تقرير رد الفعل الشعبي على ما جرى في غزة والقدس أربك القيادة الفلسطينية

انتفاضة المقدسيين
انتفاضة المقدسيين

شكلت انتفاضة المقدسيين ضد العدوان الإسرائيلي في الأقصى وعمليات التطهير العرقي في حي الشيخ جراح بالقدس وما تبعها من رد المقاومة وانتصارها على العدوان صدمة وصحوة في الشارع الفلسطيني، وفجّرت حالة الكبت وأحيت من جديدة المعنويات لدى المواطنين الفلسطينيين، وشكلت حالة تلاحم تاريخية لدى الشعب المقسم ما بين قطاع غزة وأراضي 48، والضفة الغربية بما فيها القدس، كما يرى كثير من المحللين السياسيين.

عملية التلاحم الشعبية بين الفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية، ضاعفت تطلعات الشعب الفلسطيني إلى أقصى درجة بحيث لم يعد سقف طموحهم الوطني دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ولم يعد طموحهم فقط توفير مقومات الحياة والصمود من توفير الصحة والتعليم والعمل والأمن والقضاء العادل، بل قفزت على كل ذلك وبات المطلب دولة فلسطينية من النهر إلى البحر، وفق ما يرى الكاتب والمحامي صلاح الدين موسى.

تلك الطموحات التي نشأت خلال الأيام القليلة الماضية، يراها البعض بأنها وسّعت من الفجوة بين القيادة وتطلعات الشعب، والتي أشار إليها أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب على في مقابلة على تلفزيون فلسطين بتاريخ (14/5/2021).

حيث قال "القيادة الفلسطينية أحوج لأن يكون خطابها قريب لنبض الشارع".

فيما يرى الكاتب صلاح الدين موسى في حديثه لـ "زوايا" أن ما حدث مؤخرا أعاد تشكيل الوعي، السمعي والسردي، بمعنى أن المواطنين كانوا يعيشون حالة هزيمة غير مسبوقة ما قبل العدوان الأخير على غزة، وكانوا في ذات الوقت يبحثون عن الخلاص الفردي لان النموذج الذي قدمه وأنتجه أوسلو وعززه الانقسام، كان نموذج يتجه نحو انهيار فكرة الهوية الوطنية بالتالي كان المواطنون ينظرون الى الأمور من منظار المكسب المادي الشخصي، وبات تسلق المواقع في الفصائل والسلطة يهدف للوصول الى اقصى درجات الفائدة الشخصية الممكنة.

نيران غزة شكلت صدمة لدى الشعب

وأضاف: جاءت هذه الحالة اليوم، التي شكلت صدمة للمواطنين وفاقت توقعاتهم، بالتالي دفعتهم لأن تكون تطلعاتهم إلى الدرجة القصوى بمعنى أنه مطالبهم أصبحت ليست حدود الرابع من حزيران عام 1967، وإنما حيفا ويافا وكل فلسطين وبما تحمله من مفهوم الهوية الوطنية الواحدة، والتي أعادوا من خلالها تشكيل المفهوم الوطني ومنحتهم الفرصة لإعادة التفكير بفلسطين التاريخية، لأنه اتفاق أوسلو جعل من ارتباطنا بفلسطين التاريخية كانه ارتباط بدولة أخرى وشعب أخر.

اقرأ أيضاً: د. عشراوي لـ “زوايا”: حماس أصبحت أكثر قوة والاحتلال يشعر بالخطر

وبيّن موسى أن ما يحدث اليوم هو ردم لفجوة الوعي التي راكمها اتفاق أوسلو. ورأى أنه "لا يمكن ردم الفجوة التي أصبحت بيننا وبين القيادة لأن الأحداث تجاوزت القيادة السياسية بمفهومها الحالي، وأصبحت تطلعات أبعد من إصلاح منظمة التحرير او قيادة موحدة او انهاء الانقسام، وإنما تريد قيادة توازن بين قوة النيران التي خرجت من غزة، والتي ترافقت مع الاندفاع المعنوي للشعب".

وقال إن القيادة السياسة بما فيها حماس وفتح وباقي الفصائل غير قادرة على استيعاب حجم التغيير الهائل لدى الوطنين في الوعي والاندفاع نحو التطلعات الأبعد، لأن المواطنين اكتشفوا أن لدى المقاومة إمكانيات غير متوقعة .
ولمعالجة ذلك، رأى موسى أنه "يجب على من يقود المشهد وخصوصا حماس والجهاد الإسلامي، أن تكون مرنة واستيعاب هذه الحالة لإحداث التغيير".
وأوضح: نحن اليوم أمام مفصل يجب ان نعيد مفاهيم التعامل مع المرحلة، وإذا نجحنا يمكن تقديم نموذج للمزج ما بين النضال السياسي والقوة النارية العسكرية، ويجب أن نعيد إنتاج نفسنا من جديد، وأن نفصل بين مسألتين أولا إدارة حياة المواطنين من خلال السلطة، والجسم السياسي "منظمة التحرير"، بالتالي عدم تفرد فتح والرئيس بها وإدارة الملف وكأنه ملف أمني سياسي بالمفهوم التفصيلي فقط وليس بالمفهوم الاستراتيجي.
واعتبر أن حركة حماس كان لديها خطة لتغيير الواقع السياسي من خلال الانتخابات، وعندما فشل هذا الخيار، ذهبت الى الخطة التالية وهي الحرب، وقد نجحت في ذلك، حيث انتقل مفهوم قيادة الملف الفلسطيني اليوم بالمفهوم السياسي إلى الصعيد الإقليمي، وأعادت ملف القضية الفلسطينية إلى مصر والأردن، وسحبت نقاط كثيرة من الرئيس أبو مازن.
ولترتيب الصفوف من جديد، وتغيير قواعد المواجهة مع الاحتلال، أكد موسى على ضرورة أن "نعيد تكويننا على عدة مستويات:

أولاً: فصل السلطة تمام عن منظمة التحرير.

ثانيا: إعادة صياغة مفهوم القيادة السياسية في منظمة التحرير على الصعيد المحلي الداخلي والدولي، وإن لم يحدث ذلك، يجب على القوى الوسطية مثل قوى اليسار الفلسطيني أن تشكل جسما موحدا لقيادة عملية التغيير السياسي والشعبي، أو الانتظار حتى تتأكل القيادة الحالي التي تعب منها الشعب".

ما جرى من انفعال شعبي أربك القيادة

أما المحلل السياسي اشرف عكة، فقد رأى في حديثه لـ"زوايا" أن عدة أسباب وراء الفجوة بين السلطة وتطلعات الشعب، من بينها تطلعات اجتماعية يومية، فقد مر نحو 28 عاما من عمر السلطة الفلسطينية دون أن تفرز نظاما سياسيا "محترما"، ولا مؤسسات وطنية "محترمة" قادرة على تلبية حقوق الناس اليومية في القطاعات التعليمية والصحية، بالتالي ذلك شكل مدخلا حقيقيا لاتساع هذه الفجوة، كما أن السلطة لم تعالج القضايا الوطنية باقتدار بالعكس يوجد ملاحظات على طموحاتنا الوطنية الكبرى سواء في بناء الدولة او تقرير المصير او العودة، بالتالي القيادة لم تعد مستجيبة لنبض الناس.

وقال إن التطلعات الكفاحية بحاجة لحاضنة اجتماعية ترعاها مؤسسات السلطة او الفصائل، بالتالي عدم وجود الحاضنة تجعل العمل الكفاحي النضالي مكشوف الضهر، بالتالي الشعب يحمّل القيادة السياسية ما وصل إليه الحالي.
وأضاف: الشعب يرى أن فشل العملية السياسية ليس نابع فقط من تعنت إسرائيل وإنما من سلسلة التنازلات والتراخي الفلسطيني الرسمي دون الوقوف بحزم في وجه نتنياهو.

اقرأ أيضاً: “القدس” توحد الفلسطينيين من النهر إلى البحر وتكسر حاجز الخوف من الاحتلال

واعتبر عكة أن ما جرى خلال الـ11 يوما من العدوان على غزة وما سبقها، أظهر أن طموح شعبنا لم يعد ما يطرح علينا او حدود الرابع من حزيران عام 1967، وإنما أصبح الطموح فلسطين التاريخية، وذلك بفعل الكفاح المسلح.

وبيّن أن الارتباك في الخطاب السياسي، ناتج عن سوء الأداء لدى القيادة ورهانها على موقف واحد ووحيد وهو استراتيجية المفاوضات والحل السياسي، والذي بدوره عطّل عملية اشتقاق حالات نضالية مختلفة واسناد حالات نضالية خاصة في الضفة.
وأوضح أن ما جرى من انفعال شعبي اربك القيادة وخطابها، لأنها كانت تظن أن المزاج الشعبي ومستوى طموح الشعب هابط، لكن اكتشفنا أن مستوى طموحه أعلى بكثير مما كنا نظن.
وأشار إلى أن ما أفرزته السلطة من طبقية وإعادة إنتاج العائلات الطبقية ترسخ منذ مجيء السلطة، في المقابل تراجعات الأحزاب لصالح العشيرة التي لها ارتباطات اجتماعية وطبقية بعيدة عن هموم الشعب.
وأكد أن ما يجري اليوم هو استفتاء على خيار المقاومة بكافة أشكالها وفي كافة أماكنها من تجمعات شعبنا، ففي غزة يوجد أدوات مقاومة مختلفة عن الضفة، وفي الداخل المحتلة عام 1948 مختلف عن أدوات المقاومة في الضفة.

جماهير "فتح" من يساعدون الحركة وليس قادتها

من جانبه، نفى مسؤول الإعلام في مفوضية التعبئة والتنظيم بحركة فتح، منير الجاغوب، في حديثه لـ"زوايا"، أن تكون هناك فجوة بين القيادة وتطلعات الشعب.

قائلا: لا نستطيع ان يوجد فجوة، وإنما خلل في الحالة الموجودة بسبب بقاء الاحتلال، واستمراره في القتل، لان الشعب يتطلع لقيادته وفصائله أن تخلصه من الاحتلال وجرائمه، وهذا ما أدى لعزوف الشعب عن العمل السياسي، لأنه يرى وجود مؤسسات أمنية ومدنية فلسطينية لكن لا يوجد أمان ففي أي لحظة قد يقتلك الجندي الإسرائيلي على الحاجز. مضيفا أنه لا علاج لذلك إلا بانتهاء الاحتلال.

وحول فشل المسار السياسي في تحقق تطلعات الشعب الفلسطيني في تقرير المصير استرداد حقوقه، قال الجاغوب: نحن لم نفشل في المسار السياسي، وإنما إسرائيل من افشلت المسار السياسي، ولدينا الان أوراق قوة منها المقاومة الشعبية في الضفة وفي أراضي الـ 48 والمقاومة المسلحة في غزة، والتي يجب ان تكون مكملة لبعضها البعض للحصول على إنجازات سياسية.
وحول المظاهرات الواسعة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية بما فيها أراضي الـ48، استحضر الجاغوب مقولة للرئيس الراحل ياسر عرفات، قائلا: الرئيس أبو عمار كان يقول دائما "هذا الشعب أكبر من قيادته".
وأضاف الجاغوب: من يساعد حركة فتح هو جمهورها وليس قادتها السياسيين، إذ أن القيادة قد تخطئ لكن بوصلة الجماهير لم تخطئ يوما، وقد دللت على ذلك مظاهرات الاضراب الكبير، لأنه الامر اصبح يتعلق بالقدس والوجود الفلسطيني فيها.

المصدر : زوايا-  إبراهيم محمد
atyaf logo