يعيش المواطن محمد الرنتيسي 37 عاماً الذي يعمل في إحدى الشركات التجارية الخاصة في قطاع غزة في دوامة من الخوف وعدم الاستقرار، بعدما أقدمت الشركة التي يعمل بها على فصل عدد من العاملين لديها.
ولتبرير قرار الفصل، تذرعت الشركة بالخسائر التي تكبدتها، نظراً لسوء الأوضاع الاقتصادية وانخفاض مستوى المبيعات لديها، كما يقول الرنتيسي.
ويخشى "الرنتيسي" أن يلقى مصير زملائه المفصولين، رغم امتعاضه الشديد من الإجراءات التعسفية التي اتخذتها الشركة بحقهم مؤخراً، من خفض للأجور ووقف كافة الامتيازات والمكافآت، وكذلك وقف بدل المواصلات والعلاوات حتى إشعار آخر.
ويقول الرنتيسي لـ"زوايا": "أعمل في هذه الشركة منذ 15 عاماً، وتزوجت ولي خمسة من الأبناء، وبعد هذه الأعوام الطويلة وبدلاً من أتقاضى راتباً يعيلني أنا وأسرتي، انخفض راتبي إلى النصف، بعد أن قررت الشركة صرف 50% من الراتب، بحجة تراجع المبيعات لديها، ورغم رضوخنا لهذا الإجراء التعسفي، إلا أن نصف الراتب لا يصرف بانتظام".
اقرأ أيضا: موظفو حكومة غزة يكسرون صمتهم ويطالبون بحقوقهم المتراكمة
وأضاف الشاب الثلاثيني: "قررنا أنا وزملائي خوض إضراب مفتوح عن العمل، لإيصال صوتنا بأننا نرفض هذه الإجحاف بحقنا، لكننا تراجعنا في آخر لحظة بعد أن تلقينا تهديدات غير مباشرة من إدارة الشركة بالطرد من العمل"، مشيراً إلى أنه يفكر دائماً بالاستقالة من عمله لكن لا يستطيع تقديمها الآن، كونه على يقين بأنه لن يجد عملاً آخر، مهما كانت الظروف.
فصل بدون إنذار
واقع الشاب الرنتيسي أفضل حالاً من الشاب "معاذ سالم" الذي أنهى دراسة المحاسبة وكان يعمل "كاشير" في أحد المطاعم بمدينة غزة، قبل أن تقدم إدارة المطعم على فصله بدون وجه حق، بذريعة تكدس عدد العاملين.
ويقول سالم لـ"زوايا": "تلقيت قرار فصلي دون سابق إنذار وقالوا لي: "مع السلامة"، بعد خمس سنوات من العمل.
وأشار إلى أنه لجأ لأحد المحامين لرفع قضية على إدارة المطعم للمطالبة بحقوقه كاملةً، وتعويضه على الضرر الذي لحق به جراء هذا القرار.
وبحسب التقرير السنوي لجهاز الاحصاء الفلسطيني لعام 2020 فإن عدد العاملين في القطاع الخاص انخفض بمقدار 121 ألف عامل في الربع الثاني من العام 2020، بمقدار 17% في قطاع غزة.
ويبلغ عدد العاملين في القطاع الخاص بغزة (165,900) عامل، وفي الضفة الفلسطينية (501,700) عامل، وتمثل نسبة العاملين في القطاع الخاص حوالي 66% من إجمالي العاملين في فلسطين.
وبينت النتائج أن غالبية الأنشطة شهدت انخفاضاً في عدد العاملين خلال الربع الثاني 2020، والاكثر تضرراً العاملين في نشاطي المطاعم والفنادق والبناء والتشييد خلال فترة جائحة كورونا في السوق المحلي.
كما أشارت النتائج إلى أن الحد الأدنى للأجر في قطاع غزة بلغ 647 شيقلاً مقابل 1,146 شيقلاً في الضفة الفلسطينية، وهو ما يشكل أقل من الحد الأدنى للأجر والمقدر بـ(1,450 شيقلاً) في فلسطين.
تحايل أصحاب العمل
من جهته أرجع مدير جمعية التنمية العمالية "عامل" خلال حديثه لموقع "زوايا" التغول على حقوق العمال في قطاع غزة إلى عدة عوامل أهمها: "غياب منظومة الحماية العمالية، وغياب المجلس التشريعي الفلسطيني، وفقر القوانين والتشريعات الخاصة بحقوق العمال، وضعف رقابة نقابات العمال ووزارة العمل".
وأضاف "غبن" أن هناك تغول على حقوق موظفي القطاع الخاص والعمال على مستوى تدني الأجور التي تصل إلى 650 شيكل (الدولار يعادل 3.3 شيكل) في قطاع غزة، و1200 شيكل في الضفة، وهي أقل من الحد الأدنى للأجور الذي حدده مجلس الوزراء الفلسطيني عام 2013 بـ1450 شيكل، فيما تتقاضى المربيات في رياض الأطفال على سبيل المثال أقل من 400 شيكل شهرياً.\
اقرأ أيضا: فياض يفتح النار على نفسه بحديثه عن غزة
كما تصل الزيادة الكبيرة في عدد ساعات العمل إلى 12 ساعة، وذلك خلافاً لقانون العمل الفلسطيني لعام 2000 والمحدد بـ8 ساعات.
وكشف مدير جمعية "عامل" عن عمليات تحايل يمارسها أصحاب العمل بحق العاملين من خلال إجبارهم على التوقيع على مخالصات مالية بدون وجه حق، في حال طالبوا بمستحقاتهم المالية عند تركهم للعمل أو طردهم بشكل تعسفي، وهو يعود في أغلب الأحيان إلى جهل العامل أو موظف القطاع الخاص بحقوقه الذي نص عليها القانون.
العامل يتحمل مسؤولية وضعه المأساوي
وحمل غبن عبر "زوايا" المسؤولية لأكثر من جهة حول تردي الأوضاع الحقوقية للعمال الفلسطينيين، وعلى رأسهم العامل نفسه الذي طالبه بعدم الاستسلام لهذا الواقع والظلم، رغم قسوة الأوضاع الاقتصادية وتدنى فرص العمل.
كذلك انتقد دور النقابات العمالية وما تعانيه من أوضاع هشة نتيجة ارتباطها بأجندات حزبية وسياسية، مشيراً إلى أن أغلب مسؤولي هذه النقابات هم من موظفي السلطة وغير قادرين على الدفاع عن حقوق العمال أو الوقوف في وجه السلطة الحاكمة.
كما عزى هذا الواقع إلى ضعف الدور الرقابي للحكومة الفلسطينية والمتمثل بوزارة العمل التي تتحمل المسؤولية عن متابعة شؤون العمال والرقابة على التزام كافة الأطراف بقانون العمل الفلسطيني.
وطالب "غبن" موظفي القطاع الخاص والعمال بتشكيل نقابات عمالية قادرة على حمل مشاكلهم والتوجه بها إلى الجهات الحقوقية في حال وجود نزاعات عمالية، موضحاً أن الشكاوى الفردية غالباً ما تصب في صالح أصحاب العمل ولها تأثير سلبي على صاحب الشكوى وباقي العمال.
انتهاكات العمال سبقت جائحة كورونا
وحول تذرع أصحاب العمل بجائحة كورونا وتردي الأوضاع الاقتصادية، أوضح مدير جمعية "عامل" أن انتهاكات حقوق عمال القطاع الخاص سبقت تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية، وأن المبررات التي يسوغها أرباب العمل غير مقنعة، لأن المراكز الحقوقية والمعنية بالعمال ترصد منذ سنوات انتهاكات بالجملة لأصحاب العمل، وكذلك تلقت مئات الشكاوى من قبل العاملين أنفسهم، موضحاً أن جائحة كورونا والحصار الاسرائيلي، شكلا عبئا اقتصادياً لا يمكن تجاهله.
وواجه القطاع الخاص الفلسطيني في قطاع غزة خطر الانهيار التام مع تفشي جائحة كورونا، واستمرار الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض على أكثر من مليوني فلسطيني للعام الرابع عشر على التوالي.
وعصفت الإجراءات الاحترازية المتبعة التي تفرضها الجهات الحكومية في غزة من أجل مواجهة وباء كورونا، بعمل القطاع الخاص الاقتصادي على صعيد تقليص أعداد العاملين وتخفيض ساعات العمل اليومية.
وقدرت جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين في غزة عبر تقرير لها الخسائر الاقتصادية في القطاع بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا الجديد، بأكثر من مليار دولار، الأمر الذي يفاقم الصعوبات المعيشية الناجمة عن الحصار الإسرائيلي الخانق، الذي قدرت الأمم المتحدة خسائره بنحو 17 مليار دولار أميركي.
إلى جانب ذلك، فإن هناك أكثر من 47 ألف نشاط اقتصادي تأثر بشكل سلبي ومباشر بالجائحة، فضلاً عن تضرر 160 ألف عامل فلسطيني، 90 بالمئة منهم عاجزون عن توفير احتياجات أسرهم الأساسية.