"شو بجبرك على المر غير اللي أمر منو، وإذا رفضت أشتغل أنا راح يجي حد غيري ويقبل يشتغل شغلي"، هذا لسان حال عدد من العمال والعاملات، الذين يتقاضون رواتب تقل عن الحد الأدنى من الأجور، حينما توجه موقع "زوايا" لهم بالسؤال حول سبب موافقتهم على العمل بأجور قليلة.
وتعالت الأصوات المطالبة برفع الحد الأدنى للأجور في فلسطين في السنوات الأخيرة، بعد مضي تسعة أعوام على تحديد الحكومة الفلسطينية للحد الأدنى للأجور بقيمة 1450 شيقل عام 2012.
يأتي ذلك وسط اتهامات تطال بعض القطاعات التشغيلية في القطاع الخاص بعدم تطبيقها للحد الأدنى للأجور، واتهامات أخرى تطال وزارة العمل بتقاعسها في الرقابة وعدم فرض عقوبات رادعة.
وفي الوقت الذي يجمع فيه أطراف الإنتاج الثلاثة (النقابات، القطاع الخاص، الحكومة)، على أن الحد الأدنى للأجور المطبق الحالي، لم يعد يتماشى مع غلاء المعيشة في فلسطين، تمخضت جلسات حوار عقدت بين الأطراف الثلاثة مؤخراً، على الاتفاق على رفع قيمة الحد الأدنى للأجور إلى 1880 شيقل.
يأتي الإجماع على الرقم الجديد، رغم أن متوسط إنفاق الأسرة الشهري في فلسطين (لأسرة مكونة من 5.5 أفراد)، يصل إلى 935 دينار أردني (حوالي 4350 شيقل)، وفق أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
مدير مركز بيسان للبحوث والإنماء أبي عابودي أوضح في حوار مع موقع "زوايا"، أن الأسرة المكونة من 5 أفراد بحاجة إلى 2500 شيقل شهرياً، حتى تلبي احتياجاتها الأساسية، وهناك إحصائية أخرى لمنظمة العمل الدولية أن الأسرة الواحدة في فلسطين بحاجة شهرياً إلى 4000 شيقل من أجل تغطية التزاماتها الكاملة طوال الشهر.
وبالتالي يؤكد عابودي، والذي سبق أن أعد بحثاً اقتصادياً في قضية الحد الأدنى للأجور، أن أي رقم يقل عن 2500 شيقل كحد أدنى للأجور، يعني أنك تحكم على الأسرة أن تعيش دون مستويات الفقر.
كيف حُدد الرقم الجديد؟
الناطق باسم وزارة العمل رامي مهداوي صرح لموقع "زوايا"، أنه تم التوافق خلال مؤتمر الحوار الاجتماعي الذي عقد قبل شهر بأن يتم رفع الحد الأدنى للأجور، على أن يتم المصادقة عليه من لجنة الأجور، ورفعه إلى مجلس الوزراء للمصادقة عليه، ومن ثم التطبيق مطلع العام المقبل.
وأكد مهداوي أنه تم تحديد الرقم من خلال العديد من جلسات الحوار التي ضمت القطاع الخاص والنقابات، ومن خلال دراسة قامت بها منظمة العمل الدولية، وبإشراف عدد من مؤسسات المجتمع المدني والحقوقية والعمالية، ومن مخرجات مؤتمر الحوار الاجتماعي، وتم التوافق من خلال ممثلي النقابات وممثلي النقابات والحكومة على 1880 شيقل.
اقرأ أيضا: عمال النظافة .. يصنعون الجمال ويعاقبون بالفصل بدون حقوق
وحول سبب تأجيل التطبيق حتى بداية العام القادم، أشار مهداوي إلى أن الأوضاع الاقتصادية وخصوصاً في ظل جائحة "كورونا" رمت بثقلها على الاقتصاد الفلسطيني، ولهذا تم إعطاء مدة التنفيذ العام المقبل.
وعن موقفهم من القيمة الجديدة التي تم التوافق عليها للحد الأدنى من الأجور، يقول رئيس اتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر سعد، إنهم طالبوا أن يكون الحد الأدنى للأجور 2450 شيقل.
ولكن وفق ما ذكر سعد في حوار مع موقع "زوايا"، فإنه من الصعب أن يتم الموافقة على زيادة ألف شيقل مرة واحدة، وبالتالي هناك توافق على 1880 شيقل، بانتظار أن يصادق مجلس الوزراء على الرقم.
وأكد سعد، أنه إذا أصحاب العمل في القطاع الخاص وقفوا أمام الجميع وأعلنوا موافقتهم على الرقم، وعلى الالتزام بالإجراءات الجزائية، يمكن أن يكون الرقم مرحلة لشيء أفضل، ولكن المهم أن يوافقوا بحسب سعد.
هنا يرد أمين سر المجلس التنسيقي لمؤسسات القطاع الخاص بسام ولويل في حوار مع موقع "زوايا"، أنهم في القطاع الخاص سوف يلتزموا بهذا القرار التزاماً حديدياً، ولكنهم يطالبون وزارة العمل بتكثيف التفتيش على المؤسسات، حيث هناك مؤسسات وجهات غير ملتزمة، ويجب أن تأخذ إجراءات صارمة بحق من لا يلتزم.
حديث ولويل عن ضرورة تفتيش وزارة العمل على المؤسسات لتطبيق الحد الأدنى للأجور، يدفعنا للتساؤل، إن كان الرقم القديم قد طبق فعلاً طوال التسع سنوات الماضية.
آلاف العمال لا يتقاضون الحد الأدنى من الأجور
يقول الناطق باسم وزارة العمل رامي مهداوي، إنه بحسب الأرقام التي لديهم، فإن نسبة تطبيق الحد الأدنى للأجور تجاوزت 90% في آخر عامين.
ويتفق ولويل مع مهداوي قائلاً، إنهم في القطاع الخاص في فلسطين لديهم أكثر من 85% من القطاع الخاص ملتزمين التزاما حديديا بالحد الأدنى للأجور، والقطاع الخاص في مواقع مختلفة يدفع رواتب أضعاف الحد الأدنى للأجور.
وأشار ولويل الذي يشغل أيضاً رئيس اتحاد الصناعات الفلسطينية، أن لديهم في الصناعات لا يوجد من يأخذ أقل من 2000 شيقل، وهناك من يصل مرتبه إلى 6000 شيقل وأكثر.
لكن الباحث الاقتصادي أبي عابودي يؤكد أنه لا يوجد التزام بتطبيق الحد الأدنى للأجور، حيث في قطاع غزة غالبية العاملين بالأجر يتقاضون رواتب دون الحد الأدنى للأجور بمعدل أجور 600 شيقل وهم بنسبة حوالي 85% من العاملين بأجر، وفي الضفة الغربية نحو 35– 40 ألف عامل/ة يتقاضون دون الحد الأدنى للأجور.
اقرأ أيضا: العمال بين إذلال الاحتلال وابتزاز “سماسرة التصاريح”
ويتفق سعد مع عابودي أنه حتى الآن مبلغ الـ1450 شيقل غير مطبق، ولديهم في اتحاد العمال تقديرات أن هناك 34 ألف عامل وعاملة معظمهم من النساء لم يطبق عليهم الحد الأدنى من الأجور.
وأشار إلى أن هناك 6 قطاعات تعاني من عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور، وهي: رياض الأطفال، قطاع النسيج، قطاع الخدمات، قطاع البتروكيماويات مثل صناعة الكوزمتكس، الخدمات الصحية، المختبرات في القطاع الخاص.
يظهر التناقض جليا فيما تكشفه أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بأن معدلات الأجور الحقيقية متدنية جدا في القطاع الخاص.
فقد جاء في تقرير جهاز الإحصاء بمناسبة يوم العمال العالمي عام 2020، أن 30% من المستخدمين بأجر في القطاع الخاص بالأراضي الفلسطينية يتقاضون أجراً شهرياً أقل من الحد الأدنى للأجر (1,450 شيقل).
ووفق هذه البيانات، بلغ عدد المستخدمين بأجر في القطاع الخاص الذين يتقاضون أقل من الحد الأدنى للأجر حوالي 109 آلاف مستخدم بأجر في فلسطين.
وتوزع عددهم على الضفة الغربية بواقع 24 ألف عامل (يمثلون حوالي 10% من إجمالي المستخدمين بأجر في القطاع الخاص في الضفة الغربية) يعملون بمعدل أجر شهري 1,038 شيقلا.
أما في قطاع غزة، فيوجد 84 ألف عامل (يمثلون حوالي 80% من إجمالي المستخدمين بأجر في القطاع الخاص في قطاع غزة) يعملون بمعدل أجر شهري لا يتجاوز 660 شيقلا.
كما بلغ عدد المستخدمين بأجر في القطاع الخاص والذين يتقاضون أقل من 2000 شيقل شهرياً حوالي 147 ألف مستخدم بأجر، أي 41% من إجمالي المستخدمين بأجر في القطاع الخاص.
وتظهر هذه الأرقام بوضوح حقيقة الفجوة الكارثية في تطبيق الحد الأدنى للأجور المقر قبل نحو عشر سنوات على أرض الواقع، كذلك حجم التحديات أمام تطبيق الحد الأدنى الجديد للأجور.
من يتحمل المسؤولية؟
وحول الجهة التي يجب أن تتحمل مسؤولية التطبيق، قال سعد إنهم يتابعون التطبيق، ولكن من ناحية قانونية هذه مهمة موكلة لوزارة العمل وليس للاتحاد والنقابات، ومن يقرر أن تطبق على العمال والموظفين ويراقب ويفتش هم وزارة العمل.
وأكد سعد أن عدد المفتشين في وزارة العمل غير كافٍ، لأن هناك أكثر من 100 ألف مؤسسة اقتصادية منتظمة وغير منتظمة في فلسطين، وهذا عدد كبير جداً يجب أخذه بعين الاعتبار لتوفير مفتشين.
ويقول مدير مركز بيسان للبحوث والإنماء أبي عابودي إن هذا الرقم غير عادل، لأنه أقل من خط الفقر الوطني والذي قدر قبل سنوات بحوالي 2500 شيقل، وبالتالي يبقى العامل يعمل ولا يلبي حاجاته الأساسية.
وأشار عابودي أن الأهم من الرقم هو التطبيق الجدي له، لأن الرقم القديم غير مطبق، إذاً "كيف سيتم تطبيق الرقم الجديد؟".
وأكد عابودي أن رفع الحد الأدنى للأجور لا يأتي بهذه الطريقة، بحيث تقرر الحكومة الرقم وينتهي الأمر، بل يتم بعد تحديد معدلات الفقر الوطنية، وهذه هي المعادلة التي تستعملها معظم دول العالم، ويترافق معها وضع آليات وإجراءات من أجل التطبيق، وهذا ما لم تقم به السلطة حتى الآن.
اقرأ أيضا: بالضربة القاضية.. كورونا تفتك بعمال غزة والمساعدات شعارات
شاهر سعد هو الآخر أكد على أهمية وجود إجراءات جزائية لتطبيق قانون الحد الأدنى من الأجور، وأن يترافق بلائحة تغرم من لا يطبق الحد الأدنى من الأجور، وعقوبات رادعة لهم.
اللافت في الأمر أن سعد أشار إلى عدم موافقة بعض الجهات من القطاع الخاص على القيمة الجديدة، قائلاً: "هناك أطراف غير موافقة على رفع الحد الأدنى للأجور".
ويرد على ذلك بسام ولويل، أنه تم تحديد هذا الرقم بعد دراسة، وهو بالمناسبة أعلى من الرقم الذي حددته الدراسة والذي كان 1800 شيقل، وطالما أن هذا الرقم تم التوافق عليه من الأطراف الثلاثة فهو رقم عادل، والأطراف الثلاثة هم من حددوه وليس القطاع الخاص لوحده.
المتحدث باسم وزارة العمل رامي مهدواي شدد على أنه سيتم المتابعة على تطبيق الرقم الجديد من خلال جهات الاختصاص في وزارة العمل، ومن خلال المتابعة من اللجان الثلاثية من النقابات وأصحاب العمل مع جهات الاختصاص.
وأكد مهداوي أنه سيكون هناك بشكل سنوي رفع للحد الأدنى للأجور، بالاعتماد على غلاء المعيشة.
ومن الجدير ذكره، أنه حسب قانون العمل الفلسطينيّ، فإن مخالفة صاحب العمل للأحكام الخاصة بالأجور، بما في ذلك عدم التزامه بدفع الحد الأدنى للأجور، يترتب عليها أن يعاقب صاحب العمل بدفع غرامة بين 50-100 دينار أردني، إضافة إلى إلزامه بدفع فرق الأجر- أي الفرق بين الحد الأدنى من الأجور والأجر الذي دفعه فعلاً- للعامل.
ويبقى ملف حصول العمال على حقهم في الحد الأدنى للأجور أحد التحديات القائمة التي تخضع لدور الحكومة في تطبيق القانون، وقوة النقابات في تمثيل العمال والدقاع عن حقوقهم، وتفاعل القطاع الخاص مع هذه المطالب، في ظل اقتصاد يعاني من التبعية للاحتلال وجائحة كورونا والركود.