رغم مرور سبعة أعوام على فقدان نجلها، لم تفقد والدة الشاب "وائل وشاح" الأمل بعودته إلى حضنها، وإلى منزله الذي غادره في عام 2014، في قصة مأساوية حلت بعشرات الفلسطينين من سكان قطاع غزة، لا يزال يكتنفها الغموض، ويحاول موقع "زوايا" تسليط الضوء على فصولها الحزينة.
اتجه "وائل" إلى القاهرة برفقه والده، ليقرر بعدها وبالتحديد في السادس من سبتمبر من نفس العام خوض رحلة هجرة غير شرعية عبر المتوسط، تقل نحو 563 مهاجراً من جنسيات مختلفة، نصفهم من الفلسطينيين، من شواطئ الاسكندرية إلى شواطئ إيطاليا.
ومنذ ذلك الحين انقطع اتصال وائل بعائلته، فيما تلقت العائلة أنباءًا حول غرق السفينة في البحر.
وأوضحت "أم وائل" أن العائلة أجرت عدة اتصالات بأصدقاء لها في مالطا وإيطاليا والقاهرة لمعرفة مصير نجلها ومن كانوا على متن السفينة، مشيرةً إلى أن أنها غادرت إلى مصر، وتواصلت مع مسؤولين مصريين أكدوا لها أن نجلها موجود في سجن "العزولي" في الاسماعيلية "قاعدة عسكرية تابعة للجيش المصري"، وغير متهم بأي قضية، وموجود بالأرقام لكي لا يستطيع أحد أن يصل إليه.
"أبناؤنا أحياء"
وترفض والدة المفقود وائل وشاح الحديث عن موت نجلها، طالما لم يوجد هناك دليل مادي بوجود جثمانه، وتؤكد أنه لا زال على قيد الحياة.
وهنا تضيف أن هاتف نجلها بقى مفتوحًا لمدة خمسة أعوام مع أمين شرطة مصري، وأن حسابه على الفيس بوك كان يستقبل الرسائل.
اقرأ أيضا: هكذا قرأ محللون تأثير صواريخ غزة على الأحداث بالقدس
كما أوضحت أنها شاركت قبل خمسة أعوام، في اعتصام أمام البرلمان المصري نظمته عدد من الأمهات المصريات، ممن فقدوا أبناءً لهم في سفينة الإسكندرية، وأن الشرطة النسائية المصرية التي فضت الاعتصام أكدت لهن وجود أبنائهن داخل السجون المصرية.
صور تعيد الأمل
وخلال السنوات الماضية تداول أهالي المفقودين صوراً يعتقدون أنها التقطت بمركز "الأنفوشي" للتوقيف في الإسكندرية، ونشرت ضمن تقرير على موقع منظمة (Global Detention Project)، ويعود تاريخ نشرها لعام 2018م، العديد منهم أكدوا أنها تعود إلى أبنائهم، ومثلت علامة أخرى ودليلًا آخر على أنهم أحياء، مطالبين بالإفراج عنهم.
وفي هذا السياق قال "رمزي بكر" أحد المتحدثين باسم أهالي مفقودي سفينة 6/9 لـ"زوايا" إنهم نقلوا هذه الإشارات والدلائل الجديدة مؤخراً إلى المجلس التشريعي الفلسطيني الذي نقلها إلى المخابرات المصرية العامة، دون أن يتلقوا أي رد سواء بالسلب أو الايجاب حتى هذه اللحظة.
وأوضح "بكر" الذي فقدت عائلته 30 فرداً كانوا على متن سفينة الإسكندرية، أن لدى أسر مفقودي السفينة دلائل كثيرة تؤكد أن أبنائهم لا زالوا على قيد الحياة، ومن بينها إفادات لعدد من المعتقلين الذين أفرج عنهم من السجون المصرية، تؤكد أنهم قابلوا عدداً من مفقودي السفينة داخل السجون وقدموا أوصافاً دقيقة عنهم لعائلاتهم.
وتطرق "بكر" إلى واقعة حدثت مع أحد أقاربه الذي كان يرافق والده للسفر عبر سفينة الاسكندرية، قبل أن يتعرض للاعتقال برفقة سبعة آخرين قبل صعودهم إلى السفينة المذكورة، وتم وضعهم داخل السجن، ولاحقاً أفرجت السلطات المصرية عنهم، وعند سؤاله عن والده الذي تمكن من الصعود إلى السفينة قبل إبحارها، أجابه أحد الضباط المصريين أنه جرى اعتقاله.
كما أفادت عائلة المفقود "تامر الجيزاوي" من قطاع غزة، أن ضباطاً مصريين من المخابرات الحربية سألوا عدداً من المسافرين عن نجلهم وعن انتمائه السياسي، وهو ما يؤكد حسب قولهم، وجوده داخل السجون المصرية.
القضية أمنية وبحاجة لقرار سياسي
وكشف "بكر" عن اتصالات أجراها أهالي المفقودين مع جهات تحمل رتباً سامية من المخابرات العامة المصرية، أكدوا بدورهم وجود أبنائهم داخل السجون، وأن قضيتهم أمنية، بذريعة أن السفينة كانت تقل أشخاصاً يتبعون لجهات إرهابية معادية لمصر ولتنظيم الدولة "داعش".
وتابع: "قال لنا الضباط المصريون وبكل صراحة: إن المعتقلين هم من الشباب والرجال ولم يحن الوقت للإفراج عنهم".
وأضاف "بكر" أن أُسر المفقودين تقابل كل الوفود المصرية التي تصل إلى القطاع، وتنقل لهم معاناتهم، وفي كل مرة يتم إطلاق الوعود، ومن ثم يتهرب الجميع دون جواب يشفي قلوب أمهات وآباء يعانون منذ سبعة أعوام".
رواية "بكر" أكدها والد الجريح "أحمد أبو عصفور" وهو أحد مفقودي سفينة الاسكندرية، حيث أوضح لـ"زوايا" أنه تلقى خبر غرق السفينة كباقي العائلات في غزة، إلا أنه فيما بعد وعقب سنوات من التقصي واتصالات أجراها الأهالي مع مسؤولين مصريين وسماع روايات لأشخاص عادوا من السجون المصرية، صار لدى الأهالي تصور بأن القضية هي أمنية وبحاجة إلى قرار سياسي.
وتساءل "أبو عصفور" كيف نفسر صمت السلطة الفلسطينية والجهات الحكومية في غزة وعدم الإعلان عن أبنائهم كأموات؟، وكذلك عدم إعطاء إجابات واضحة من الجانب المصري والصليب الأحمر الدولي، رغم كل المناشدات والمطالبات التي أطلقها أهالي المفقودين بالكشف عن مصير أبنائهم.
ولم يستبعد "أبو عصفور" أن يكون لدى الاحتلال الإسرائيلي يد في اختفاء أبنائهم، وهو ما يبرر حالة الغموض التي تكتنف ملف أبنائهم المفقودين.
واتهم والد المفقود "أحمد أبو عصفور" الجميع بالتخلي عن ملف أبنائهم، وعدم تبنيه بشكل واضح، مشيراً إلى هذا الملف رغم أنه انساني إلا أنه بات معقداً.
اقرأ أيضا: محمود جودة يكتب لـ”زوايا”: قراصنة غزة..شخلل علشان تعدي!
يشار إلى أن المفقود "أحمد أبو عصفور" هو أحد مصابي العدوان الإسرائيلي عام 2008-2009، وفقد خلال إصابته البنكرياس وجزء من الأمعاء وأصابع يده اليسرى، كما تعرض للاعتقال على معبر "بيت حانون" وحكم بالسجن ثلاث سنوات خلال رحلة علاجه إلى الضفة الفلسطينية المحتلة.
وعقب الإفراج عنه وبالتحديد في عام 2014 اضطر أحمد إلى السفر إلى مصر لاستكمال رحلة علاجه برفقة والده، إلا أنه ونظراً لصعوبة وضعه الصحي، قرر الهجرة مع عدد من الشبان إلى إيطاليا عبر سفينة الاسكندرية، لعله يجد هناك أملاً في رعاية صحية أفضل.
نتائج اجتماعية كارثية
والد المفقود أبو تامر أبو سمك من سكان قطاع غزة، وخلال حديثه لـ"زوايا" قال إنه قابل شخصاً يُدعى "ح. ح" ممن أفرج عنه من السجون المصرية قبل عام ونصف، أكد له أنه قابل نجله "تامر" وعدداً من المفقودين داخل السجون المصرية.
واتهم "أبو سمك" السلطة الفلسطينية والحكومة في غزة بالتقصير في إنهاء هذه المعاناة، فهي ترفض الإعلان رسمياً الإعلان عنهم كأموات، أو كمفقودين، مشيراً إلى أن ذلك ترك نتائج اجتماعية كارثية، حيث اضطرت عدد من الزوجات إلى الزواج مرة أخرى بعد أن أجبرت أسر المفقودين على استخراج شهادات وفاة لأبنائهم، بالإضافة إلى قضايا الميراث وغيرها.
وشدد "أبو سمك" على إصرار عائلات مفقودي سفينة 6/9، على مواصلة جهودهم وحراكهم لحل لغز اختفاء أبنائهم، مطالباً الجميع بالنظر بعين الرأفة إلى هذه القضية الانسانية ومعاناة أهالي المفقودين الذين يتجرعون الألم والحسرة منذ قرابة سبعة أعوام.
وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان -ومقره جنيف- أوضح أن ما بين 400 و450 شخصًا، بينهم نحو مائة طفل ومعظمهم من الفلسطينيين، تعرضوا للإغراق المتعمد في عرض البحر، مؤكدًا -وفق الإفادات المختلفة وملابسات الحادث- أن معظم المهاجرين بالقارب فقدوا حياتهم.