رغم تأثير جائحة كورونا سلبا على كافة القطاعات، إلا أن المسارح والفنانين الأدائيين في فلسطين، كانوا الأكثر معاناة، بسبب توقف غالبية العروض المباشرة، إذ أغلقت المسارح أبوابها، التزاما بقرارات الحكومة منع التجمعات.
رائد الشيوخي فنان مسرحي وأحد مؤسسي مسرح "نعم" في الخليل، قال لـ"زوايا"، إن المسرح عمل بالحد "الأدنى الأدنى"، إذ أن 80% من نشاطات مسرح "نعم"، وجاهية، وغالبيتها توقفت بعد قرار منع التجمعات.
مسارح فارغة
وأوضح أنهم استغنوا عن بعض الموظفين في المسرح، وطلبوا من آخرين جلب عروض من المدارس والمؤسسات، وتنفيذها على المسرح وأخذ الأجر لهم، بهدف مساعدتهم في تدبر أمورهم الحياتية.
وعليه، بقي المدير الإداري بالإضافة الى 5 فنانين وعاملين في المسرح من أصل 21 فنانا وموظفا في مسرح "نعم"، ويعقب الشيوخي بالقول: "أصبحنا مثل المحل الذي يفتح بابه بربع دفة".
وأكد أن ذلك دفع الكثير من الفنانين للبحث عن عمل آخر حتى يستطيعوا الاستمرار في الحياة، فقد كان عملهم في الكتابة والمسرح والحلقات التلفزيونية، مساعدا لهم من الناحية المادية.
لم يكن توقف العروض المباشرة، هو سبب توقف غالبية الفنون الأدائية في فلسطين، بل إن بعض المؤسسات الدولية المانحة أوقفت مشاريعها كذلك، وحولتها إلى مشاريع داخل دولها.
هذه الظروف جعلت الفنانين يحاولون نشر أعمالهم وتنفيذ بعض المشاريع الدرامية مثل برنامج "نعم للشباب" عبر منصات التواصل الاجتماعي.
إلا أن هذه الخطوة لم تكن سهلة، ولم تدر دخلا مباشرا من الجمهور، بل اعتمد على المشاريع الممولة، لذا لم يتلق الفنانون منذ بداية العام ما مجموعه قيمة راتب شهر واحد من المشاريع الثقافية الممولة، وفق الشيوخي.
اقرأ أيضا: المفكر أبراش: السلطة دمرت الثقافة الفلسطينية والمثقفون هاجروا
وفي رده على سؤال "هل تلقيتم دعما من وزارة الثقافة؟"، قال: "إن وجودها وعدمه واحد، ولم أتلق منها أي دعم رغم تقديمي على كافة مسابقات الوزارة خلال الجائحة، ولا أعرف ما هي معايير الفوز بهذه المنح".
ووفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يبلغ عدد المسارح في فلسطين 16 مسرحا، 13 منها في الضفة الغربية (3جنين، 5 نابلس، 3 رام الله والبيرة، 2 القدس)، أما الثلاثة الباقية ففي قطاع غزة (2 في مدينة غزة، وواحد في رفح)
ووفق بيانات الجهاز ووزارة الثقافة، فقد بلغ عدد المسرحيات المعروضة عام 2020، 96 مسرحية (92 في الضفة، و4 في غزة)، شاهدها 22 ألف شخص، وهي تمثل حوالي ثلث المسرحيات التي عرضت عام 2019، وبلغت 323 مسرحية، وشاهدها 90 ألف شخص.
ورغم غياب إحصائية للعدد الحقيقي للفنانين الأدائيين والمسرحيين في فلسطين، فإن رئيسة مجلس إدارة شبكة الفنون الأدائية الفلسطينية مارينا برهم، قدّرت العدد في الضفة الغربية بـ220 فنان مسرحي، وفق إحصائيات مسرح الحارة الذي تديره.
أزمة التمويل المشروط
واعتبرت برهم في حديثها لـ"زوايا" أن جائحة كورونا لم تكن العامل الوحيد الذي أثقل كاهل المسرح الفلسطيني وحدت من نشاطاته، بل إن التمويل المشروط من قبل الاتحاد الأوروبي عمل على ذلك أيضا.
وقالت برهم إن المؤسسات بما فيها الثقافية، واجهت العام الماضي، التمويل المشروط من قبل الاتحاد الأوروبي، والممولين الأوروبيين الأخرين الذين أدرجوا 8 أحزاب فلسطينية ضمن قائمة "الأحزاب الإرهابية"، أي أنه يحظر التعامل معها.
وأضافت: "مؤسسات المجتمع المدني رفضت هذا الشرط، ثم أصبح هناك تنازلات من بعض المؤسسات، لكن المؤسسات الثقافية رفضت جميعها التوقيع على هذه الشروط".
ونتيجة لذلك، خسرت شبكة الفنون الأدائية مشروعين كبيرين، الأول مدته 4 سنوات، والثاني من مؤسسة سويدية مدته 5 سنوات، وهما مشروعان كانا داعمين أساسيين لـ15 مؤسسة فنون أدائية في فلسطين، كما أفصحت برهم.
أما وباء كورونا الذي يعتبر التحدي الثاني الذي واجه المؤسسات الثقافية بما فيها المسارح، أوقف التدريبات والعروض المباشرة للجمهور، ما دفع بعض الفنانين والمسارح إلى تصوير العروض وعرضها على شبكة الإنترنت، في محاولة للاستفادة من المشاريع التمويلية المتاحة، وفق برهم.
وأوضحت أن كثيرا من الفنانين الذين يعملون بشكل حر "فري لانسر"، جلسوا في منازلهم بلا عمل، بالإضافة إلى أن بعض الفنانين بحاجة لشراء أدوية، وبعضهم لديه عائلة وبحاجة لدخل، الأمر الذي عقد حياتهم أكثر.
وفي محاولة لتخفيف الأعباء على الفنانين، أشارت برهم إلى أنها قامت بإرسال رسالة لوزارة الثقافة تطالبها بدعم الفنانين، حيث قامت الوزارة بصرف منح قيمتها 500 دولار للفنان مقابل إنتاج عمل "أون لاين" لمرة واحدة، وهذا لم يكن كاف، وقد رفضه كثير من الفنانين، لأنهم شعروا بالإهانة في ذلك.
وقالت إنها توجهت للصناديق العربية مثل مؤسسة المورد ومؤسسة آفاق، الذين أعلنوا عن برامج ثقافية في كل الوطن العربي، وكانت عبارة عن منح طوارئ وليست منح إنتاج، مثل تأمين أدوية أو سفر أو مواد أساسية للعائلة، بالتالي كانت لتغطية الجوانب الحياتية وليست الفنية.
كما أقرت الشبكة 22 مبادرة لفنانين وفرق متنوعة، تراوحت قيمة كل مبادرة بين 3000 إلى 3500 دولار، مقابل إنتاج فني أو عروض "أون لاين"، أو تنظيم ورشة عمل، بهدف مساعدة الفنانين.
استجابة حكومية ضعيفة
وحول دور الحكومة في مساندة المسرح الفلسطيني، قالت برهم إنها أرسلت كتبا لوزارة الثقافة ورئاسة الوزراء، لتعويض الفنانين، فطلب منها تعبئة استمارات تتضمن المطالب والأضرار ليتم تعويض بعض المؤسسات الثقافية، ففعلت ذلك لكن لم يتم تعويضها.
وأضافت: "في نفس الوقت تفاجأنا على مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر أخبار تفيد بتوقيع وزارة الثقافة اتفاقيات مع مؤسسات معينة، دون تحديد معايير اختيار تلك المؤسسات ودون الإعلان عن بعض مسابقات".
اقرأ أيضا: أسرلة المنهاج الفلسطيني في القدس…استراتيجية إسرائيلية شاملة وردات فعل فلسطينية رسمية وشعبية مرتبكة!
وأكدت أن الجائحة أجبرت بعض الفنانين الشباب على الذهاب للعمل في المخابز ومحلات السوبر ماركت وغيرها، لأنهم باتوا مجبورين على تأمين قوت أسرهم في ظل انقطاع عملهم الأساسي.
أما وزارة الثقافة فرأت أنها قدمت مساعدات على شكل منح للفنانين في محاولة منها لمساعدتهم في التغلب على الوضع الصعب الذي يعيشونه.
وقالت بتول قيسية مديرة دائرة المسرح في وزارة الثقافة لـ"زوايا"، إنه عندما بدأت الجائحة العام الماضي قامت وزارة الثقافة بدعم القطاع المسرحي والفنون بشكل عام، من خلال تقديم مساعدة مالية بقيمة 500 دولار، وشملت الدفعة الأولى نحو 350 فنانا بمن فيهم الفنانين المسرحيين كدفعة أولى، وفي الدفعة الثانية دعمت ما يقارب 150 فنانا بنفس المبلغ.
وأضافت أن الوزارة اتفقت مع إدارة الصندوق الثقافي الفلسطيني، على أن تكون أغلب المشاريع التي يمنحها الصندوق فردية لفنانين تأثروا من الجائحة، حيث كانت قيمة كل مشروع 500 دولار.
وحول الاتهامات الموجهة للوزارة بعدم تقديم دعم كافٍ للفنانين عامة والأدائيين خاصة، قالت قيسية: "صحيح أن الدعم لا يسد الرمق، لكننا حاولنا تخفيف الأعباء".
وختمت بالقول: "موازنة وزارة الثقافة قليلة، بالتالي الدعم الذي قدمته جاء بما يتناسب مع إمكانيات الوزارة، خاصة أن الحكومة كانت تعاني من أزمة مالية في أول الجائحة بسبب احتجاز الاحتلال لأموال المقاصة".