تقرير تهجير سكان حي الشيخ جراح.. خنجر الاحتلال في القدس

مقدسي يتمسك ببقائه في القدس في ظل اجراءات الاحتلال التي تستهدف وجود المقدسيين
مقدسي يتمسك ببقائه في القدس في ظل اجراءات الاحتلال التي تستهدف وجود المقدسيين

تعتبر قضية إخلاء 28 منزلاً من ساكينها في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، أطول وأقدم قضية ينظر بها في محاكم الاحتلال الإسرائيلية.

تعود القضية إلى بداية سبعينيات القرن الماضي، عندما حضرت الجمعيتين الاستيطانيتين "الأشكنازيم" و"السفارديم"، ودأبت تدعي أنها تمتلك الأرض التي أقيمت عليها المنازل عام 1956، بناء على اتفاقية بين الحكومة الأردنية ممثلة بوزارة الإنشاء والتعمير، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا".

سنوات من الصراع

وفقاً لبنود هذه الاتفاقية، تمّ تسليم 28 عائلة فلسطينية من العائلات التي هُجرت من منازلها إثر النكبة هذه البيوت مقابل تخليهم عن مُسماهم كـ"لاجئين" أمام "الأونروا".

وبموجب تلك الاتفاقية كان من المفترض أن تقوم الحكومة الأردنيّة بتسليم صكوك ملكية لتلك الأسر الفلسطينية بعد ثلاث سنوات، ولكنها لم تفعل ذلك مطلقاً، ثم احتلت "إسرائيل" مدينة القدس عام 1967.

تدحرج الصراع القانوني طوال خمسين عاماً، حتى استقر هذه الأيام داخل أروقة محكمة الاحتلال العليا، والتي نظرت اليوم الأحد، في طلب تقدمت به أربع عائلات (الكرد، الجاعوني، اسكافي، القاسم) للاستئناف على قرار ترحيلها من منازلها.

يقول الشاب محمد الكرد (22 عاماً) إن المستوطنين قدموا لهم عرضاً في المحكمة، أن يوقعوا على اتفاقية يعترفوا بموجبها بملكيتهم للأرض، وفي المقابل يدفعوا لهم أجرة المنازل، ولكنهم رفضوا هذه الاتفاقية بشكل تام.

وأكد الكرد في حوار مع موقع "زوايا"، أن المحكمة أعطتهم مهلة حتى يوم الخميس حتى يتم التوصل إلى اتفاقية بين المحامين، وإلا فإنه ستنظر في طلب الاستئناف إما بالرفض أو القبول.
اقرأ أيضا: الشيخ عكرمة صبري لـ “زوايا”: القدس كانت ذريعة لإلغاء الانتخابات

وأضاف الكرد "في المحصلة نحن نرفض الاعتراف بملكيتهم للأرض، لأن ذلك يعني اعتراف قانوني ورسمي أنهم ملاك للأرض، لذا نرفض نحن هذا الاعتراف".

يروي الكرد عن تفاصيل قضيتهم، أن والده قام بتوسعة المنزل في عام 2000، إلا أن محكمة الاحتلال أغلقت هذه التوسعة وغرمت العائلة 100 ألف شيقل، وفي العام 2009 حضر المستوطنين وبحماية شرطة الاحتلال واقتحموا المنزل وقامت بالسيطرة على هذه التوسعة الجديدة.

وبحسرة يقول الكرد، أنهم يعيشون مع المستوطنين في نفس المنزل وما يفصل بينهم جدار، وهناك اختلاط في الساحة والمدخل.

وأشار إلى أن هؤلاء المستوطنين شبان يُدفع لهم أجرة من شركات استيطانية مقابل البقاء والعيش هنا، وفي كل يوم يقومون بتنغيص حياتهم والتحرش بهم والتضييق عليهم من كل النواحي، حتى يتم إجبارهم على إخلاء المنزل.

عبد الفتاح سكافي (71 عاماً) يعيش مع 13 نفراً من عائلته في داخل منزلهم المهدد بالمصادرة، يؤكد هو الآخر أنهم لن يوافقوا على التوقيع على ملكية المستوطنين للأرض، وبأن ما لدى المستوطنين من أوراق هي مزورة، ولو كان لديهم أوراقا حقيقية، لم تبقَ القضية طيلة 50 عاماً في المحاكم.

لا يثق سكافي بالقضاء الإسرائيلي قائلاً لموقع "زوايا"، "إن كان غريمك القاضي لمن تشكي"، ولكن هذه آخر محاولة لهم في المحكمة العليا، لأن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قام بتغيير كامل السلك القضائي في "إسرائيل" وجعلهم من اليمين المتطرف والمستوطنين.

يقع حي الشيخ جراح شمال البلدة القديمة في القدس المحتلة، ويتهدده التغول الاستيطاني بأكمله، وقد بدأ تنفيذه بحق 28 منزلاً يقطنها 550 شخصاً، جميعهم لاجئون هجروا عام 1948، من مناطق مختلفة من فلسطين التاريخية.

وبين عامي 2008-2009، نجح المستوطنين في تهجير ثلاث عائلات من بين 28 عائلة، هي حنون والغاوي والكرد، بواقع 12 أسرة.

وتجدر الإشارة أن محاكم الاحتلال الإسرائيلية صادقت خلال الأشهر الماضية على إخلاء 7 عائلات من منازلها، أربع عائلات منها كانت لديها مهلة إخلاء حتى اليوم الأحد، لكنها توجهت بطلب استئناف إلى المحكمة العليا.

قضية تهجير قسري

وعن تفاصيل جلسة المحكمة اليوم، يقول مستشار الرئيس الفلسطيني لشؤون القدس المحامي أحمد الرويضي، أنه كان هناك محكمة لطلب استئناف من المحكمة على إخلاء أربع عائلات من أهالي الشيخ جراح.

وأضاف الرويضي في حوار مع موقع "زوايا"، أن المحكمة حاولت أن تسير باتجاه الحديث في موضوع الملكية والأجار، وفي موضوع الملكية لا توجد أوراق قدمت تثبت أن المستوطنين من خلال لجنة اليهود الشرقيين والغربيين لديهم أي إثبات يدل أنهم مالكين، ولا يوجد أي قرار محكمة يثبت ذلك.

وبالتالي أكد الرويضي أنه لا مجال للإدعاء أن المستوطنين هم المالكين، وأن على أصحاب المنازل القبول بمبدأ المستأجر من المستوطنين الذين حاولوا اليوم تمريرهم.

وشدد الرويضي أن هذه أرض فلسطينية محتلة، وهناك اتفاقية تثبت حق العائلات وموقعة من قبل وزارة الإسكان والتعمير الأردنية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" وتعطي الحق للعائلات بالإقامة وتملك المنازل.
اقرأ أيضا: وزير شؤون القدس فادي الهدمي: العاصمة على صفيح ساخن وسنوات الأسرلة والتهويد فشلت

وتابع أن المحكمة سوف تنظر يوم الخميس القادم، إما أن يتفق الأطراف، أو أن يتم القبول بتقديم الاستئناف أو رفض تقديم الاستئناف، وفي حال وافقت على قبول تقديم الاستئناف يكون هناك وقت قانوني للمحامين، وفي حال رفضت معنى ذلك، فإن قرار الإخلاء يصبح نافذا وفي أي وقت يستطيع الاحتلال تنفيذه.

لكن الرويضي أكد أن القضية ليست قضية قانونية بل هي قضية تهجير قسري، والهدف منها طرد الناس من المنطقة المحيطة بغلاف البلدة القديمة في القدس، وإقامة حي استيطاني مكانها، وهذا المخطط يتمثل بإقامة 250 وحدة استيطانية، وهو جاهز لإقامته مكان المنازل المهددة بالإخلاء وعددها 28 منزلاً.

وشدد المحامي الرويضي على أن الموضوع سياسي بامتياز وليس قانوني، والقضية أنهم يريدوا تفريغ الأرض من سكانها حتى يسهل تنفيذ مشاريعهم، ويصبح الدخول إلى المسجد الأقصى من خلال بوابات المستوطنين.

تفكيك الأحياء الفلسطينية بالقدس

ويؤكد خليل التفكجي مدير دائرة الخرائط في بيت الشرق في حوار مع موقع "زوايا" على ما تقدم به الرويضي، قائلاً إن هناك مشروع يسمى مشروع "26 بوابة"، طرحه آرئيل شارون في عام 1990 عندما كان وزيرا للإسكان.

هذا المشروع، وفق التفكجي، هو عبارة عن إقامة مجموعة بؤر استيطانية في داخل الأحياء الفلسطينية من أجل تفكيك الأحياء الفلسطينية، وجعلها فسيفساء داخل الأحياء اليهودية.

وأضاف أن ما يجري هو تطبيق لهذا المشروع باستخدام مجموعة قوانين لتحقيق هدف استراتيجي لتقطيع كل التجمعات الفلسطينية في القدس التي بينها تواصل جغرافي، ووضع بؤر استيطانية، ليتم بعدها الطرد والإحلال.

وأكد أن الاحتلال يستهدف بناء أكثر من 200 وحدة استيطانية في حي الشيخ جراح، وهذا مشروع موجود وفيه مخططات وخرائط وما تبقى هو الإعلان عنه والبدء بتنفيذه.


مواجهة مخطط التهجير

ويقول فخري أبو ذياب الخبير في قضايا القدس إن ما يجري هو أسلوب من أساليب سيطرة الاحتلال على الأراضي وطرد السكان من منازلهم وإحلال المستوطنين بدلاً منهم لزيادة عدد المستوطنين في القدس المحتلة.

ويرى أبو ذياب في حوار مع موقع "زوايا" أن الاحتلال يتعمد إدخال المحاكم لإظهار أن هذه دولة لا تأخذ حقوق المقدسيين إلا بالمحاكم، وإظهار القضية أنها نزاع قانوني وقضائي، وليست سياسية، لكن الأصل أنها نزاع سياسي بامتياز.


وحول طرق مواجهة الموضوع، أكد أبو ذياب أنه يجب الدفاع عن أراضي الشيخ جراح بنفس الطريقة والأساليب التي تم الدفاع فيها في هبة باب الأسباط وباب الرحمة وباب العامود، وبهذا الأسلوب يستطيعوا إما تجميد الترحيل، أو إبقاء السكان في منازلهم.

وأضاف "يجب أن يكون هناك وسيلة أفضل في الدفاع عن الشيخ جراح، بأن تتوجه الأردن وهي دولة ذات سيادة ولديها الأوراق الرسمية إلى المحكمة الجنائية الدولية لمنع إخراج الناس من منازلهم بهذا الشكل القسري، لأنه إذا نجح الاحتلال في السيطرة على منازل الشيخ جراح سوف تكون هذه بداية السيطرة على بقية أحياء مدينة القدس، وخاصة في منطقة الحوض المقدس وهي من الشيخ جراح والبلدة القديمة وحتى سلوان".

 

الرويضي بدوره قال إن هناك جهودا قانونية مع محاميين دوليين يتم بذلها، وأن على الأمم المتحدة أن يكون لها دور، لأن وكالة "الأونروا" هي جزء من مؤسساتها.

أما على أرض الواقع يؤكد الشاب محمد الكرد أنهم سيقوموا بمقاومة التهجير ورفضه بكل الأشكال، ولكن في النهاية هم مجرد أفراد في مواجهة جيش الاحتلال والشرطة الإسرائيلية، وهم نظام فاشي لا يفكرون قبل استخدام القوة المفرطة، على حد تعبيره.

المصدر : القدس المحتلة- خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo