بعد أكثر من شهر على مطاردة الشهيد محمد جبارة الفقيه من مدينة دورا جنوب الخليل، تمكنت قوات الإحتلال من محاصرة المنزل الذي كان يتواجد بداخله في بلدة صوريف شمال الخليل واشتبكت معه لساعات إلى أن ارتقى شهيداً.
حدث ذلك قبل خمس سنوات، وهو ذات المشهد كل عام تقريباً مع اختلاف الأماكن والشخوص، والسبب في كثير من الأحيان كاميرات المراقبة المثبتة على أبواب المحال التجارية والمنازل في المدن والأحياء الفلسطينية .
يقول الناشط والاعلامي علاء الريماوي إن الثغرات التي تحدث بسبب كاميرات المراقبة تعود الى الفلسطينيين انفسهم وليس فقط الاحتلال.
فالكاميرات الفلسطينية بحسب الريماوي لم يوضع لها إطار قانوني من حيث شكل الكاميرا واتجاهها ومكان تثبيتها، ما يجعل الأمر خطيراً على الخصوصية وعلى المقاومة الفلسطينية.
وأكد أن الفلسطينيون دفعوا أثماناً باهظة جراء انتشار كاميراتهم دون معايير محددة.
ويضرب الريماوي أمثلة على ذلك، حيث قال إن إلقاء القبض على الشهيد أشرف نعالوة و الشهيد صالح البرغوثي، والقبض على كثير من المجموعات الفدائية في الضفة الغربية سببه الأول كاميرات المراقبة التي ساعدت في الوصول إليهم .
اقرأ أيضاً: الدعاية للانتخابات الفلسطينية “حرب مبكرة” هل يكون المواطن ضحيتها؟
ويضيف الريماوي إن كاميرات المراقبة الإسرائيلية تعمل على بناء صورة ذهنية معينة عن أي نشاط تسعى إسرائيل للتعرف عليه، ويتمم تلك الصورة الكاميرات الفلسطينية التي تحتاج إلى قانون ناظم يحدد عملها ومكان وجودها ومن يطلع على تسجيلاتها.
وأشار إلى أنه لا يمكن لأحد حصر تحرك الناس وسلوكهم الاجتماعي ضمن ما يسمى بوابة الرقابة.
ويبين الخبير الأمني محمد شديد أن السلطة الوطنية الفلسطينية تفتقر للقدرات والامكانيات اللازمة في المجال الكهرومغناطيسي، وهو المجال الذي يهتم في كل ما له علاقة بموجات الإذاعة والاتصال والأقمار الصناعية، ويعد توفر القدرات والإمكانيات الكافية في المجال الكهرومغناطيسي من أبرز مقومات الدولة اليوم، إلا أن فلسطين تفتقر لذلك، الأمر الذي جعل عملية المراقبة والتجسس على خصوصيات المواطنين أمر سهل .
ويوضح شديد أن القدرات اللازمة في المجال الكهرومغناطيسي تعد من أهم مقومات الدولة في عصرنا الحالي، وهذا ما يتم التعامل به في معظم دول العالم اليوم، وأن يكون المجال الكهرومغناطيسي مخترقاً، ذلك يعني أن شركات الاتصالات والشبكات الحكومية والشبكات الشخصية كلها مخترقة، وهذا ما يحدث في غالب الأحيان بالحالة الفلسطينية للأسف .
ويشير خبير الإلكترونيات الصناعية المهندس أشرف أبو زنيد إلى ان معظم الناس في محافظات الضفة الغربية يستخدمون نوعاً من كاميرات المراقبة تعتبر رخيصة الثمن وبجودة ضعيفة.
وهو ما يجعل الوصول الى ما هو مسجل على هذه الكاميرات أمراً سهلاً وليس بالمعقد، في وقت تستخدم فيه إسرائيل نظاماً متطوراً يطلق عليه اسم " سمارت" وهو النظام الذي يستطيع الخبراء من خلاله مشاهدة الشخص المنوي تتبعه بأجزاء الثانية في أي مكان يتواجد فيه بالعالم لمجرد مروره أمام أي كاميرا مراقبة مزودة بهذا النظام ويستطيع هذا النظام التعرف عليك من خلال صورة جواز السفر أو صورة الهوية الشخصية.
ويلفت أبو زنيد إلى أن إسرائيل تستطيع إستغلال كل ما هو مسجل على كاميرات المراقبة الفلسطينية حتى إن كانت بجودة سيئة وذلك من خلال ما يسمى اليوم بـ " الذكاء الاصطناعي".
وهو عملية تتم من خلالها إعادة تلوين كل تفاصيل الصورة المسجلة وتحليلها بالطريقة التي يريدها الخبراء والحصول على ما يريدونه من معلومات، وهي تقنية وجدت حديثاً في رام الله لدى وحدة الجرائم الإلكترونية في جهاز الشرطة الفلسطينية.
ويؤكد أبو زنيد أن قدرات السلطة الوطنية الفلسطينية في المجال الكهرومغناطيسي متواضعة أمام قدرات إسرائيل، حيث إن إسرائيل اليوم تستطيع أن تحصل على صورة كاميرا المراقبة المثبتة في مكان ما بمدينة فلسطينية عن طريق الموجات الكهرومغناطيسية
وبين أن التكنولوجيا الحديثة بكل مجالاتها لا يوجد فيها شيء اسمه الحماية، فكل ما نتعامل به من تكنولوجيا مخترق ويستطيع الخبراء في هذا المجال الدخول إلى معلوماتنا وخصوصياتنا بكل سهولة .
ويكشف أبو زنيد عن المعايير والمحددات التي تضعها اسرائيل على نوعية الكاميرات التي بإمكان المستوردين والتجار الفلسطينيين الحصول عليها، حيث قال إن اسرائيل تمنع على المستوردين الفلسطينيين الحصول على أنواع معينة من كاميرات المراقبة، وتعطي تصاريح أمنية للحصول على أنواع أخرى، ما يعني أن المجتمع الفلسطيني استهلاكي أكثر من كونه مجتمعاً يمتلك خبرة واسعة في هذا المجال .
أما عن الجانب القانوني حول تسجيلات كاميرات المراقبة والحصول عليها، قال المحامي محمد حريبات إن الحصول على تسجيل فيديو او صوت من كاميرا مراقبة مثبتة أو من جهاز اتصال لا يتم إلا من خلال إذن من النيابة العامة.
اقرأ أيضاً: عمال فلسطين كادحون بدون الحد الأدنى من الأجور.. من المسؤول؟
مضيفاً انه لا يحق لأي جهة كانت ان تحصل على تسجيل كاميرا ما إلا من خلال إذن النيابة، مؤكداً أن تجاوزات تحدث في هذا الإطار وتحايل على القانون في كثير من الأحيان.
ويبين حريبات أن المحكمة هي الجهة التي تقرر ما إذا كانت مجريات التحقيق في قضية ما تحتاج إلى الحصول على تسجيل الكاميرات أم لا، حتى الجهات الأمنية التي تحقق في قضية ما يجب عليها الحصول على إذن من النيابة العامة قبل الحصول على تسجيل كاميرا ما .
ويبقى الجدل واسعاً بحسب مؤسسات حقوق الإنسان .. هل تعتبر كاميرات المراقبة إنتهاكاً لخصوصيات المواطنين، أم حاجة ملحة لمحاربة الخارجين عن القانون ؟ يأتي ذلك في وقت قال فيه الناشط الحقوقي في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بلال الملاح إن دعاوى كثيرة تنظر في المحاكم البريطانية حول شكاوى تقدم بها بريطانيون يعترضون فيها على وجود كاميرات مراقبة في الشوارع .
تنويه: اجريت المقابلة مع الناشط والاعلامي علاء الريماوي قبل اعتقاله من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي.