حرية الصحافة خارج مرسوم الحريات

بعد مرور أكثر من شهر على صدور المرسوم الرئاسي بشأن تعزيز الحريات العامة في الأراضي الفلسطينية، لا يزال تسعة وخمسون موقعاً إخبارياً إلكترونياً وصفحة على الفيس بوك رهن الحظر الذي فرضته عليها السلطة الفلسطينية منذ نحو ثمانية عشر شهراً.


قرار الحجب في حينه جاء بموجب قرار محكمة صلح رام الله التي استندت إلى المادة 39 من قانون الجرائم الإلكترونية، وهي واحدة من مواد عديدة يتضمنها القرار بقانون المثير للجدل، والذي رفضته نقابة الصحفيين ومؤسسات حقوق الإنسان، حتى بعد إجراء تعديلات عليه، كون جزء من مواده تتعارض بوضوح مع القانون الأساسي (الدستور)، ومع الحريات الصحفية وحق المواطنين في تلقي المعلومات والآراء من مصادر مختلفة، وفي هذا انتهاك ليس فقط لحقوق هذه المواقع أو العاملين فيها، بل لحقوق المواطنين عموماً.


القرار الذي استند إلى شكوى النيابة العامة، بإيعاز من أحد الأجهزة الأمنية، جاء كواحد من ثمار مرحلة الانقسام والمناكفات السياسية بين طرفيه، والتي كانت قد تعززت في تلك الآونة، أي بمعنى أنه ارتبط بمعطيات يفترض أن الوقائع الراهنة قد طوتها وتجاوزتها، خاصة بعد جلسات الحوار الوطني الشامل المتلاحقة منذ أيلول من العام الماضي، والتي أفضت إلى تفاهمات وطنية حول جملة من القضايا، بما فيها تحديد مواعيد إجراء انتخابات عامة للمجلسين التشريعي والوطني، وللرئاسة الفلسطينية، وأفضت أيضاً إلى إصدار الرئيس محمود عباس المرسوم غير المرقوم الصادر في العشرين من شباط الماضي والمكون من تسع مواد، من شأن تنفيذها تعزيز مناخ الحريات العامة، بما فيها حرية الرأي والتعبير والعمل الصحفي، وتهيئة الأجواء لانتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة.


اقرأ أيضا: لماذا تلاحق إسرائيل المحتوى الرقمي الفلسطيني؟ (إنفوجرافيك)

رغم الأصوات والمطالبات العديدة بترجمة المرسوم نصاً وروحاً، ليطال إلغاء قرارات الحجب المطعون أصلاً في قانونيتها، حيث أن المحكمة ذاتها التي قررت حجب المواقع، أحالت بعد تقديم طعن في صحة قرارها، المادة 39 من قانون الجرائم الالكترونية إلى المحكمة الدستورية كي تقرر دستوريته واتساقه مع القانون الأساسي، ومنذ ذلك الحين لم يصدر عن الدستورية أي قرار بهذا الخصوص، ورغم ذلك، إلا أن الوصول إلى تلك المواقع والصفحات المحجوبة لا يزال غير متاح، ولا زالت الجهات المعنية تتهرب من مسؤوليتها ودورها في حل هذه القضية التي ألقت ولا تزال بظلال ثقيلة على حرية العمل الصحفي، واعتبرت نقطة سوداء في سجل الانتهاكات المتواصلة لحرية العمل الصحفي.


هذا يؤشر إلى عدم جدية العمل بروح المرسوم الرئاسي، وأن إصداره جاء فقط استجابة شكلية لمخرجات اجتماعات القاهرة الفصائلية، لكن عقلية ومنهج الحجب والقمع لا تزال فاعلة، وسياسة التهرب من المسؤوليات مستمرة، حتى في ظل الأجواء الدافئة التي تسود بين حركتي فتح وحماس، وباقي القوى الفلسطينية.


اقرأ أيضاً: هل مرحلة التحرر الوطني تستدعي التخلي عن الحياة المدنية؟

مثل هذه السلوكيات تفتح الباب أمام أسئلة عديدة حول سير مراحل العملية الانتخابية، وخاصة خلال فترة الدعاية الانتخابية المقررة مطلع أيار القادم، وما يمكن أن يتخللها من معيقات وتشوهات تخل بمبدأ تكافؤ الفرص، وتشوه نزاهة العملية الانتخابية، ودور الأجهزة الأمنية خلالها، وما يشكله ذلك من تهديد للحريات الإعلامية، ودور وسائل الإعلام التي يفترض أن تقف على مسافة واحدة من القوائم المتنافسة، وتؤدي دور الرقيب على سلامة العملية ونتائجها.


من هنا فإن رفع الحجب فوراً عن هذه المواقع الاعلامية، يشكل اختباراً حقيقياً للجهات المسؤولة، ويضع جديتها على المحك، وهذا يطال أيضا جميع أطراف الاتفاق التي التقت في القاهرة، كي لا تكون مخرجات اجتماعاتها حبراً على ورق.


خاص زوايا- عمر نزال

مواضيع ذات صلة

atyaf logo