الأسرى الفلسطينيون: استخدام سياسي لمعاناتهم وتجاهل مخجل لحريتهم

شكلت الصور والتسجيلات التي بثت مؤخراً للأسير المفرج عنه منصور الشحاتيت من بلدة دورا ضربة قاسمة الى التجارة الانتخابية التي اتخذت من الأسرى الفلسطينيين وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية وإقتصادية، وتغافلت عن قصورها في تأمين حرية الأسرى، وكأن ترشح الأسرى الى التشريعي أو ضمان رواتبهم هي أولويتهم وليست حريتهم ومعاناتهم المستمرة طوال هذه السنين.


استعراض قصيرللتاريخ يبين أن هناك قصوراً فلسطينياً عميقاً تجاه الأسرى يتحمل مسؤوليته الجميع من سلطة الى احزاب سياسية الى مجتمع تجاهل مطولاً جوهر قضيتهم دون خجل من استغلال قضيتهم لتحقيق مكاسب جمة على حساب معاناتهم الحقيقية.


دعونا نفكر قليلا، ألا يوجد لدينا اسرى مر على اسرهم أكثر من اربعين عاماً وما زالت آفاق اطلاق سراحهم معلقة بانتظار المجهول.


اقرأ أيضاً: كحيل يكشف لـ”زوايا” تفاصيل إجراء الانتخابات في القدس (شاهد)

ألا نتذكر أن اشهر معتقلاً في العالم نيلسون مانديلا بقي في السجن فقط عشرون عاماً، أي نصف ما قضاه الأسير عبدالله البرغوثي ومع ذلك أصبح رمزاً عالمياً، ورئيس دولة حرة، ونحن نفكر فقط بترشيحه على احدى قوائمنا سعيا لكسب اصوات انتخابية من مشاركته بالقائمة.


هل نعي أن التاريخ لم يسجل بقاء احد في السجن كل هذا الوقت مثلما يحدث لدينا لا في منظمات ثورية ولا غير ثورية.


هل تذكرون كيف نسي المفاوض الفلسطيني في اتفاقية 1993 الأسرى في السجن دون أن يتذكرهم أحد الى أن بدأت بعض الافراجات الجماعية لتعزيز ثقة الناس بالإتفاقية بعد تلك الفضيحة السياسية الأخلاقية؟.


هل تتذكرون كيف تناسى المفاوض ومعه كل الأحزاب السياسية الأسرى وجثامين الشهداء في مقابر الأرقام حتى تمكن اهالي الشهداء انفسهم في عام 2010 بفضل الحملة الوطنية لجثامين الشهداء المحتجزة من كسر الصندوق وبدء معركة تحرير جثامينهم؟.


اتذكرون كيف بادر فصيل سياسي بمبادلة رفاة جندي اسرائيلي اسير في جنوب لبنان مقابل عودة مسؤول له الى أرض الوطن ليعزز قيادة الفصيل في الداخل المحتل؟ .


هذا ليس جرد شامل للماضي بل امثلة والحصر أكبر من ذلك بكثير. نحن لا ننسى التاريخ، وندرك أن هناك محطات مضيئة في تقدير قيمة حرية الاسرى منذ أن انطلقت الثورة الفلسطينية ولغاية اليوم بدت بمحطات تبادل الأسرى العديدة لكن المحطات المظلمة كانت أكثر من ذلك بكثير.


اقرأ أيضا: صيدم يكشف لـ”زوايا” شرط فتح للتحالف مع أي فصيل بقائمة واحدة

دعونا نقترب من الحاضر قليلا ولا نبقى اسيري الماضي.. هل تتذكرون ازمة رواتب الأسرى في البنوك؟ وكيف تحولت رواتب الأسرى الى غضب شعبي على البنوك العاملة في فلسطين؟ هل تذكرون كيف عالجنا أزمة مست صميم كرامة الأسرى بإستغلال بشع لقضيتهم دون أدنى حساسية بكرامة الأسرى وذويهم؟.


اتخذنا اكبر قرار سيادي فيه تحدي لسلطة الإحتلال، وقلنا سنحمي القطاع المصرفي وسنقف لسلطات الاحتلال بالمرصاد. أنشأنا بنكاً حكومياً سميناه "بنك الاستقلال للتنمية والاستثمار" وقلنا أنه استثنائي لا يخضع الى معايير سلطة النقد وهو لأغراض حكومية في مقدمتها ضمان رواتب الاسرى وكرامتهم، وعينا مديراً عاماً له وخططنا لعمله باعتباره الحل السحري لحل أزمة رواتب الأسرى. فما الذي حصل بعد ذلك؟


بقيت فكرة البنك الحكومي قائمة، واصبح له خطط مرسومة، واخرجت رواتب الأسرى منه بليلة مظلمة قصة وحولت الى بنك البريد، ووزعت مستحقاتهم بشيكات بريدية، وفي القريب ستصرف عبر صرافات الكترونية، معلنين بذلك حل ازمة رواتب الأسرى والشهداء، وبقي البنك الذي أنشأ من أجل الأسرى ليكون في المستقبل اكبر مصرف فلسطيني حكومي دون الأسرى ودون مخاوفهم.


هل سمعتم في التاريخ عن حكومة قادرة على استثمار قضية الأسرى سياسياً واقتصادياً مثلما نفعل نحن الفلسطينيين؟.


دعكم من هذا كله ودعونا في ننظر في شأن آخر من تجارتنا في قضية الأسرى. هل تتذكرون كم بذل نادي الاسير من جهود لحماية الأسرى الفلسطينين ؟


هل تعلمون كم قدم النادي للأسرى من خدمات ودفاع عن حقوقهم؟.


هل تتذكرون كيف حاصرنا هذا النادي قبل عدة شهور فقط وجففنا امواله ومصادره الى ان اغلق فروعه وحولناه الى رماد، لا لسبب ما الا لعدم رضانا على القائمين عليه رغم ما قدمه النادي من خدمات للأسرى.


ليست السلطة والاحزاب الوطنية وحدها من يستغل قضية الأسرى، فاستبعاد الاسير حسن سلامة من قائمة "القدس موعدنا" فيها شبهات استخدام قضية الأسرى استخداماً سياسيا، استبعاده لم يكن عفوياً او جهلاً بقدر ما كان تنكراً غايته قائمة حمساوية مقبولة اقليمياً لا تحتمل فيها وجود رجلاً بمكانة وقيمة ومقدار هذا الأسي، فآثرت الحركة على إستبعاده بطريقة ذكية، فتقدمت بترشيح غير مكتمل ورضيت أن تحمل غباء الآخرين مسؤولية استبعاده، وبذلك لم تختلف عن الاخرين في تجارتها بقضية الأسرى وباستخدام اسمائهم في القوائم الإنتخابية.


اعلم أن ما قلته قاسياً، ويثير غضبكم، ويؤرقكم، ولديكم القدرة على الرد، لكنها الحقيقة التي اعتدنا أن نتجنب الخوض بها، وبقينا نسلط الضوء حولها وليس على جوهرها.


لذا اقول لكم بوضوح: نفتقر لرؤيا وطنية فلسطينية واضحة فيما يتعلق بالأسرى، لا في مشاركتهم في الانتخابات التشريعية ولا في قضاياهم، وإن كانت بعض تصرفاتنا بحسن نية فهي تأتي من باب تأنيب الضمير.


تفاخرنا بتزيين قوائمنا الحزبية بأسماء الأسرى وهذا حق لهم، ولا يخضع للمفاضلة أو التقييم، لكننا تناسينا أن احد أسباب شل عمل المجلس التشريعي السابق الاعتقالات الإسرائيلية للنواب ولم يتمكن المجلس من تحقيق نصاب الإنعقاد، وحين عدنا للانتخابات بعد ستة عشرة عاماً تجاهلنا التفكير بأي حل بديل وكأن ما كان لم يكن.


لا انكر اطلاقاً حق الأسرى في المشاركة السياسية في كل هيئات منظمة التحرير الفلسطينية والاحزاب وفي الصف الاول منها، لكن ذلك يجب أن يكون بطريقة تضمن دوراً فاعلاً ومؤثراً لهم لا استخداماً انتهازياً لقضيتهم ومكانتهم ودروهم.


تخيلوا مثلاً قائمة انتخابية صغيرة اجتازت نسبة الحسم بأربعة مقاعد،اثنين من مرشيحها معتقلين اصلاً، وهي بيضة القبان في منح الحكومة في الثقة. كيف يمكن لهذه القائمة أن تقوم بدورها في المجلس التشريعي في منح الثقة للحكومة ؟

وبدورها في المساءلة والرقابة على التشريعات جوهر عمل المجلس التشريعي ونصف أعضاءها انتخبوا وهم أسرى؟.


اليست من اجل هذه المهمة انتخبناهم؟.


علينا أن نتخلى فوراً عن ثقافة التجارة بقضية الأسرى والتغني بها، وأن نكف عن هذا الاستحدام السياسي لقضية الأسرى، فترشيح أسير يقضي في السجن اربعين عاماً الى عضوية التشريعي لا يعوضه يوما واحدا عن قصورنا ببقائه في السجن كل هذه المده، وانتخاب الاسير أمينا عاما او عضواً في قيادة حزبه وهو في السجن أمر محزن على ما آل اليه ضعفنا، وكيف بدلنا قيمة الحرية بقيمة المكانة وكأن الأمر سيان.


خاص زوايا


بقلم: ماجد العاروري

مواضيع ذات صلة

atyaf logo