على الرغم من التطور الهائل في التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في نقل الأخبار والأحداث؛ إلا أن "الإذاعة" ما زالت تشكل محوراً رئيسياً لدى الجمهور للحصول على المعلومات.
وهو ما يزيد من أهميتها في الانتخابات المقرر عقدها في مايو القادم، في الاهتمام بالعملية الانتخابية واستضافة المرشحين ومناقشة البرامج الانتخابية.
وتشير إحصاءات منظمة اليونيسكو التابعة لهيئة الأمم المتحدة، ضمن تقاريرها الصادرة خلال الأعوام الأخيرة إلى أن عدد مستمعي الإذاعة في العالم تجاوز عدد مشاهدي التلفزيون ومستخدمي الهواتف الذكية.
حيث تم رصد وجود نحو 800 محطة إذاعية في بلدان العالم النامية، وتمّ كذلك الحديث خلال التقارير عن أن نصف سكان العالم تقريباً ما زالوا غير قادرين على الاتصال بشبكة الإنترنت، وهذا الأمر الذي يعزز من أهمية الإذاعة وغيرها من وسائل الاتصال الأرضية.
وفي فلسطين، وخاصة في قطاع غزة عززت أسباب أخرى من ارتفاع نسبة الاستماع للإذاعة، من بينها أزمة الكهرباء التي تزيد مدة قطعها في بعض المناطق على 10 ساعات يومياً، وكذلك أوقات الأزمات والحروب.
حيث أن الوضع بشكلٍ مستمر ودائم يمتاز بالتوتر، بفعل الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية التي تؤدي غالباً إلى تعطيل في شبكات الاتصال والإنترنت والبث الفضائي، مما يدفع الكثير من المواطنين إلى الالتفاف حول أجهزة الراديو للاستماع إلى الأخبار لمتابعة مجريات الأحداث.
خروج عدد من الإذاعات عن الخدمة
يعتبر الحصار الإسرائيلي من أكثر المعيقات التي تركت أثاراً كارثية على مستقبل عمل الإذاعات المحلية في غزة، ما دفع عدداً منها إلى التوقف عن العمل والإغلاق مثل "إذاعة ألوان، وإذاعة البراق، وفرسان الإرادة".
اقرأ أيضاً: وسائل التواصل الاجتماعي تزاحم الإذاعات على الدعاية الانتخابية
كما باتت الإذاعات العاملة تفتقد إلى المعدات والإمكانات وأجهزة الإرسال الحديثة، إضافة إلى صعوبة الحركة والتنقل للعاملين في الإذاعات الفلسطينية، بما يؤهلهم للقيام بواجبهم المهني والإعلامي في التغطية الصحفية وتلقي الدورات وحضور المؤتمرات، كما يقول الإعلامي "محمد قنيطة" المذيع في إذاعة صوت القدس بغزة لموقع "زوايا".
ويوضح "قنيطة" أن من أهم المصاعب التي تواجه عمل الإذاعات المحلية، هو "التمويل"، فمن غير تمويل لا تستطيع الاستمرار والنجاح في عملك.
كما دفع الحصار والوضع الاقتصادي الصعب العديد من الشركات والمؤسسات إلى وقف بث إعلاناتها التجارية والخدماتية مدفوعة الأجر، والتي تشكل عائداً مالياً مهماً ضمن موازنة عمل الإذاعات، الأمر الذي انعكس سلباً على أجور الصحفيين العاملين فيها.
وأكد قنيطة أن الإذاعات المحلية هي وسائل إعلام جماهيري تستطيع الوصول لآلاف الناس، شريطة أن يكون هناك اتفاق بينها لدفع العمل باتجاه ترسيخ مبادئ المهنية الفائقة قدر الإمكان.
مؤكداً أن المشكلة تكمن في تشتيت الجهود، وعدم توحيد الخطاب الإعلامي.
ودعا "قنيطة" المؤسسات والهيئات والنقابات العربية، لاسيما اتحاد الاذاعات العربية واتحاد الصحفيين العرب، لتقديم الدعم والمساعدة للإذاعات الفلسطينية التي تعاني جراء الحصار الإسرائيلي.
كما طالب وزارة الإعلام ونقابة الصحفيين الفلسطينيين والكتل الصحفية بتوفير الاحتياجات اللازمة لتسهيل عمل الصحفيين وعدم تعرضهم للملاحقة والاعتقال والوقوف إلى جانبهم بوجود قوانين عصرية تحمي حقوقهم.
وإبان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2008 -2009، أشاد اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية بدور الإذاعات العاملة في غزة، وتغطيتها الميدانية لكافة جرائم الاحتلال عبر البرامج والموجات المفتوحة.
بالإضافة إلي تسليط الأضواء على المعاناة الإنسانية لسكان غزة الذين اكتووا بنار العدوان المدمر، الذي أسفر في حينه عن استشهاد أكثر من 1500 شهيد، بينهم 410 أطفال، و104 نساء، و100 مسن، وإصابة أكثر من 5400 آخرين؛ نصفهم من الأطفال.
اقرأ أيضاً: حرية الصحافة خارج مرسوم الحريات
فيما خلفت آلة الحرب الإسرائيلية دماراً كبيراً في المنشآت، والبنية التحتية في قطاع غزة، وبحسب وزارة الأشغال العامة والإسكان بغزة، فقد هدّمت إسرائيل خلال الحرب حوالي 5700 وحدة سكنية بشكل كلّي، فيما تعرّضت نحو 52 ألف وحدة للضرر الجزئي.
وبيَّن الاتحاد أن الإذاعات الفلسطينية كان لها الدور الأبرز في نقل الصورة الحية لمعاناة الغزيين من خلال لفت النظر لمعاناتهم اليومية بالإضافة إلى فضحها لجرائم الاحتلال التي استهدفت المدنيين.
تبعية الإذاعات من أهم التحديات
من جهته رأى د. نشأت الأقطش الأكاديمي والخبير الإعلامي في حديث لـ موقع "زوايا" أن تبعية الإذاعات للجهات الممولة وعدم قدرتها على انتقاد سياسة السلطة الحاكمة يعتبر من أهم التحديات التي تواجه عمل الإذاعات المحلية في قطاع غزة والضفة الغربية.
وأوضح الأقطش أن الإذاعات المحلية تنقسم إلى ثلاثة أقسام حسب تبعيتها، فمنها من يتبع للأحزاب السياسية، وبرأيه فهي تقود الرأي العام وفقاً لمصالح الحزب، ومنها من يعتمد على الجهات الممولة، وهي تلتزم بالشروط التي تفرضها تلك الجهات.
وأخيراً الإذاعات الربحية التي تحاول أن توازن بين مصالحها الشخصية الربحية والوضع العام الداخلي.
وتابع الأقطش: "من الصعب الجمع بين أهداف وتوجهات هذه الإذاعات نحو خطاب إعلامي موحد يخدم القضية الفلسطينية والهم الوطني، كونها منقسمة بفعل الانقسام السياسي على الأرض".
وأشار إلى أن الإذاعات تتوحد في الميدان عندما يتعلق الأمر بتغطية جرائم الاحتلال وفضح ممارساته القمعية، لكنها تبتعد كثيراً عندما يتعلق الحديث بجوهر القضية الفلسطينية ومشاكلها.
واستبعد الأكاديمي الأقطش أن يكون لوزارة الإعلام الفلسطينية ونقابة الصحفيين والكتل الصحفية، دوراً إيجابياً في توحيد الخطاب الإعلامي، كون هذه المؤسسات لها تبعية سياسية، ولديها خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها.
ويرى الأقطش أن معظم الإذاعات باتت وسيلة للتسلية والتغطية الإخبارية ولا تستطيع تغيير الرأي العام وتوجيه المواطنين، كما كانت فترة خمسينيات وسبعينات القرن الماضي، قبل انتشار التلفزيون، موضحاً أن اسهامات الإذاعات اليوم في طرح القضايا الوطنية باتت محدودًا.
أجواء المصالحة تعيد الأمل
وبحسب البيانات المنشورة على موقع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية، فإن عدد الإذاعات المحلية والدولية العاملة في قطاع غزة، يبلغ 23 إذاعة تبث جميعها عبر موجة "إف إم" الأرضية، إلا أن عددًا قليلًا منها اضطر إلى التوقف عن البث، نظراً لفقد الدعم المالي.
ورغم أن بعض الإذاعات المحلية، تقدّم برامج اجتماعية تعرض قضايا الناس وحلولاً لمشاكلهم أمام المسؤولين، لا تخفي انتماءاتها السياسية في أخبارها وبرامجها السياسية، فتبرز فيها وجهة نظر الطرف الذي تدعمه.
ومع قرب موعد إجراء الانتخابات الفلسطينية وعودة الحديث عن الأجواء الايجابية بتحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، يأمل الغزيون أن تستعيد الإذاعات والإعلام الفلسطيني دورها الوطني في توجيه الرأي العام بخطاب إعلامي وحدوي وبناء، يحمل الهم الفلسطيني والقضايا الوطنية، بعيدًا عن النظرة الحزبية الواحدة.