تقرير شباب فلسطين بتركيا.. عناء البحث عن حياة

شبان فلسطينيون في تركيا
شبان فلسطينيون في تركيا

السفر إلى تركيا، قد يبدو حلما لكثير من الشباب العربي، إما بفعل الظروف القاهرة التي تعيشها معظم الدول العربية، طلبا للاستقرار والبحث عن فرصة عمل، أو حتى بفعل الدراما التركية التي أغرت الكثيرين بالسياحة التي تتميز بها تركيا.

ساعد على ذلك سهولة الحصول على فيزا وإقامة سياحية تمكن المسافر من البقاء فترة حتى يحاول تحقيق ما جاء لأجله.

وكان الحصار المفروض على قطاع غزة وظروف الحياة الصعبة دافعا لكثير من الشباب الفلسطيني تجاه خوض غمار هذه الرحلة المرهقة.

بداية مرهقة

"جئت إلى تركيا بمنحة دراسية منذ عامين، كان الأمر صعبا في البداية خاصة مع عدم اتقاني اللغة وصعوبة التواصل مع المحيطين بي من الأتراك، لكن حاليا تمكنت من تعلمها وأصبح التعامل أكثر يسرا"، هكذا قالت هدى أحمد، طالبة ماجستير في إحدى الجامعات التركية.

وتضيف: "من يأتي تركيا بدون هدف محدد سيجد صعوبة في التأقلم إن لم يتعلم اللغة، البلد جميلة جدا للسياحة لكنها مكلفة ماديا بنفس الوقت، إن لم تحصل على عمل أو تستهدف الدراسة بمنحة مالية ربما ستواجه صعوبات مادية في البداية".

الأمر ذاته تؤكده نور ماهر، فقد جاءت هي الأخرى بهدف الدراسة، لكنها حصلت على عمل بالفعل وتقول: "جئت مع زوجي وأبنائي بسبب صعوبة الحياة في غزة، حتى لا أنقطع عنهم إن جئت بمفردي للدراسة، فظروف المعبر غير مضمونة وقد لا يمكنني رؤيتهم بسبب تعقيدات السفر إلى هناك كل فترة".

اقرأ أيضا: سائقو غزة.. فئة معدومة تواجه ثلاثية الغلاء والحصار وكورونا

بالطبع كل بداية مرهقة كما تضيف "بقينا أكثر من عام بلا عمل، فقط على مصروف المنحة وبعض المدخرات التي جئنا بها من غزة، ولكن بعد ذلك حصلت على عمل في مؤسسة منحتني ترخيص للإقامة وتأمين صحي وقد كان الأمر نعمة كبيرة بالنسبة لنا بسبب غلاء الكشف الطبي والدخول للمستشفيات عندما نضطر إلى ذلك إن مرض أحد الأولاد".

تركيا محطة هجرة

أمجد محمود شاب آخر اختلف هدفه بعض الشيء إذ يقول "كنت أريد الهجرة إلى أوروبا واعتبرت تركيا محطة مؤقتة فقط، حاولت بالفعل لكن تم اعتقالي وإعادتي إلى تركيا من اليونان، مازلت أرغب بالمحاولة من جديد".

ورغم قدومه من عدة سنوات لكنه لم يتعلم اللغة التركية حتى الآن ولم يستقر في عمل معين، يوضح ذلك بقوله "لأني لم أفكر بعد بالاستقرار هنا لم أتعلم اللغة للأسف، رغم أني أستطيع التواصل وفهم ما يقولون لكني لا أتحدث بها".

بسبب ذلك، لم يتمكن أمجد من الحصول على عمل جيد وبقي يتنقل من عمل لآخر، فلم تكن الحياة سهلة له هنا، كما يقول.

وتابع: "منذ جئت حفظت معالم المدينة وتنقلت بين عدة مدن تركية، أجيد العمل في السياحة والعقارات وهو عمل رائج جدا هنا خاصة قبل جائحة كورونا".

أما عن أصدقائه من الشباب فيوضح "كثيرون يظنون أن الأمور وردية في تركيا خاصة مع صور الشباب على الفيس بوك والانستجرام، لكن للأسف نشاهد من يبيتون لأيام في الشوارع أو يتنقلون بين الأصدقاء بسبب صعوبة حصولهم على عمل".

هذا غير حالات النصب التي قد يتعرض لها الغريب في بداية وصوله، من عقود سكن مزورة أو عدم فهم اللغة مما يفقد الشاب حقوقه في العمل بعد أن يوقع على عقد لا يفهم ما فيه بالضبط.

منافسة شديدة

كل ذلك وأكثر يستدعي أن يتعلم الشاب اللغة بالحد الأدنى بمجرد تفكيره للحضور كما تؤكد أ. رندة الداوودي خبيرة تسويق رقمي في ندوة الكترونية كانت قد نظمتها شبكة شباب فلسطين قبل مدة عبر الانترنت.

وتقول الداوودي: "سوق العمل تنافسي جدا في تركيا، اللغة مهمة جدا والتميز في التخصص له دور، كي يتمكن الشاب من الحصول على فرصة مميزة تناسب مؤهله وتخصصه".

وقوانين العمل هنا كما تؤكد الداوودي تفرض بعض الشروط على صاحب العمل تجعله يفضل الموظف التركي بالحد الأدنى من الراتب على تعيين أجنبي يضيف عليه شروط التأمين الصحي وغيرها، مما يستلزم من الشاب أن يكون ماهرا ومتميزا كي يتمكن من المنافسة.

الدراما خادعة

"السياحة جميلة جدا هنا، لكنها بالنسبة للعائلة والإقامة صعبة جدا"، هكذا بدأت ميساء فضل حديثها.

وتكمل "العائلة بحاجة لعمل الزوجين بالحد الأدنى أربعة آلاف ليرة لكل فرد تقريبا، كي تتمكن من دفع الفواتير والإيجار وتوفير المتطلبات الأساسية للحياة خاصة في مدينة مثل إسطنبول".

وهذا ما يغيب عن حسابات كثير من الناس الذين ينبهرون بالصور الجميلة والمسلسلات التركية، كما تضيف ميساء "الدراما والصور جملت الصورة الصعبة التي تعيشها كثير من العائلات هنا، فضلا عن ساعات العمل الطويلة من الثامنة صباحا حتى الخامسة أو السابعة مساء مما لا يجعل للسياحة أو النزهة مكان، خاصة مع فترات الحظر الطويلة وأيام الإغلاق بعد انتشار فايروس كورونا".

اقرأ أيضا: قطار شباب غزة يمُر.. ولم يحصل على “شقة العمر”

ذات الأمر تؤكده هناء أحمد فتقول "الحمد لله وضعنا المادي جيد جدا، لكني وأبنائي لا نجد الوقت لنقضيه مع زوجي، لأن ساعات عمله الطويلة لا تترك لك مساحة لنا، حتى أحيانا في العطلة الأسبوعية نضطر للخروج بمفردنا".

وتضيف: "عبء المنزل وتعليم الأولاد اللغة ومتابعة الدراسة كله أقوم به وهو أمر مرهق جدا في بلد غريب لا يوجد أحد من الأهل فيه ليساعد بشيء، بجانب أن الأم نفسها بحاجة لتعلم اللغة قبل الأطفال كي لا تضطر للمدارس الخاصة وهي غالية جدا في إسطنبول".

فرار من البطالة

بشكل عام يقدر عدد الفلسطينيين في تركيا أكثر من عشرين ألفا، معظمهم من الشباب الذي جاء للدراسة بالمنحة التركية الرسمية أو في الجامعات الخاصة على نفقته الشخصية.

لكن الوضع الأصعب يتجلى لدى أولئك الذي جاءوا يبحثون عن عمل خاصة من شباب قطاع غزة، وقد دفعتهم ظروف الحصار وارتفاع معدلات البطالة لذلك.

وتتباين ظروفهم هؤلاء كثيرا، فالحصول على عمل جيد ليس سهلا في ظل المنافسة الشديدة، لكن بعضهم استطاع ذلك وبدأ بدعم عائلته.

مبادرة "هيا شباب"

هذه الظروف دفعت بعض الشباب إلى تأسيس مبادرة "هيا شباب"، لمحاولة مساعدة الشباب على التأهل للمنافسة في سوق العمل.

ويوضح ذلك مدير المبادرة أ. أنس أبو عودة بقوله "لدينا كثير من الشباب الذين جاءوا هنا للدراسة لكن مشكلتهم بعد التخرج هي الخبرة العملية التي يتطلبها سوق العمل، شبابنا معظمه مؤهل ويمكنه المنافسة لذا جاءت المبادرة تحت رعاية المنظمة الشبابية الدولية عزم".

ويضيف أبو عودة "كان أول برنامج لنا في صيف 2019 حيث تمكنا من تدريب 20 شاب وفتاة وتمكن بعضهم بفضل الله من الالتحاق بالمؤسسات التي تدربوا فيها بعمل جزئي وهو نجاح كبير بالنسبة لنا".

وفي نفس الإطار يقدم أبو عودة نصيحة للشباب الذي يرغب بالحضور إلى تركيا بقوله "أن يكون للإنسان هدف محدد أكثر شيء يساعده على النجاح، وتعلم اللغة قبل الحضور بحد مناسب ثم يطوره عندما يأتي، والتميز في مجال معين".

التحديات كبيرة جدا أمام الشاب وأكبر أمام العائلة، لذا لا ينصح أبو عودة بأن تحضر العائلة بأكملها قبل أن يتمكن فرد فيها على الأقل من تأمين عمل يضمن دفع الإيجار والفواتير.

وتابع: "معظم الشباب حضروا قبل عوائلهم بالفعل بعام أو عامين، الحياة ليست وردية كما في صور الانستجرام وصفحات الفيس بوك، لكنها ليست مستحيلة".

وأنهى حديثه بالقول: "يمكن أن تحصل على عمل جيد بعد عدة أشهر المهم هو الاختلاط الجيد بالمجتمع وتعلم اللغة ومبلغ كاف لعدة أشهر، كي لا تضطر للعودة خائبا أو البحث عن المساعدة عند أحد".

المصدر : إسطنبول- خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo