: "علاوة على ذلك، أوعز للشرطة الفلسطينية منع الناس من التظاهر في بداية الأزمة ردًا على ما كان يحدث في القدس، مما أثار استياء الناس حقًا".

إلا أن البرغوثي تعاطف مع عباس ووصفه بأنه "ضحية" الإسرائيليين والأمريكيين، الرجل الذي صدق وعودهم وبذل كل طاقته في صنع السلام من خلال المفاوضات فقط. وقال إن "الإسرائيليين خذلوه، وخذله المجتمع الدولي".

وأضاف أن عباس يتعرض الآن لضغوط لتأسيس قيادة موحدة: "لقد أرسلنا بالفعل رسائل إلى جميع الأحزاب السياسية الأربعة عشر للالتقاء والتوحد ومناقشة الاستراتيجية التي ستبنى عليها الأمور في قادم الأيام".

ومع ذلك، يقول آخرون إن عباس البالغ من العمر 85 عامًا لا داعي لأن يشعر بالقلق وسيظل رئيسًا مدى الحياة، حيث إنه لم يتم إعداد أحد لتولي زمام الأمور من بعده أو حتى منافسته.

يعتبر مروان البرغوثي، ابن عم مصطفى البرغوثي، والذي يُنظر إليه على أنه زعيم الانتفاضتين الأولى والثانية، منافسًا قويًا.

ووفقًا لاستطلاع للرأي أجراه مركز القدس للإعلام والاتصالات، كان سيحصل على أصوات أكثر من عباس لو كانت الانتخابات قد تمت لكنه في سجن إسرائيلي، محكوم عليه بخمس أحكام بالسجن المؤبد بالإضافة إلى 40 عاما. هناك أيضًا محمد دحلان الفلسطيني الذي يعتقد أنه لعب دورًا في صفقة التطبيع الإسرائيلية مع الامارات وهو في الواقع مقيم في الإمارات.

ويدعمه الإماراتيون ويقال إنه كان مدعومًا من إدارة ترامب أيضًا، لكن ليس لديه سوى القليل من الشرعية داخل الأراضي الفلسطينية. تم حظر حماس باعتبارها منظمة إرهابية من قبل العديد من الدول بما في ذلك الولايات المتحدة ولا يمكن أن ينظر إليها المجتمع الدولي على أنها ممثلة للشعب الفلسطيني. حتى في أوساط الفلسطينيين، بينما قد ترتفع شعبيتها، لا يزال هناك عدد كاف من الذين ينتقدونها.

تحدثت يارا إلى فورين بوليسي عبر الهاتف من أحد شوارع غزة التي تعرضت الايام المنصرمة للقصف الشديد، والتي خافت من تهديد أمنها وطلبت عدم الكشف عن هويتها، وقالت: "حقيقة أن حماس ردت - بغض النظر عن مدى فعالية الرد - أشعر الفلسطينيون بوجود من يتحدث باسمهم، لكن هذا لا يعني أننا نريد التصويت لحماس أو أن تحكمها، الناس لا يريدون حماس لأنها حزب ديني"

يتبقى أن نرى ما إذا كان المزيد من الفلسطينيين سيختارون فعليًا الكفاح المسلح أو أن هذا الدعم سوف يتلاشى ببساطة. في حين أن أسهم حماس قد ترتفع، فإن العديد من الفلسطينيين يدركون تمامًا عيوب الحركة ويعارضون سياساتها.

ومع ذلك، فإن دعمهم لصواريخ حماس أظهر مدى اليأس الذي يشعرون به من الدبلوماسية العباسية ومدى يأسهم لتغيير هذا المسار.

أصل التقرير المُترجم

المصدر : خاص- ترجمة: طارق رامي الشريف

مواضيع ذات صلة

atyaf logo