ما موقع معركة "خلافة عباس" من تأجيل الانتخابات؟

قيادة السلطة الفلسطينية
قيادة السلطة الفلسطينية

تشير تصريحات ومعطيات عديدة إلى أن الصراع الخفي على خلافة محمود عباس في رئاسة السلطة الفلسطينية، وانشغال دول عربية وغربية إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي بشكل القيادة الفلسطينية المقبلة، هي أحد الدوافع وراء قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية العامة، أو إلغائها، حسب كثيرين.

"الانتخابات لحاجة ملحة"

ومن بين هذه المؤشرات تلك التصريحات المتشابهة التي أطلقها عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عزام الاحمد مرّتين خلال السنة الأخيرة.
وجاء التصريح الأول للأحمد عبر إذاعة "راية" الفلسطينية قبل أكثر من عام، والثاني قبل أيام معدودة، حول "عدم جواز إجراء الانتخابات في ظل الاحتلال، وإنما تجرى حينما تقتضي الحاجة، كأن يتوفّى رئيس السلطة".
 

عززت هذه التصريحات التوقع بعدم إمكانية إجراء الانتخابات طالما "لا توجد حاجة ملحة"، إلى جانب استبعاد أن تسبق الانتخابات التشريعية الانتخابات الرئاسية كما نص مرسوم الانتخابات 2021.

وهذا ما حدث عقب وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2004، حيث تولّى روحي فتوح رئاسة السلطة الفلسطينية 60 يوما على اعتبار أنه كان يشغل رئيس المجلس التشريعي حينها، تبعها انتخاب محمود عباس رئيساً للسلطة عام 2005، ثم أجريت الانتخابات التشريعية عام 2006.

وهُنا تبدو في خلفية تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى (أي الإلغاء)، قضية الصراع على خلافة محمود عباس، والترتيبات الإقليمية والدولية الجارية في الكواليس حول ذلك.

صراع "فتح" على خلافة عباس

ويقول مصدر من حركة "فتح" لموقع "زوايا" إن أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" جبريل الرجوب هو القطب الأكثر حماسة للانتخابات، وهو الذي أقنع محمود عباس بعقدها في المرحلة الأولى.

 وبحسب المصدر، فإن الرجوب كانت يطمح إلى رئاسة المجلس التشريعي، ليكون بذلك الأوفر حظاً برئاسة السلطة، وفق ما نص عليه القانون الأساسي حال حدوث شاغر بمنصب الرئيس لأي سبب طارئ.

ووفق تقديرات المصدر الفتحاوي، فإن أقطاباً في "فتح" والسلطة ضغطت لعدم إجراء الانتخابات بهدف قطع الطريق على الرجوب من أن يحقق هذه الغاية، أي أن إلغاء الانتخابات لم يكن بدافع الخوف من خسارة الحركة في الانتخابات.

وكشف المصدر لـ"زوايا" عن انقسام جرى داخل اللجنة المركزية لحركة "فتح" فيما يخص تأجيل للانتخابات.
اقرأ أيضا: الانتخابات الفلسطينية ..بين المضي والعرقلة والتأجيل

وتمثل هذا الانقسام في تيار جبريل الرجوب وآخرين دفعوا لإجراء الانتخابات في موعدها، فيما برز موقف رافض لها ومطالب بإلغائها من قبل حسين الشيخ مدعوماً من رئيس جهاز المخابرات ماجد فرج ومن ثم انضم إليهم نائب رئيس الحركة محمود العالول.

وفي النهاية، رجحت كفة الإلغاء بغلاف "التأجيل" على حساب كفة الراغبين بعقد الانتخابات في موعدها.

ونتج عن ذلك إشارة لافتة بأن القطب الفتحاوي جبريل الرجوب ليس الشخصية الأقوى في معركة وراثة عباس، كما اعتقد البعض، بحسب ما قاله المصدر الفتحاوي.

ويعزز هذه القراءة، ما تحدث به القيادي الفتحاوي الأسبق من القدس زياد ابو زياد حيث أكد لـ"زوايا" أن قائمة "فتح" الرسمية هي الفائزة بالانتخابات لو حصلت.

"المصالح الشخصية" وراء تأجيل الانتخابات

وأشار إلى أن الدافع وراء إلغاء الانتخابات "ليس القدس" أو الخوف من خسارة "فتح"، وإنما الخشية على مصالح شخصية ضيقة متعلقة بقيادات مؤثرة في الحركة وأيضاً السلطة.

وحسب تقدير أبو زياد فإن قائمة "فتح" الرسمية كانت ستحصل في الانتخابات -لو جرت- على مقاعد أكثر من قائمة "القدوة-البرغوثي" والقائمة المحسوبة على محمد دحلان، وأيضاً أكثر من قائمة "حماس".

ويعتقد زياد أبو زياد أنه بمجرد إعلان عباس عن عدم إجراء الانتخابات بدون القدس، فإنه عملياً قد ألغى الانتخابات، وهو ما يدفع إلى التساؤل إذا ما كان ذلك يعني أن "وراثة عباس لن تكون من بوابة انتخابات؟"

لكنّ القيادي زياد أبو زياد شدد على أن القانون الأساسي يحث عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية بشكل دوري كل أربع سنوات، مؤكداً أنه لا يوجد شيء في القانون اسمه "انتخابات عند الحاجة" كما قال عزام الاحمد، وإنما قانون يجب تطبيقه على كل الأحوال.

وحذر أبو زياد من أن المشهد الوطني والسياسي الفلسطيني مقبل على التصفية، مبيناً أن "إسرائيل اقترحت على مدار عقود مجلساً فلسطينياً للحكم الذاتي مكون من 45 شخصاً بحيث يقوم نفسه بالأدوار التنفيذية والتشريعية وكل شيء تقوم به السلطة".

ويعتقد أبو زياد أنّ التركيبة السياسية الفلسطينية الحالية في ظل عدم وجود شرعية للمؤسسات الرسمية مع غياب المجلس التشريعي يؤول إلى تطبيق المخطط الإسرائيلي.

ويُستذكر هنا ما قاله قيادي فلسطيني مقرب من رئيس السلطة، في حديث جانبي لموقع "زوايا" قبل صدور مرسوم الانتخابات بأشهر، إذ شدد على أنه لا انتخابات قريبة، في إشارة إلى أن الحالة السياسية الفلسطينية المُركّبة والمُعقدة لا تستدعي انتخابات الآن".

كذلك تظهر حساسية موقع رئاسة السلطة بالنظر إلى التوقيت والظرف الحالي، فعندما صدرت شائعات عن تدهور في صحة عباس استدعى ذهابه للعلاج في ألمانيا، سارعت الرئاسة إلى إصدار بيان تتحدث فيه عن زيارة روتينية للعلاج.

وعلم موقع "زوايا" أن مشكلة في معدة عباس يعاني منها استدعت نقله قبل نحو عام إلى مستشفى في ألمانيا، وهو ذات السبب وراء ذهابه إلى هناك مؤخراً.

ولعلّ عمر رئيس السلطة الفلسطينية الذي يناهز 85 عاماً ووضعه الصحي جعل دولا عربية وغربية فاعلة تفكر وتسعى باستمرار إلى ترتيب مرحلة ما بعده، كما يؤكد أستاذ العلوم السياسية والاستراتيجية في جامعة حيفا د. عنان وهبة لموقع "زوايا".

شكل القيادة الفلسطينية المقبلة

وأوضح الأكاديمي وهبة أن ثمة سؤالاً ملحاً الآن في أروقة "إسرائيل" ودول عربية مؤثرة يتركز على شكل تركيبة القيادة الفلسطينية القادمة.

وقدّر وهبة أن "إسرائيل" ودولا عربية تتعامل مع مسألة ما بعد عباس كأمر حتمي، مشيراً إلى حذر وترقب من قبلها على هذا الصعيد.

ورأى أن رغبة هذه الدول والأطراف بتأجيل الانتخابات مردّه إلى أنهم لا يريدون انتخابات تأتي بمفاجآت من شأنها أن تربك الترتيب للمرحلة المقبلة، وقبل أن يستقر الشرق الأوسط، وتتم تسوية الملفات الإقليمية والنووي الإيراني.
اقرأ أيضا: تحليل: تأجيل الانتخابات قرار خاطئ سيعمق الانقسام

بدوره، قال مصدر سياسي مقيم في أراضي 48 لموقع "زوايا" إن وريث محمود عباس لرئاسة السلطة يجب ألا يكون من أقطاب "فتح" المتصارعة تقليدياً مثل محمد دحلان أو جبريل الرجوب وغيرهم، لأن شغلهم للمنصب الحساس سيتسبب بصراعات تهدد الاستقرار.

ولهذا، يؤكد المصدر المطلع على التقديرات الإسرائيلية الرسمية والأمنية أن تل أبيب ودولا إقليمية وعالمية تُفضل أن يكون البديل شخصية فتحاوية "أكثر شباباً" تتمتع بعلاقات جيدة مع جميع أقطاب فتح وتحفظ مصالحهم بما يعزز الاستقرار.

ويضيف "إذا ما تم التعمق في طبيعة مناكفات تيارات "فتح" وأثرها على إلغاء الانتخابات، يُستشف أن هناك استعجالا من بعض قوى "فتح" لمغادرة محمود عباس منصب رئاسة السلطة عبر دعوته للاستقالة، وليس فقط انتظار وفاته تحت عنوان أنه مزق الحركة وتسبب بفوضى في الشارع على إثر قرار إلغاء الانتخابات".

وإذا كان هناك "فائدة" لمرحلة الترشح للانتخابات التشريعية، كما يوضح المصدر، فإنها مكنت الأطراف الدولية والإسرائيلية المُراقِبة للمشهد السياسي الفلسطيني أن تتخيل طبيعة وشكل القوى الفلسطينية في الشارع وولاءاتها وتوجهاتها بناء على خارطة القوائم الانتخابية التي بلورتها عملية الترشح، قبل أن يأتي قرار إلغاء المعركة الانتخابية.

ويختم "ربما ردة الفعل على قرار الغاء الانتخابات بمثابة "بروفا" بمنظور قوى دولية واقليمية وإسرائيلية، للتنبؤ بردات فعل لاحقة حيال مسائل أخرى في المرحلة المقبلة".

المصدر : خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo