تحليل عجز الموازنة الفلسطينية يفوق المليار دولار.. ما الجديد؟

د. محمد اشتية
د. محمد اشتية

مليار و200 مليون دولار، حجم عجز الموازنة العامة الفلسطينية للعام الجاري، بناء على توقعات حكومية للإيرادات والنفقات المُرجّحة للأشهر القادمة، كما ذكر أمين عام مجلس الوزراء أمجد غانم، الثلاثاء.

وأوضح غانم أن موازنة العام الجاري سيتم إقرارها من حيث طبيعتها كموازنة عادية، وليست موازنة طارئة كما حصل في العام الماضي بفعل أزمة "فيروس كورونا".

رقم عجز الموازنة "منطقي"

المختص بالشأن الاقتصادي محمد خبيصة قال لموقع "زوايا" إن رقم العجز المذكور الذي أعلنته الحكومة "منطقي" بالنظر إلى المشهد السياسي القاتم وتراجع المنح الدولية بشكل ملحوظ.

وبلغت قيمة المنح الدولية العام الماضي 370 مليون دولار، مقارنة مع مليار دولار عام 2015.

وشهدت قيمة الدعم الدولي تراجعا خلال السنوات الاخيرة، لكنه كان الأقل خلال العام المنصرم، كما قال خبيصة.

وإضافة لتراجع الدعم، ارتفعت النفقات الحكومية الموجهة للقطاع الصحي نتيجة جائحة كورونا، علاوة على انخفاض الإيرادات المحلية من قبيل الطوابع والرسوم المختلفة التي يتم فرضها على المواطنين.

لكن خبيصة قدّر أن العجز سيكون أكبر حال إجراء الانتخابات التشريعية في أيار/مايو القادم، وفي حال تحققت المصالحة وعادت الحكومة للعمل في قطاع غزة.

ويحتاج قطاع غزة إلى نفقات تشغيلية وتطويرية كبيرة، خاصة مع الحصار الخانق، وتعرضه لثلاثة حروب إسرائيلية منذ 2008 وحتى اليوم.

 كيف تسدد الحكومة عجز الموازنة؟

وتنبّأ محمد خبيصة أن الوضع المالي سيكون هذا العام أكثر صعوبة وتعقيداً على الحكومة الفلسطينية، بالرغم من التوقعات بارتفاع الدعم العربي، وعودة الدعم الأمريكي للسلطة.

ويمر الاقتصاد العالمي بأزمة جراء الأضرار المصاحبة لجائحة كورونا، وإعادة تركيز النفقات الدولية على أولويات محددة.

وخلقت جائحة كورونا أزمات اقتصادية واجتماعية في الأراضي الفلسطينية، "لن يكون من السهولة بمكان أن تُرمّم بسرعة في ظل التعقيدات المُركّبة وعدم وجود أفق لنهاية الجائحة"، كما جاء في حديث خبيصة.

اقرأ أيضا: انتخبوا الاقتصاد الفلسطيني

ووفق خبيصة، ستحاول الحكومة الفلسطينية سد عجز موازنتها جزئياً من خلال الاقتراض المباشر من السوق المحلي والبنوك، أو عبر طلب قروض خارجية سواء بشكل منفرد أو عبر الجامعة العربية.

ونبه إلى أن السلطة الفلسطينية تقدمت بطلب قرض بقمية 100 مليون دولار شهريا من جامعة الدول العربية في حزيران/يونيو الماضي، لكنه بقي دون رد.

وأبدى خبيصة مخاوفه من لجوء الحكومة إلى تعديل عمودي للضرائب المفروضة على المواطنين بغية تخفيف حجم العجز، مثل ضريبة الدخل والأملاك والقيمة المضافة.

وقال: "المواطن لن يحتمل أي تسمين الضرائب على كاهله في ظل التذبذب الاقتصادي الحاصل جراء الإغلاقات التي تفرضها الحكومة، لمنع تفشي فيروس كورونا".

 وقدر خبيصة أنه في كل يوم إغلاق تكون هناك خسارة بقيمة 38 مليون دولار من الناتج المحلي.

تأثير كورونا والانتخابات  

وقد يبقي الاقتصاد الفلسطيني بمواجهة معضلة حقيقية، في حال صحة ما سربه الإعلام العبري عن مصادر أوروبية اشترطت إجراء الانتخابات التشريعية لاستمرار الدعم الأوروبي للسلطة، رغم أن الأخيرة نفت هذه الأنباء.

كما أن الوضع الوبائي المتفاقم في الأراضي الفلسطينية يشكل أحد التحديات أمام إجراء الانتخابات الفلسطينية.

ما الجديد بالموازنة؟

من جانبه، رأى الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم أن موازنة الحكومة الفلسطينية تفقد جزءاً مهماً من دورها طالما لم تُنجز إلا بعد مرور ثلاثة أشهر من بداية العام، حتى تقر في آخر يوم من الاستحقاق القانوني لها (نهاية آذار).

وبحسب عبد الكريم، فإن الموازنة يجب إخضاعها لمناقشة جدّية في أروقة مجلس الوزراء أو مشاركة المجتمع المدني ورجال الاقتصاد والأكاديميا في بحثها وتقييمها، بغض النظر عن توصيفها سواء "موازنة بنود، او برامج، وحتى طوارئ".

وتساءل عبد الكريم: "ما الجديد بالموازنة؟"، قبل أن يجيب "لم يتغير شيء منذ عام 1995 سوى حجم الموازنة، وما قاله أمين عام مجلس الوزراء لا يحمل جديدا، ولا أقبل أي تصريح اقتصادي مالي من أي مسؤول خالي المضمون".

وأوضح نصر عبد الكريم في حديثه لموقع "زوايا" أن الموازنة الفلسطينية العامة لم تتغير بهيكل نفقاتها ولا هيكل إيراداتها، وأنه في كل عام كان العجز يتراوح بين مليار و200 مليون دولار، فما بالك بالموازنة التطويرية؟".

وبهذا المعنى، يعتقد الخبير الاقتصادي أن الموازنة الجارية لا تحمل أي "مضمون سياساتي، فالمواطن ينتظر التغيير في هيكلية الموازنة بما ينصفه ويلبي الأضرار التي طاولته جراء جائحة كورونا".

وبين عبد الكريم أن أكثر من 60 إلى 65 بالمئة من الموازنة يذهب لصالح دفع الرواتب، وأن 15 بالمئة منها للنفقات التشغيلية، فضلاً عن نفقات تحويلية.

والسؤال المركزي، "ماذا تبقى للتطوير بينما تريد الموازنة أن تحافظ على الهياكل القائمة تقليدياً؟"، وفق ما تحدث به عبد الكريم.

وتابع عبد الكريم: "ما دمنا نواجه أزمة وباء كورونا وتداعياته، يُفترض تخصيص بند طوارئ لصالح الصحة والتعليم ومساعدة الفقراء والتشغيل الطارئ، ومساعدة المشاريع الصغيرة والمتوسطة لحمايتها من الانهيار".

وأضاف "القطاعات الخدماتية والسياحية أيضا بحاجة لسيولة (..) إذا تحقق كل ذلك، عندها يُمكن الشعور أن هناك تغييرا بالأولويات".

هيكل الإيرادات

و بشأن هيكل الإيرادات الحكومية، يؤكد عبد الكريم أنه لم يتغير بتاتا، بل إن إيرادات موازنة الحكومة الفلسطينية العام الماضي 2020 قد فاقت إيرادات العام الذي سبقه 2019، وهو ما دعا إلى التساؤل حول مصدر الزيادة؟

ويجيب عبد الكريم: "كان هناك تذمر حكومي من عجز في الإيرادات المحلية وأنها تسعى لتغطيته، ثم اكتشفنا زيادة فيها".

ويوضح أن مصدر الزيادة هو أموال المقاصة التي تحصل عليها السلطة الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى ضريبة المحروقات "البلو".

اقرأ أيضا: عودة المساعدة الأمريكية للسلطة.. هل تنتظر اتصال بايدن-عباس؟

وارتبطت الزيادة بحجم الاستهلاك الذي رافق جلوس الناس بالبيت بسبب الإغلاقات لمنع تفشي كورونا، وأيضاً سارع التجار إلى استيراد كميات أكثر تحسباً للطوارئ ما يعني ضرائب أكثر على الصادرات.

ضريبة الدخل

وترفد ضريبة الدخل، موازنة السلطة الفلسطينية بما نسبته 15 إلى 20 بالمئة، لكن عبد الكريم يتساءل: "هل هذا معقول في بلد فيه آلاف الاثرياء؟".

وشدد على ضرورة أن يكون هناك تناسب بين الاستهلاك والثروة، كي يُترجم الأمر إلى رقم يُمثل ضريبة الدخل، مبيناً أنه ليس معقولاً الاعتماد على عدد محدد ملتزم بفتح ملف ضريبة دخل ويدفع عليه، ثم تتهرب شركات كبيرة دون أن نلمس تغيراً في سقف ما تجنيه السلطة من هذه الضريبة.

وتابع: "هذا يدلل على عدم وجود أي شيء جديد في تصريح أمين عام مجلس الوزراء بشأن الموازنة".

وأردف: "توقعنا من الحكومة الحالية الكثير. ورغم أن أسباباً عامة لم تساعدها، إلا أنها لم تستثمر الهامش المتاح لها لتقديم سياسة مالية مغايرة (..) وبالعكس شهدنا إضرابات في قطاعات حيوية وترقيات ونزاعات واستزلامات، ما أثر على الخدمات التي يتلقاها المواطن لا سيما الصحة".

وأضاف: "معقول بعد عام كامل من كورونا لم نفكر بعملية ضبط العمل بالقطاعات الحيوية والصحية إداريا ومؤسسياً؟، هل من المعقول أن نُبقي على شخص في منصبه بوظيفة عامة لسنوات دون تدوير وتصويب؟!"

وقال: "تمنينا على الدكتور محمد اشتية أن يبدأ عملية تدوير تنجم عن عملية تقييم إداري للأداء. أظن أن حكومته لم تنجح حتى في توزيع الموارد المالية".

ويخلص عبد الكريم إلى القول إن الفشل الحكومي هو فشل إداري مؤسسي، وهذا جلبه ضعف الاشخاص المُمثَّلين بها.

وأشار إلى أنه تمنّى ألا تكون انتخابات حتى نرى تغييرا جوهريا بالحكومة.

وشدد على ضرورة أن يكون هناك تعبير "استقالة" في القاموس المؤسسي الرسمي الفلسطيني حينما يحصل التقصير والفشل، أي لا يتم الانتظار حتى "الإقالة".

آلية إقرار الموازنة قانونية؟

ويقول الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم إنه حسب قانون تنظيم الموازنة العامة لسنة 1998، ففي حال عدم إقرار الموازنة وفق الإجراءات القانونية حتى نهاية كانون أول/ديسمبر (أي قبل العام الجديد الذي رصدت له الموازنة)، تستطيع الحكومة أن تنفق شهرياً بتقدير معين، مقارنة بنفس الفترة من السنة الفائتة في سياق "تعليمات"، إلى حين إقرار الموازنة.

وأكد عبد الكريم أنه منذ عام 2008 وحتى اليوم لم يشهد أي مصادقة على الموازنة العامة في موعدها المبكر.

 ومع تعُطّل المجلس التشريعي بسبب الانقسام، وهو الجسم القانوني الذي يجب أن تعرض عليه الموازنة بكل مراحلها وصولا للمصادقة عليها، كان لا بد على السلطة الفلسطينية أن تتبع آلية من شأنها إضفاء الشرعية على موازناتها.

 وهذه الشرعية، بحسب عبد الكريم، تتضمن مشاركة المجتمع المدني والمختصين والأكاديميين ذوي العلاقة في عملية تقييم ونقاش بنود الموازنة، أي قبل إحالتها من وزير المالية أو من ينوب عنه إلى رئيس السلطة الفلسطينية.

كما وقدم عبد الكريم "عتباً شديداً" على مكتب الرئيس الذي دأب على توقيع الموازنات دون إطلاع الناس عليها.

 فالرئيس ملزمٌ، حسب عبد الكريم، بالقيام بدور رقابي ونقاشي لمضامين الموازنة ما دام قد تولى عملية التشريع والرقابة نيابة عن المجلس التشريعي الذي تعطل وغاب بسبب الانقسام.

وأضاف "كان يجب إحالة الموازنة إلى المستشار القانوني للرئيس محمود عباس، ثم بدوره يعيدها للحكومة كي تناقشها مع الفئات المختلفة من المجتمع المدني والاقتصاديين وغيرهم، حتى تحظى بالتعديلات اللازمة قبل إقرارها نهائياً".

وهذه الخطوات لم تحصل، وفقا للخبير الاقتصادي الذي وصف عملية إقرار موازنات الحكومة منذ عام 2008 وحتى الآن بأنه "يسودها القصور القانوني والفردانية".

المصدر : زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo