تقرير خريجو التربية بغزة غرقى يتعلقون بقشة الوظيفة

خريجو غزة
خريجو غزة

منكفئَ الوجهِ يطالع شهادته الجامعية، وبعضًا من شهادات الخبرة، وجدنا الشاب الثلاثيني "تامر عطية" يحمل هاتفه المحمول يبحث عن الموقع الإلكتروني لوزارة التربية والتعليم بغزة، كي يسجل لمسابقة وظيفة "معلم".

وكان ديوان الموظفين بغزة بالتعاون مع وزارة التعليم قد أعلن الشهر الماضي عن استقبال طلبات خريجي كليات التربية للوظائف التعليمية.

حَدّثَ الشاب الثلاثيني معلوماته، بشيء من الأمل وكثير من الإحباط، لأنه على علم مسبق بأن فرصته في الوظيفة لا تتعدى نسبة 1%.

"تامر" واحد من بين عشرات آلاف الخريجين من كلية التربية بقطاع غزة يبحثون عن وظيفة "معلم"، وقد سبق أن سجل للوظيفة مرتين لكن الحظ لم يحالفه.

هذه المحاولات المتكررة رافقت تامر طيلة عشر سنوات، منذ تخرجه من كلية التربية– قسم الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية عام 2011.

بطالة مرتفعة

 ويأتي المارثون المزدحم بالخريجين على وظيفة "معلم"، في ظل معدلات بطالة غير مسبوقة يعاني منها قطاع غزة.

وبحسب ما ذكره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن 54% من حملة مؤهل علمي دبلوم متوسط فأعلى من الشباب (19-29) هم الأكثر معاناة من البطالة في قطاع غزة خلال عام 2020.

كذلك أثرت جائحة كورونا على أعداد العاملين في السوق المحلي بالقطاع، إذ انخفض من العام 2019 إلى العام 2020 بنسبة 13%.

السّخط الكبير والأمل الضئيل

وأعرب خريجو كليات التربية عن سخطهم، بعد علمهم بالأعداد الكبيرة المتقدمة لامتحان وظيفة معلم بغزة، معبرين عن ضياع مستقبلهم وعن فرصتهم الضئيلة للغاية في الحصول على الوظيفة التي يتنافس عليها عشرات الآلاف.

وعلّقت دارين درابي بسخرية على الحدث بقولها "معقول سيتركون الـ40.000 ويوظفوني أنا"، فيما كانت الخريجة "لميس أحمد" أكثر تشاؤمًا بقولها "يبدو أنكم اختركم مسبقًا، لا أحتاج لحرق أعصاب وتعب بلا فائدة".

أمّا الخريجة "نهار عوض" فبدت أكثر حزمًا وقوةً فقالت: "نحتاجُ لدراسةٍ عاليةٍ وتركيز كبير كي نحصل على الوظيفة، ولا مجال لنا سوى الاجتهاد والجد والدراسة ليلًا ونهارًا"، وكذلك صوفان أبو النجا التي اكتفت بقول "لكل مجتهدٍ نصيبٍ".

للمزيد: موشن جرافيك.. القوى العاملة في فلسطين 2020

فيما تمنّت الخريجة "وفاء فادي" أنْ تكون علامة مفتاح قبول التربية الإسلامية أقل من 40 من 50 الذي فرضته وزارة التربية والتعليم في غزة، فيما تساءل الخريج أدهم أبو رشيد "يا ترى كم خريج سيحظى بهذه الوظيفة؟!"، واتفقت معه الخريجة "فداء ماجد".

فيما طالب الخريج "أحمد سمير" بتحديد عدد المنوي توظيفهم لكل تخصص، فيما علّقت غادة أسعد "بعد هذا العدد (من المتقدمين)، لا أنوي التقدم".

وزارة التعليم: التحديّات كبيرة

وأفاد وكيل وزارة التربية والتعليم في غزة، زياد ثابت، أن عدد المتقدمين لوظيفة معلّم جديد 2021، بلغ 46,000 متقدم، منوهًا أن الامتحان سيعقد في الأول من نيسان/أبريل القادم.

وأشارَ في حديثـه لموقع "زوايا" أن وزارة التربية والتعليم بغزة، توظّفُ كل عام معلمين جدد، حسب التشكيلات الجديدة في كل عامٍ دراسي، مبينًا أن الوزارة توظف كل عام أكثر من 500 معلمٍ جديدٍ.

ونوّه "ثابت" أن أعداد طلاب التربية في ازدياد ولا حلول قطعية لتوظيفهم واستيعابهم جميعهم في وزارة التربية والتعليم، لافتًا أن كل عامٍ يتخرج أكثر من 4,000 طالب في جميع جامعات قطاع غزة.

حلول جزئية

ولفت "ثابت" لـ"زوايا" أن الـ 46,000 متقدم للوظيفة، جزءٌ منهم عاملون على بند البطالة في وكالة الغوث والحكومة، لكي يحصل على وظيفة ثابتة، ومنهم من يعمل في مدرسة خاصة، مشيرًا "ليس كلهم عاطلون عن العمل".

وأسِف لعدم قدرة المؤسسات الحكومية على استيعاب هذا الكم الكبير من الخريجين من كلية التربية، موضحًا أن عملية التعليم مستمرة، وكل عامٍ يُنهي آلاف الطلبة الثانوية العامة، ويلتحقون بالجامعات، وأكثر الكليات التحاقًا بها هي كلية التربية.

وعدّ "ثابت" لـ"زوايا" حلولاً جزئية عمدت إليها الوزارة للتخفيف عن كاهل الخريجين، منها تشغيل قرابة 1000 معلم "مؤقتًا" "بدل أمومة" كل عامٍ، أو إلحاق الخريجين ببرامج بالتعاون مع وزارة العمل، أو التنسيق مع الدول المانحة.

وتسعى وزارة التربية والتعليم حسب ما ذكر "ثابت" للاتجاه للتعليم المهني والتقني في المدارس، وأن الوزارة، بنَت العديد من الوحدات المهنية والتقنية داخل المدارس والتي تعلم على سبيل المثال "الجرافيك ديزاين" "الموبايل أبليكيشن"، وذلك للحد من مشاكل المدارس البعيدة عن الطلبة كمدرسة "بيت حانون" الزراعية.

وبين أن بناء مدرسة مهنية أو تقنية كاملة، تعادل بناء ست مدارس عادية، موضحا أن المانحين يفضلون المدارس التقليدية عن المهنية والتقنية المكلفة جدًا.

تكدّس خريجين.. وحلول صعبة

 

ورأى المختص الاقتصادي محمد جيّاب أن إحكام الإغلاق على غزة منذ أكثر من 15 عامًا كان أحد أسباب تكدس الخريجين الفلسطينيين، ولا سيما تخصصات التربية، حيث يتقدم أكثر من 40,000 متقدم لنيل 500 وظيفة فقط، وهي جزء من غياب الأمل لدى الخريجين.

وبيّن خلال حديثــه لــ"زوايا" أن البطالة في غزة قد بلغت أكثر من 50%، مقترحًا لحل هذه المعضلة أن يتم تصدير العمال للخارج، بما يلزم فتح آفاق خارجية، مبينًا أن هذا الأمر يحتاجُ اتفاقيات رسمية مع الحكومات الخارجية وغيرها.

ورفض "جياب" توجيه اللوم للجامعات الفلسطينية، بقدر انتقاده للنظام التعليمي الفلسطيني، راسم السياسات التعليمية للجامعات الفلسطينية، والذي أفرز تكدس آلاف الخريجين الفلسطينيين.

ودعا لتوجيه الطلاب إلى أقسامٍ علميةٍ وفنيةٍ ومهنيةٍ تتماشى ومطالب المرحلة، على المستوى المحلي والإقليمي والاحتياجات العامة.

أزمة متراكمة

وعلّق مدير عام الشؤون الإدارية في وزارة التربية والتعليم بغزة، رائد صالحية، على الأزمة بأن التعليم الجامعي متاح للجميع، وهناك تخصصات عديدة وليس لها مخرج نحو سوق العمل.

وأشار في حديثـه لـ"زوايا" أن غزة تقريبًا منعدمة الأمية، وعملية الالتحاق بالجامعات واسعة، والآلاف ينافسون على الوظائف التعليمية.

للمزيد: أين دور الشباب في الانتخابات الفلسطينية القادمة؟ (إنفوجرافيك)

 ولفت أن الوزارة تسعى للتخفيف من حدة البطالة، بتعزيز الوحدات المهنية في التعليم المتوسط والجامعات، لضخها في سوق العمل.

ونوّه أن أعداد الخريجين ولا سيما "تخصص التربية" عملية تراكمية منذ قدوم السلطة الفلسطينية، وأن الجامعات الفلسطينية تقدّم 5000 خريج سنويًا، جلّهم من التخصصات التربوية، مشيرًا إلى أن أي جهةٍ كانت حاكمة لقطاع غزة، لن تستطيع القضاء على البطالة.

 ووصف عملية القضاء على بطالة الخريجين بـ "العملية المعقدة" ولا سيما التخصصات التربوية، وأنه كان بالإمكان قديمًا إرسال طلبة لـ "قطر" و"الكويت" (يحدث من فترة لأخرى)، منوها إلى أن المحيط العربي يعاني في الوقت الحالي من البطالة والكساد الاقتصادي، ما أثرًا سلبا على استقطاب خريجين من القطاع.

أملٌ بعد الانتخابات الفلسطينية

وبيّن صالحية خلال حديثه لـ "زوايا" أن الأعداد الكبيرة من الخريجين تحتاج لمشاريع كبيرة وواسعة، آملاً أن تتغير الأحداث والمسارات مع الأفق السياسي الفلسطيني الجديد، ووضع خطة وطنية شاملة لحل هذه الإشكالية.

وعن سخط بعض الطلبة من سير عملية التوظيف قال "صالحية" "التجارب السابقة أكبر برهان، وقد اتسمت بالشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص وضمن معايير أشرفت عليها أكثر من جهة إعلامية ودولية مراقبة وأبوابنا دومًا مفتوحة للاستفسار، وأن ما يشاع من وضع أسماء مسبقًا هي نتيجة عملية الإحباط لدى الطلبة.

وفي ظل هذه الأوضاع المأساوية لطلبة التربية في غزة بشكلٍ خاص، كونهم الأعلى عددًا، والخريجون على نحوٍ عامٍ، يبحرُ عشرات الآلاف من الطلبة في عبابِ التوظيف، علّهم يتعلّقون بمركب التوظيف بشيءٍ من الأملِ، في ظل تضاؤل الفرص والحلول الجزئية.

المصدر : غزة- خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo