اليرموك ينتظر أهله..

مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق
مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق

يخاف فراس "أبو أحمد"، النازح من مخيم اليرموك إلى حي الزاهرة بالعاصمة السورية دمشق، من قدوم نهاية الشهر، التي يعتاد الموظفون فيها مفاجأة أطفالهم بشراء ما يشتهونه من حاجيات.

بالنسبة لأبي أحمد، لا فرق بين أول الشهر ونهايته.حيث يعود يوم استلام الراتب إلى بيته خالي اليدين، بعد دفع الراتب كاملا لصاحب المنزل الذي يستأجره.

اضطر أبو أحمد وعائلته المؤلفة من ثلاثة أطفال إلى استئجار منزل في دمشق، وذلك بعد نزوحهم من مخيم اليرموك، بسبب الحرب التي أنهكت المخيم والأرض السورية جمعاء.

اليرموك
مخيم اليرموك بعد التدمير

معاناة يومية

يعمل أبو أحمد أستاذا في أحد مدارس الريف الدمشقي، براتب أربعين ألف ليرة سورية، بينما إيجار منزله يبلغ تسعين ألفا.

لذلك اضطر للعمل في أحد محال الحلويات بعد دوامه المدرسي لتأمين قوت العائلة الشحيح.

غادر فراس مخيم اليرموك في عام 2012 تحت زخات الرصاص وأصوات الانفجارات المرعبة.

كان فراس عندها عريسا لم يتجاوز دخوله عش الزواج أكثر من عام ونيف. وكانت زوجته حاملاً بابنه أحمد.

اقرأ في زوايا: جديد الاحتلال في 2021…سنهدم منزلك خلال 100ساعة

عاش الابن الأكبر أحمد على تخوم اليرموك في منطقة الزاهرة منذ ذلك اليوم، ثم أنجب فراس طفلا آخر وسماه ياسين على اسم أخيه الذي فقده في دوامة الحرب.

كان أبو أحمد يحمل طفليه إلى سطح البناء الذي يسكنه، يشير إلى مخيم اليرموك ويشرح لهم معالمه الجميلة وأسماءها ليدخل بعدها إلى شريط الذكريات.

حفظ الطفلان موقع منزلهم نظريا وذهبا بعيدا بخيالهما عن حياة المخيم.

مع سقوط آخر رصاصة على اليرموك عام 2018، دخلت الفرحة إلى قلوب أهل المخيم الذين غادروه إلى شتى أصقاع الارض.

كانت الفرحة أكثر لدى من بقوا في سوريا، أملا منهم بعودة قريبة، والتخلص من أثقال إيجارات المنازل.

وصف صحافيون أن معركة اليرموك كانت الأشرس في دمشق وريفها ومن بين الأكثر ضراوة على الأراضي السورية، إذ لم تهدأ المدافع والطيارات وغيرها من الأسلحة.

انتظر السكان طويلا للدخول كي يعاينوا منازلهم وممتلكاتهم، ولم يكن انتظارهم مبررا بعد أن وضعت الحرب أوزارها.
أصدرت السلطات السورية قرارا يلزم من يود زيارة منزله بأن يحصل على تصريح أمني منها.

آمال وذكريات

بعد عام تقريبا على انتهاء أحداث اليرموك، جاء الدور على أبو أحمد وتمكن من الحصول على إذن لزيارة بيته، مقدما كل الأوراق المطلوبة للجهات الأمنية، لكي يثبت أنه ابن المخيم وله ممتلكات فيه.


[caption id="attachment_3116" align="aligncenter" width="622"]

اليرموك بعد التدمير

كان أطفال أبو احمد فرحين للغاية بأنهم أخيرا سوف يتمكنوا من مطابقة الواقع مع خيالهم الذي رسموه من حكايات والدهم.

ركب أبو أحمد دراجته الهوائية ووضع ولديه معه، وما إن وطئوا أرض المخيم حتى تخلى أبو احمد عن دراجته ووضعها في مكان قريب.

وذلك بعدما تعذرت العجلات عن الدوران فوق الأرض الممتلئة بركام المنازل ووجع الذكريات.

كانت عيون الاطفال مفتوحة على آخرها.. أين شارع فلسطين الواسع؟ وأين زينة شارع صفد؟ وأين شاورما بهلول وحلويات نفيسة؟ لم يكن أحد منهم هناك بعد أن طغت رائحة الدماء على كل جميل.

كان أبو أحمد يتوقع أن يجد ركاما وآثارا هائلة للحرب، لكنه لم يصل في خياله إلى هذا الحد.
تاه أبو أحمد عن منزله وبقي طويلا يبحث عن علامات تقوده إليه وسط الدمار العظيم.
استطاع أبو أحمد أن يحبس دموعه عن أطفاله وهو على أطلال منزله، لكن لم يستطع كل من دخل للزيارة أن يخفي دموعه ألما على ما حل باليرموك العزيز.

حقوق ضائعة

أصدرت محافظة دمشق في حزيران من العام الفائت، مخططا تنظيميا لشكل المخيم بعد العودة إليه.

اليرموك قبل التدمير
اليرموك قبل التدمير


ويتيح المخطط عودة مساحة 40% فقط من مساحة المخيم الأصلية، على أن تتحول بقية الأراضي إلى أبراج سكنية وحدائق ومشاريع لرجال أعمال.

اعترض الكثير من أبناء المخيم على هذا المخطط المجحف.

وتم تقديم أكثر من عشر آلاف شكوى ضده، إلى أن أعلن محافظ دمشق عادل العلبي تعليق العمل بالمخطط وليس إلغاءه كليا.

وفي تشرين الأول من العام المنصرم أيضا، وبعد مرور أكثر من عامين على انتهاء معارك اليرموك، أصدرت أخيرا محافظة دمشق قرارا يسمح بالعودة إلى المخيم، بشرط تقديم طلب ومجموعة من الأوراق الثبوتية للحصول على الموافقة اللازمة.

160 ألفا من اللاجئين الفلسطينيين كانوا يسكنون المخيم قبل الحرب، بينما لم يتجاوز العائدون منهم اليوم أكثر من 200 عائلة.

وكانت الأونروا قد قالت في ندائها العاجل لمساعدة فلسطينيي سوريا بأن 91% منهم يعيشون تحت خط الفقر بدخل لا يتجاوز الدولارين للفرد الواحد لليوم.

مخاوف مستمرة

يعيش من نجح في العودة إلى "اليرموك" أوضاعا اقتصادية صعبة للغاية، حيث لا حياة في المخيم ولا مرافق عامة أو محال تجارية، فمن يود شراء شيء عليه أن يذهب للخارج.

أجبر هؤلاء على العودة للمخيم من أجل التخلص من حمل إيجارات المنازل المرتفعة.

عدا عن ذلك، فإن ترميم المنازل المدمرة جزئياً يحتاج إلى تصريح من الجهات الأمنية وموافقة على إدخال مواد البناء.

ويعاني السكان كثيرا في هذا السياق بسبب صعوبة الحصول على الأذونات.

اقرأ أيضاً: قيادي جزائري “لزوايا”: تصالح حركتي فتح وحماس ضروري لدحر الاحتلال

واعتبر المحامي المُشتغل في ملف مخيم اليرموك نور الدين سلمان، أنّ هناك جهات لا تنفذ قرار المحافظ الذي صدر في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، والقاضي بمنح أصحاب الشقق والأبنية والمحلات المرخصة والمُخالفة، حق الترميم.

كما يشهد المخيم أيضا نشاطاً للصوص حيث وصل الحال بهم إلى هدم بعض المنازل لسحب الحديد منها وتمديدات الكهرباء، هذا طبعا بعد الانتهاء من تفريغ الأثاث إذا بقي منه شيء.
بينما يقتصر دور الفصائل والأونروا على تشكيل لجان للمتابعة والتواصل مع الدولة دون دعم حقيقي يذكر.
 

اليرموك قبل التدمير

ها نحن في العام الثالث من انتهاء العمليات العسكرية في اليرموك، ولم يعد سكانه بعد.

كذلك، لم يحصل أي جديد في أعمال إعادة تأهيل المخيم، بالرغم من عودة القرى والمدن المحيطة بالمخيم.

وما يزال أبو أحمد لا يفرح بنهاية الشهر، وما يزال أطفاله يعملون على محو ما رأوه بالمخيم، عائدين به إلى الخيال الجميل.

المصدر : زوايا - خاص - دمشق

مواضيع ذات صلة

atyaf logo