يفرِطُ بعض المزارعين الفلسطينيين بقطاع غزة، في استخدام مبيدات الآفات والحشرات في المحاصيل الزراعية، لزيادة غلة المحاصيل والقضاء على الآفات، وبالتالي كسب المزيد من المال على حساب صحة المواطن الفلسطيني.
وذلك رغم تحذيرات منظمة الصحة العالمية، بأن مبيدات الآفات المستخدمة في حماية المحاصيل، لها أثر سُمّي على الإنسان، ومن الممكن أن تؤدي لتأثيرات صحية حادة ومزمنة على حدٍ سواء.
"الدروسبان" الأكثر تهديدًا
وقال الدكتور محمد ظاهر، أن للمبيدات الحشرية الزراعية، تأثير سلبي على صحة الإنسان، ويعتمد التأثير على كمية المادة التي تعرض لها، من خلال الرش المباشر أو وجودها في المحاصيل الزراعية.
وبين طبيب العناية المركزة في المستشفى الأندونيسي، خلال حديثه لـ"زوايا" أن أكثر الحالات التي تصل لمستشفيات قطاع غزة، هي ناتجة عن التعرض لمادة "الدروسبان" سواءً عن طريق الرش المباشر أو وجودها في المحاصيل الزراعية الناتج عن الإفراط في استخدام المبيدات الحشرية.
وبيّن أن زيادة المبيدات الحشرية، والتعرض لها، بالرش أو بطريقة أخرى، تسبب انخفاضًا في ضربات القلب، وضيق في حدقة العين.
ومن الممكن أن يحدث تشجنات، وزيادة في إفرازات الجهاز التنفسي، وصعود ماء للرئتين حال تعرض الإنسان لكمية أكبر منها.
اقرأ في تقارير زوايا: جديد الاحتلال في 2021…سنهدم منزلك خلال 100ساعة
ولفت "ظاهر" أنّ خطورة المبيدات، تهدد المزارعين قبل المواطنين، لأن التعرض بشكل مباشر للمبيدات، دون استخدام الإجراءات الوقائية الكاملة، بتغطية جميع أجسامهم، لأن الجلد يمتص المبيدات، والأمر غير مقتصر على الفم والأنف والعينين، مما يهدد حياتهم ويسبب لهم التسمم الحاد.
وعن علاقة المبيدات والإفراط فيها بالسرطان، نوّه "ظاهر" أن هناك دراسات خارجية تربط الإفراط في المبيدات الحشرية بالسرطان والأورام.
لكنّ في غزة ونظرا لقلة الإمكانات المادية والبحثية، فإنه ليس من الممكن عمل دراسات طويلة الأمد، لأنها تحتاج لأفراد كثيرين "عينة الدراسة" وتكلفة عالية، للحصول على نتائج محددة ومعرفة تأثيرها على صحة المواطن بغزة على المدى البعيد.
رقابة شديدة
وقال الناطق باسم وزارة الزراعة بغزة أدهم البسيوني، أن قضية المبيدات والأسمدة بشكلٍ عام، أو مدخلات الإنتاج الزراعي تخضع لرقابةٍ شديدة من حيث جودتها وضبط تداولها.
وأشار في حديثه لـ"زوايا" أن برامج وزارة الزراعة في غزة، مهيئة لرقابة كاملة عليها.
وتبدأ عملية الرقابة منذ دخول الأسمدة والكيماويات عبر المعابر من خارج قطاع غزة.
حيث يتم حجزها في مختبرات وزارة الزراعة، وفحصها ومطابقتها للمواصفات، ثم وسْمَها وطباعة الملصق الإلكتروني عليها.
ومن ثم تداولها في محال قطاع غزة الزراعية، وتخضع العملية للفحص على الدوام.
ونوه "البسيوني" أن هناك مبيدات مقيدة الاستخدام، ولا يمكن السماح بتداولها، وتحتاج لفترة أمان عالية، إلا تحت إشراف المهندسين المختصين.
وبين أن الطواقم الفنية التابعة لوزارة الزراعة على مستوى قطاع غزة، تجري حملات توعوية للمزارعين الفلسطينيين، للاستخدام الأمثل للمبيدات.
كما أن هناك برامج لتعزيز المكافحة الحيوية بعيدًا عن الكيماوية، من شأنها تقليل استخدام المبيدات، وتهدف لحماية المنتج والمستهلك والبيئة.
الزراعة.. المخالفون يُعاقبون
وقال "البسيوني" إن التعامل مع المخالفين يكون ضمن المقتضى القانوني لكل مخالفة.
وكل مخالفة لها خصوصيتها وتخضع لدراسة، مؤكدًا وجود عقوبات جزائية لكل مخالفة بحسب المنصوص عليه في القانون.
وأعرب عن أمله بتوفير الدعم المالي الحكومي والدولي لمساعدة القطاع الخاص الزراعي، بتوفير مساحات زراعية وتسويق المنتجات، وتعزيز صمود المزارعين الفلسطينيين.
وأعرب عن أسفه لعجز الموارد المتاحة مقابل الاحتياجات في ظل الظروف الصعبة التي لا ترتقي لتطلعات الوزارة والمزارعين.
وعنْ تدمير الأراضي الزراعية، وانحسار الصالح منها، قال "البسيوني" أن الاحتلال قد دمر آلاف الدونمات الزراعية.
كذلك، أصبحت كثير من الأراضي غير صالحة للزراعة بسبب آلاف القنابل المتفجرة التي ألقاها الاحتلال الإسرائيلي، وتسمم التربة بفعل محتويات القنابل واحتراقها وغرقها بالمحتويات السامة، وبعضها مجهولة.
وعن النفايات الصلبة، قال "البسيوني" أن الوزارة تعمل مع كافة الهيئات، لتفعيل عملية استغلال النفايات الصلبة وتكريرها والتعامل معها بحذر شديد، وألا تُنشر في كل مكانٍ.
وشدد على أن النفايات الصلية لا تستخدم مطلقًا لأي غرضٍ زراعي.
اقرأ أيضاً: سائقو غزة.. فئة معدومة تواجه ثلاثية الغلاء والحصار وكورونا
وحث الإعلام الفلسطيني على طمأنة الجمهور تجاه السلة الغذائية التي يتلقاها، وعدم الاستهانة والتقليل من شأن المحاصيل الزراعية، والافتخار بالمنتج الفلسطيني، وأن الخلل والتجاوزات التي تحصل هي حالات استثنائية.
وتابع " لو أن المعابر مفتوحة للتصدير لما بقيت ثمرة واحدة من المحاصيل في غزة".
تجاوزات خطيرة
وقال المهندس الزراعي (س.ع) ويعمل في أحد الجهات الزراعية الرقابية في غزة لـ"زوايا" إن العديد من المزارعين الفلسطينيين، يتجاوزون الحد المسموح به في المبيدات الزراعية، من أجل تحسين كمية المحصول على حساب صحة المواطن الفلسطيني.
وعن أبرز التجاوزات عدّ عدم مراعاة فترة الأمان للمبيد "وهي الفترة التي تبدأ من لحظة رش المبيد إلى فترة قطاف المحاصيل" مثل مبيد "نيماكور" والذي يحتاج فترة ثلاثة شهور ليخرج من المحاصيل، فيجني بعض المزارعين محصولهم قبل انتهاء فترة الأمان، ما يسبب الأمراض والسرطانات للمواطن الفلسطيني.
وأشار إلى لجوء بعض المزارعين الفلسطينيين، لتزوير المبيدات ،وصناعتها محليًا وتسويقها، واستخدام مبيدات منتهية الصلاحية، والتي لا تؤثر على الحشرات والآفات الزراعية.
ويلجأ بعضهم للإفراط في استخدام المبيدات الحشرية، والتي لها آثار مدمرة على التربة والآبار الجوفية وصحة الإنسان، وفق قوله.
واستنكر المختص، إفراط المزارعين في تجاوز ما نصت عليه الإرشادات الزراعية، في استخدام المبيدات والأسمدة من أجل زيادة غلتهم الزراعية على حساب صحة الإنسان.
إلى جانب تدمير التربة والآبار الجوفية، واستسقاء المزارعين للمعلومات من غير مصدرها السليم.
وبين أن استخدام المبيدات والأسمدة يكون ضمن نسبة معينة تقرها الجهات المختصة.
وبسبب ممارسات بعض المزارعين الخاطئة، تتكون سلالات من الآفات تتمتع بالمناعة القوية.
واستنكر المختص ضعف الرقابة الحكومية المتمثلة بوزارة الزراعة نحو تجاوزات المزارعين المدمرة لصحة الإنسان والمسببة للسرطانات والأورام، والمدمرة للتربة الفلسطينية ومخزون المياه الجوفي.
وأكدت منظمة الغذاء العالمي "الفاو" في تقرير لها عام 2018، أن الإفراط في استخدام الأسمدة والمبيدات، قد يزيد الإنتاج الزراعي، لكنه يشكل تهديدًا على صحة الإنسان والبيئة.
وأشارت إلى أن أكثر من 3 ملايين شخص يدخلون المستشفيات، بسبب تسمم الآفات كل عام، مما يؤدي إلى ربع مليون حالة وفاة مبكرة.
كما أعلنت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) في بحثٍ لها عام 2015، أن بعض المواد الفعالة المستخدمة في مبيدات الأعشاب يحتمل أن تكون مسببة للأورام لدى البشر.
لكن في غزة مع غياب الرقابة الفعالة، والجانب البحثي الطبي، تبقى صحة الإنسان مرهونة لرقابة وزارة الزراعة ولضمير المزارع.