تقرير "معركة القدس": المآلات الفلسطينية والإسرائيلية

رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو
رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو

أثارت معركة القدس بكل تجلياتها و تدحرجها إلى حرب على غزة ومواجهات في الضفة الغربية والمدن والبلدات الفلسطينية في اراضي48، العديد من التكهنات والتساؤلات بشأن مآلات كل ذلك على الحالة الوطنية وتوازنات القوى في الشارع الفلسطيني في قادم الأيام.

السياسي والإعلامي نبيل عمرو قال في حديث خاص لموقع "زوايا" إنه لا يُمكن إعطاء تقييم نهائي لما سيتمخض عن الأحداث الجارية والمتلاحقة مستقبلاً.

وأكد أنه من السابق لأوانه التنبؤ بذلك، خاصة أن احداً لا يعلم إلى أين ستصل قضية الوساطة العربية والدولية لتحقيق التهدئة في قطاع غزة.

اقرأ أيضاً: مقدسي قدم مساعدة ليهودي فتحولت لنقمة على أحفاده في الشيخ جراح”انفوجراف”

كما انه لا إجابات على أسئلة من قبيل: "ما هي طبيعة تهدئة غزة المرتقبة و شروطها وبنودها؟.. وماهي هي ضمانات التقيد بها".

وتابع عمرو: "النصف الآخر من المعركة لا زال غير واضح".

نتنياهو نجح وإسرائيل فشلت!

غير أنّ نبيل عمرو اعتبر من الناحية الاسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد حقق نجاحاً شخصياً في مقابل فشل إسرائيل. وأوضح أن نتنياهو حقق هدفه بالبقاء رئيساً للوزراء لأنه استعاد زعامة اليمين ونفتالي بينيت.

حيث أن نتنياهو إذا لم يتمكن من تشكيل حكومة جديدة فإنه قد ضَمِن على الأقل البقاء في رئاسة الحكومة الحالية لستة أشهر لحين إجراء الانتخابات الخامسة؛ وفي الحالتين نجح نتنياهو، بحسب عمرو.

في المقابل، أشار عمرو إلى أن إسرائيل خسرت كثيرا في الحرب الحالية على غزة؛ حيث كانت هجماتها أكثر دموية وتدميراً لدرجة قتل الاطفال والنساء، فقط للتأكيد للمستوطنين واليمين أن قدرتها الفائقة على تدمير غزة.. فظهرت إسرائيل أمام العالم بصورة "الدولة العصبية الانتقامية".

واما على الصعيد الامني، فقد تبين ان الاستخبارات الاسرائيلية التي سرقت الارشيف النووي الإيراني قد تفاجأت باشتعال الجبهة الداخلية في اراضي48، تزامناً مع ميدان الضفة الغربية وقطاع غزة، يقول عمرو.

كما اعتبر أن اتفاقيات التطبيع الاسرائيلية مع دول عربية في السنة الأخيرة تبين أنه لا قيمة لها.. فنتنياهو الذي تباهى بالتطبيع مع الخرطوم مثلاً لا يستطيع حلّ أزمة عكا!

التقييم الفلسطيني سابق لأوانه!

أما فلسطينياً، يقول عمرو إن الحرب ما دامت مستمرة من الصعب تقييم الربح والخسارة الفلسطينية وقول أي شيء.

لكنه شدد على انه بمجرد توقف الحرب فإنه هناك الكثير مما يقال بشأن الضرر الفلسطيني والأخطاء التي لا بد من تلافي وقوعها وطنياً وسياسياً.

ورداً على تأثيرات معركة "القدس" وامتداداتها إلى الضفة وغزة وأراضي 48 على مكانة السلطة الفلسطينية التي بدت ضعيفة وبائسة أمام الشارع الفلسطيني، قال عمرو إن السلطة هي حيّدت نفسها إلى جانب تحييدها من قبل العالم منذ زمن.. مؤكداً أن "أكبر خطيئة للسلطة أنها ألغت الانتخابات".

وبين عمرو في حوار خاص مع موقع "زوايا" أن دول العالم تتحدث مع أطراف الحرب والأزمة في هذه الأثناء، أي مع حماس واسرائيل، ولا تتحدث مع السلطة.

حتى ان المبعوث الامريكي هادي عمرو سيتكلم مع حماس إما سراً او عبر وسطاء، وفق نبيل عمرو.

وأشار إلى أن هذا سببه أن مكانة السلطة في الأزمات لم تعد قائمة وضعفت أكثر منذ الغاء الانتخابات".
ولكن.. هل سيخلق هذا المستجدّ مقاربة امريكية جديدة لتعزيز مكانة السلطة الفلسطينية؟

يجيب عمرو: الولايات المتحدة تريد منح مساعدات مالية وبعض الخطوات الاخرى، ولكن هذا لن يُعدل موازين القوى الفلسطينية ولن يكفي لتقوية السلطة.

بيدَ أن عمرو أفاد أن حالة وحيدة يمكن من خلالها تقوية مكانة السلطة وتتمثل بطرح الإدارة الأمريكية خطة سلام جدية لتحريك العملية السياسية وإخراجها من عنق الزجاجة، لكن هذا مُستبعد؛ لأن واشنطن ليست بهذا الوارد الآن.

تراكمات كمّية تؤدي إلى تغيرات نوعية

ويتفق أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بيرزيت د.غسان الخطيب مع نبيل عمرو في القول إنه من الصعوبة بمكان أن يتم تقدير استباقي للمستقبل خاصة على ضوء متغيرات سريعة وطارئة يمكن ان تحصل، وأبرزها ما يتعلق بنتيجة معؤكة القدس بين حماس واسرائيل، وما ستفرز من توازنات عسكرية معينة قد يكون لها تأثير على ما سينتج من مستجدات.

اقرأ أيضاً: الخبير العسكري واصف عريقات لـ “زوايا”: المقاومة رسخت معادلة جديدة في معركة القدس

لكن بغض النظر عن ذلك، فإن الحركة الواسعة والشاملة للهبة الفلسطينية في كل مكان هي مؤشر واضح على إخفاق السياسة الاسرائيلية بشكل ذريع، بمنظور غسان الخطيب؛ ذلك أن "إسرائيل اشبعتنا بادعائها أنها استوعبت فلسطينيي 48 وأنها فرضت الهدوء في الضفة.

ناهيك عن زعمها أن فلسطينيي القدس أصبحوا مستوعبين وان جيلا جديدا لم يعد يجمعه بباقي الفلسطينيين في اماكن اخرى بأي روابط".
ولهذا، يعتقد الخطيب في حديثه لموقع "زوايا" أن ما يجري هو فشل لمجمل الاستراتيجيات الإسرائيلية على مدار سنوات.

فالعنصرية الإسرائيلية أدت لإنفجار الفلسطينيين. وأن إهمال المصالح الوطنية وإضعاف السلطة الفلسطينية والقهر الاستيطاني في الضفة، كلها أسباب للتراكم ومن ثم تفجر الأوضاع في كل مكان التواجد الفلسطيني.

ناهيك أن أحداث القدس هي رد فعل على تصاعد القيود الاسرائيلية بحق المقدسيين.

الخلاصة الأكيدة: فشل استراتيجيات إسرائيل

وهنا، يقول الخطيب إنه إذا كان هناك استخلاص يمكن الاشارة له بشكل واثق مبكراً هو فشل سياسات اسرائيل.. فالأخيرة لم تُروّض غزة، ولم تهضم فلسطيين48، ولم تكبت الضفة. وهذا ناتج عن مخاض الغرور والعنصرية الإسرائيلية المتفاقمة.

وهنا يبرز تساؤل: ألا يُخشى من انتقام اسرائيلي من فلسطينيي الضفة عبر تحريم استخدامهم الشوارع الخارجية بين المحافظات أو تطهير عرقي في القدس واراضي48؟

يُجيب غسان الخطيب أنه بالرغم من خطورة الوضع في شوارع الضفة الغربية الخارجية بسبب اعتداءات المستوطنين، إلا أن المواطنين الفلسطينيين واصلوا استخدام هذه الشوارع، فهُم "لم يسلموا أن هذه الطرق لم تعد لنا".

وشبه الخطيب الوضع الذي يعيشه الفلسطينيون في طرقات الضفة الغربية الآن، بالحال الذي كان عليه المستوطنون في الانتفاضة الأولى التي اندلعت إبان الثمانينيات.

وكأن الوضع انعكس.. غير أنه يستدرك قائلاً: "رغم خطورة المستوطنين وتزايد اعدادهم، إلا أنني لا أظن أنهم سيفرضون علينا واقعاً مختلفاً سواء في الضفة والقدس أو أراضي 48".

إضعاف السلطة هو قرار إسرائيلي

وبشأن مآلات الحال بالنسبة لمكانة السلطة الفلسطينية التي تبدو في هذه الأثناء ضعيفة بلا قوة، أوضح الخطيب أن لدى اسرائيل قرار بإضعاف السلطة لأقصى درجة ممكنة لكن دون قتلها.

وبين أن ما نراه من ضعف وتهميش للسلطة نابع من سببين؛ الأول سياسة إسرائيل التي أحرجتها وهمشتها وقزمت دورها.

وأما السبب الثاني يكمن بأخطاء السلطة الذاتية والإدارية وما تسببت من فجوة بينها وبين الشارع الفلسطيني.

غير انّ السلطة الفلسطينية باقية حتى مع ضعفها، يقول الخطيب. لكنه شدد على أن عليها استخلاص العبر حتى تبقى؛ لأن العوامل الخارجية لا تسعى لتغييرها.

إلا أن عليها انتهاج سياسات من نوع آخر؛ إحداها أن تكون أقرب الى شعبها.

ونوه إلى ان الفشل الفلسطيني بإجراء الانتخابات بحد ذاته مثال على سوء تقدير الأمور لدى القيادة الفلسطينية وأخطائها المتراكمة.
لكن.. لو جرت الانتخابات الفلسطينية، هل كانت ستمنع انفجار الضفة وغزة وربما القدس؟

يقول الخطيب لموقع "زوايا" إن الانفجار الفلسطيني هو ردة فعل على ما قامت به إسرائيل في القدس.. ولذلك فإنه سواء جرت الانتخابات أم لا، فإن الشباب المقدسي ردّ بهذا الأسلوب الذي حظي بإعجاب الفلسطينيين كافة والعالم أجمع.

حماس نجحت تكتيكياً.. لكنها خسرت استراتيجياً

يقول أستاذ العلوم السياسية والاستراتيجية في جامعة حيفا د.عنان وهبة لموقع "زوايا" إن حركة "حماس" نجحت من الناحية التكتيكية العسكرية عبر المبادرة لهذه الحرب ومفاجأة إسرائيل، لكنها خسرت استراتيجياً وسياسياً.

وشدد وهبة على ان خوض حماس للحرب جاء مخالفاً لإرادة إيران التي لا ترغب بأي حدث يُخرب المفاوضات الهادفة إلى العودة للاتفاق النووي وترتيب مشهد الانتخابات الرئاسية في سوريا.

عدا أن "المحور الليبرالي" العربي الذي تقوده الدول العربية التي طبعت مع اسرائيل مؤخراً لا يشعر بالارتياح من حرب غزة لأنّ هذا يعطل قطفها لثمار التطبيع.

ناهيك أن صعود نجم "حماس" كذراع لجماعة الاخوان المسلمين يمكن ان يتسبب باضطرابات سياسية تضر استقرار الأنظمة العربية.

ولهذا، يعتقد وهبة أن حماس خسرت من الناحية الاستراتيجية، بدءاً من الدمار الكبير في غزة، ومروراً بما يشبه الاصطفاف الدولي ضد "صواريخ حماس"، علاوة على أن قيادات عسكرية من الحركة ستبقى تحت المجهر الإسرائيلي لاغتيالها في أي لحظة.

وهنا، يعتقد عنان وهبة أنه بالرغم من ضعف السلطة الفلسطينية في هذا التوقيت، إلا ان ثمة فرصة لاستعادة هيبتها بعد وضع الحرب أوزارها في غزة، وهي أن تتحمل مسؤولياتها الانسانية تجاه سكان غزة بالتنسيق مع المرجعيات العربية.

ويشير عنان وهبة إلى انطباع واضح في كل الاحداث الجارية في القدس والضفة وغزة وأراضي 48 وهو أن الحس الديني الوطني هو الذي حرك الشارع الفلسطيني في كل مكان وليس "الحس الوطني المُجرّد".

وهنا عاد السجال التقليدي بين خطابين سواء في الضفة وغزة أو اراضي48- بحسب عنان وهبة: الخطاب الديني الوطني، والثاني الخطاب الوطني البحت.

 

المصدر : خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo