تقرير زوجات الشهداء.. لماذا يتجرعن مرارة الفقد مرتين؟

تجمع لزوجات الشهداء
تجمع لزوجات الشهداء

"الفقد هو الشعور الأول الذي تملكني، وقد استمر لسنوات بعد ذلك، خاصة عندما أتعرض لمشكلة ما، وليس الحزن كما يظن الناس"، هكذا وصفت هدى زوجة أحد شهداء عدوان 2014 مشاعرها لفقد زوجها، الذي استشهد في قصف استهدف منزلهم.

وتضيف "في كل مناسبة تأتي أشتاق له، ولكن في كل مشكلة تظهر لي أفتقد وجوده، لأنه لم يكن يجعلني أحتاج لشيء، كنت أظن أن الدنيا بلا مشاكل في وجوده".

ربما لم تكن الحياة وردية بالكامل لهدى، فوضعهم المادي لم يكن جيدا في حياة زوجها الشهيد لكنها تؤكد "ليست المشكلات المالية أصعب ما في الحياة، إن كان الرجل قادرا على احتواء أهل بيته وإن كانت الزوجة متفهمة لوضع زوجها الاقتصادي، لكن أن يكون سندا لها وسترا لها من تدخلات الآخرين والمشكلات الاجتماعية وطوارئ البيت الأخرى فإن هذا هو المهم".

التدخل في حياة زوجات الشهداء

فزوجات الشهداء بشكل خاص يعانين من تدخل "كل من هب ودب" في حياتهن، خاصة إن لم يحظين بوجود رجل قوي يحسب له الناس ألف حساب.

 وأحيانا يكون هذا الرجل هو نفسه من يتسبب في المشاكل لزوجة الشهيد، فيمنع بسطوته تدخل أي أحد للإصلاح، إذ تقول ماجدة والتي استشهد زوجها في ذات العدوان "أبي رجل له كلمته المسموعة بين الناس، وكان يتحكم في وفي أبنائي كثيرا في كل أمور حياتنا".

وتؤكد أنها بقيت كذلك فترة من الزمن حتى تعرفت على إحدى الداعيات، والتي شجعتها على إكمال تعليمها حتى حصلت على الماجستير ثم الدكتوراة.
اقرأ أيضا: المطلقات.. مشي عسير على حافة “نظرة المجتمع”

وتقول: "خلال تلك الفترة اشتريت بيتا مستقلا لي ولأبنائي، ورغم سيطرة والدي لكنه مع الحديث المتكرر معه وعندما شعر بتغير شخصيتي وزادت قوتي في التحمل، سمح لي أخيرا بتسيير حياتي وحياة أبنائي، وهو ما كان تغييرا إيجابيا كبيرا لدينا".

"الحقوق المالية" أبرز المعضلات

"سيطرة الآخرين" هي ما تجدد شعور الفقد لدى زوجات الشهداء وأبنائهم، وتكون "الحقوق المالية لأبناء الشهيد"، أحد أكثر مداخل الآخرين لمحاولة السيطرة على حياتهم.

 ومع سن المجلس التشريعي في العام 2009 قانونا يعطي حق الحضانة لأرملة الشهيد ما لم تتزوج لم تعد هذه مشكلة أساسية في حياتهن، لكن "الأمور المالية" تبقى المشكلة الأكثر سوءا حتى الآن.

هذا ما تؤكده إحدى العاملات في دائرة مالية حكومية، فضلت عدم ذكر اسمها، فتقول "غالبا تأتينا معظم الشكاوى من زوجات الشهداء أن والد الشهيد أو أحد الأعمام إن كان الوالد ميتا قد أخذ مال الشهيد بإجبارها على كتابة توكيل له، أو استلم راتبه ولم يعطها وأبناءها إلا جزءا يسيرا منه، وأحيانا يأخذونه كاملا ولا ينفقون عليها إلا القليل".

وتؤكد أن معظم الحجج تكون أنهم يخافون أن تنفق الأم معظم حقوق الأبناء ولا يكون لهم مستقبل، مضيفة "ربما نرى ذلك في حالات قليلة، لكن معظم الحالات تكون الأم أكثر حرصا على أبنائها ومالهم من أي شخص آخر".

مشكلات متعددة.. تخلق التحدي

هنا اتجهنا للداعية تقوى مصطفى وهي مختصة في التربية الإسلامية وعايشت الكثير من زوجات الشهداء وسألناها عن أبرز المشكلات وكيف تتعامل معها زوجات الشهداء.

وقالت مصطفى: "لدى زوجات الشهداء مشكلات كثيرة منها نفسي واجتماعي، ومادي وتربوي، وتتنوع المشكلات حسب كل حالة، ويختلف تعامل كل سيدة منهن مع مشاكلها عن الأخرى، إذ يرجع ذلك لقوة شخصيتها ومدى تعاون من حولها معها واحتضانهم لها ولأبنائها".

وتضيف "كلما كانت السيدة قادرة على إثبات شخصيتها وقوتها لدى الآخرين وكلما كانوا متفهمين لها يمكنها أن تسيطر على أي مشكلة تتعرض لها فيما بعد، بينما إن أظهرت ضعفا سيبدأ الناس بالتدخل فيها بدءا بالتحكم بالحقوق المالية لها ولأبنائها، وليس انتهاء بتربية أبنائها، والتدخل فيهم وأحيانا إفساد الأبناء عليها".

على الجهة الأخرى، فإن "التحدي يخلق فرص النجاح الكثيرة أمام الإنسان"، هذا ما تؤكده عائشة وهي زوجة شهيد من مدينة رفح، جنوب قطاع غزة.

 وتقول: "من يعرف الظروف الأليمة التي مررت بها بعد استشهاد زوجي، كنت صغيرة جدا في العمر وحامل في ابنتي الأخيرة، ولم يكن لدي بيت ولم أكمل تعليمي".

لكن هذه الظروف الأليمة خلقت لديها تحديا لصناعة الفرص، مما جعلها تستثمر في تعليم أبنائها الذين "أكملوا مراحلهم التعليمية بنجاح، وأصبحوا من حملة الشهادات العليا في تخصصات مرموقة جدا".

وتضيف "المرأة التي ليس لها رجل مهما كان سبب فقده وتضطر على مواجهة المجتمع دون أن يكون لها سند من الأهل لأي سبب تكون محل نظر الآخرين لها إما بالإيجاب والتشجيع أو بالسلب والطمع فيها أحيانا، لكنها يجب أن تكون قوية جدا أمام الجميع، حتى لو كان ذلك على حساب نفسها".

الزواج من أقارب الشهيد

مشكلة أخرى صعبة تتعرض لها زوجات الشهداء خاصة صغيرات السن منهن وهي الخوف من فقد الأبناء إن تزوجت أو الإجبار على الزواج من أخ الزوج في أحيان كثيرة خاصة إن لم يكن ذلك الأخ بمواصفات الزوج الشهيد وغالبا ما لا يكون، حسب قول كثيرات.

وتصف نور ذلك بقولها "كنت في العشرين من العمر عند استشهاد زوجي في بعض أعمال المقاومة، ولدي ابن واحد في عامه الأول، مما اضطرني لقبول الزواج بشقيق زوجي تحت ضغط من أهلي وأهل زوجي، لأنهم لم يقبلوا أن أبقى بلا زواج في ذلك العمر، كما أني خشيت من فقد حضانة ابني إن تزوجت من رجل غريب عنه".

اقرأ أيضا: زواج الفتاة دون 18 عاما.. عادة مجتمعية تتجاوز القانون

رغم أن حالة نور هي الشائعة وغالبا ما تتعرض المرأة حينها لفترات معيشية صعبة، لكن بعض الحالات نجحت في الزواج حسب رغبة الفتاة والاحتفاظ بالأبناء في نفس الوقت، كما تقول الداعية تقوى مصطفى.

وأكملت: "عندما يكون الأهل على قدر من الوعي يمكن أن يتم التفاهم على الزواج ورعاية الأبناء معا، وهناك كثير من الشباب الذين يرغبون برعاية أبناء الشهداء وكفالتهم، وهذا ما يجب أن يشجعه المجتمع حفاظا على نفسية الأبناء والأم معا، وهو ما كان سائدا في عهد النبي عليه السلام والصحابة، وما يجب علينا مراعاته في حياتنا كذلك مع كثرة النساء اللواتي فقدن أزواجهن بالاستشهاد بسبب اعتداءات الاحتلال".

رعاية منقوصة

جمعيات الشهداء ليست بعيدة عن متابعة الوضع، ومعظمها ينظم عمل الكفالات المالية لأبناء الشهداء وبعضها يعمل في المجال التربوي والاجتماعي.

 من بين هذه الجمعيات في قطاع غزة جمعية الشموع المضيئة، والتي أكدت رئيس مجلس إدارتها السيدة رشا العدلوني أن تلك المشاكل وغيرها ما زالت نفسها التي تعاني منها زوجات وأسر الشهداء منذ سنوات حتى اليوم.

وخصت بالذكر "التدخلات الخارجية في حياة السيدة والأبناء بعد استشهاد الزوج".

وتضيف "معظم المؤسسات تعنى بالأبناء وتهمش احتياجات النساء في تلك الفترة، وأكثر ما يحتجنه الاستقلال المادي والبحث عن عمل يكفل لها قوة في مواجهة تدخل الآخرين في حياتها خاصة، وأن كثيرا منهن حصلن على شهادات جامعية مرموقة تؤهلهن فعلا لمراكز جيدة في المجتمع".

أما عن آليات الدعم لأسر وزوجات الشهداء كما تقول العدلوني فغالبا تتم من خلال تقديم الإرشاد النفسي والاجتماعي ومشاركتهن في المناسبات المختلفة ومحاولة تقديم التوعية القانونية لهن عند الحاجة.

ويبقى ملف زوجات الشهداء أحد التحديات القائمة لدى مجتمع يرزح تحت الاحتلال، ما يستدعي تنظيم رعايتهن وحمايتهن على كافة المستويات القانونية والحكومية والمدنية، ومتابعة حياتهن وحل مشكلاتهن وحفظ حقوقهن، وفاء لمن ضحوا بدمائهم من أجل تحرير الوطن.

المصدر : خاص زوايا- دعاء عمار

مواضيع ذات صلة

atyaf logo