غازي حمد يكتب لـ"زوايا": التطبيع والثمار المرة!!

(1) أسباب السقوط:


بالرغم من أن "إسرائيل" نجحت في اختراق الحصون العربية ووصلت إلى عقر العواصم العربية، وبالغت في إبداء فرحتها بتطبيع علاقاتها مع الأنظمة، إلا أن ذلك يبدو كرغوة الصابون التي سرعان ما تفقد بريقها.


لعل ذلك يعود إلى أن الأسباب والظروف التي فرضتها عملية التطبيع –خاصة الاخيرة منها- كانت استثنائية. وبسبب ضغوطات قاهرة مارستها الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب على بعض الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع "إسرائيل" مقابل منحها بعض الوعود السياسية او الاقتصادية.


وواضح أن بعض هذه الدول لم يكن له أي شكل من أشكال المصلحة أو المواجهة المباشرة مع "إسرائيل" مثل السودان والبحرين والإمارات والمغرب.


لكن الإدارة الأمريكية استغلت نقاط ضعف لدى هذه الأنظمة وسوقت لها أنه باستطاعتها حل مشاكلها السياسية والاقتصادية بشرط تطبيع علاقاتها مع "إسرائيل". وهذا ما يدل على أنه رشوة وابتزاز سياسي دون إعطاء ضمانات حقيقية.


لقد بات واضحا أن مركزية الصراع العربي الإسرائيلي لدى الانظمة العربية قد تآكلت، بسبب الكثير من الصراعات التي داهمت المنطقة العربية خاصة في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وخلقت معادلات مختلفة عما كانت عليه في السابق، وغيرت الكثير من الأولويات لدى الأنظمة التي باتت تبحث عن مصالحها الخاصة وبقائها في الحكم بعيدا عن أي قضايا مرتبطة بالأمة العربية.


اقرأ أيضاً: قيادي جزائري “لزوايا”: تصالح حركتي فتح وحماس ضروري لدحر الاحتلال

حتى أن عملية السلام العربي الإسرائيلي ما عادت تشكل أولوية للأنظمة العربية، إلا بالقدر الذي تعتقد هذه الدول أنها ضرورات لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة لتجنب الحروب العسكرية.



(2) شماعة إيران


لقد نجحت "إسرائيل" في الترويج ان منطقة الشرق الاوسط, خاصة دول الخليج منها, مهددة بالقوة النووية والنفوذ الايراني.


وبالتالي ركزت في هجومها السياسي والإعلامي في مختلف المحافل الدولية أن إيران تمثل الخطر الأوحد في المنطقة، وأنه يجب خلق تحالف ضدها لردعها.


وقد آتى هذا الهجوم الطويل والمبرمج أكله في تغير مواقف عدد من الدول الخليجية وتركيزها على التهديد الإيراني، وصدرت بعض التصريحات من قادة هذه الدول أنها مستعدة للذهاب بعيدا من أجل درء الخطر الايراني.


وهو ما استغلته "إسرائيل" بشكل سريع وعرضت مساعدتها بشكل مباشر وغير مباشر للوقوف ضد إيران، وتقديم المساعدة السياسية والعسكرية والتكنولوجية.


وبرهنت على أنها قادرة على (ردع) ايران من خلال توجيه الضربات إلى مراكز القوة الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان وفي إيران نفسها، حيث نجحت في سرقة الملف الإيراني وكشف بعض النشاطات المتعلقة بتخصيب اليورانيوم في إيران.


وهذا ما أقنع بعض الدول الخليج أن "إسرائيل" ربما تكون القوة الوحيدة القادرة على لجم التهديد الإيراني وخلق معادلة جديدة في المنطقة.


دولة مثل السودان، التي كانت تجاهر بقوة بوقوفها الى جانب القضية الفلسطينية ورفض الاعتراف بـ"إسرائيل"، أغرتها الإدارة الامريكية برفع اسمها من قائمة العقوبات وقائمة الإرهاب إذا اعترفت بـ"إسرائيل"، والغريب أن استجابة السودان كانت سريعة وغير متوقعة.


وهرول رئيس المجلس الانتقالي الى لقاء نتنياهو في أوغندا، سعياً إلى التسريع في إعطاء رسائل للإدارة الأمريكية بتوجهات السودان الجديدة.


إن السودان لن تستطيع التخلص من أزمتها الاقتصادية الخانقة ومن حالة الفقر التي تعصف بها إذا اعتمدت على وعود الإدارة الامريكية في ظل افتقادها لخطط اقتصادية ذات جدوى، ما ستقدمه أمريكا و"إسرائيل" لا يعدو كونه استجلاب شركات للاستثمار والاستفادة من موارد السودان الضخمة، ولن يكون بمقدور السودان تحصيل الا الفتات من المنافع.


أما المغرب التي سبق أن كان لها اتصالات غير مباشرة مع "إسرائيل" فقد وافقت على التطبيع معها في مقابل رشوة سياسية مفادها اعتراف الولايات المتحدة بسيادتها على الصحراء المغربية، رغم أن هذه القضية بالغة التعقيد، واستهلكت عقودا من الزمن بدون إيجاد مخرج لها.


ومن المؤكد أن قضية الصحراء الغربية لن تجد طريقها إلى الحل بمجرد اعتراف واشنطن بسيادة المغرب عليها، حيث أن هناك أطرافا عديدة ذات علاقة مباشرة وغير مباشرة بقضية الصحراء الغربية لن تجعل من مهمة سيادة المغرب عيلها سهلة.


هكذا بدا جليا أن بعض الدول العربية باعت مبادئها العروبية مقابل فتات أمريكي لم يكن إلا سرابا.



(3) "إسرائيل" والبحث عن تحالفات عربية


منذ إنشائها عام 1948 اعتبرت الدول العربية "إسرائيل" دولةً عدوة ومهددة لأمنها وخطرا على المنطقة بأسرها، والتزمت برفض الاعتراف بها أو الصلح معها، قبل التوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية.


غير أن كل هذه الحصون سقطت يوم أن وقعت مصر معاهدتي السلام مع "إسرائيل" عام 1979، من دون اشتراط السلام بحل القضية الفلسطينية.


اقرأ في زوايا: جديد الاحتلال في 2021…سنهدم منزلك خلال 100ساعة

ثم وقّعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو مع "إسرائيل" عام 1993، ولحق بها الأردن عام 1994 ووقع اتفاق سلام مماثل.


وبالرغم من ذلك، فقد أصرت بقية الدول العربية على موقفها الرافض بقبول "إسرائيل" كدولة في المنطقة، وتعزز هذا الرفض من خلال الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية ورد الفلسطينيين بثورات وانتفاضات متوالية.


كما ثبت أن السلام، الأردني والمصري، مع "إسرائيل"، وحتى اتفاق أوسلو؛ لم يضعا حدا لتصرفات "إسرائيل" العدوانية، ولم يغير من صورة "إسرائيل" السلبية في العقول العربية .


لقد سعت "إسرائيل" دوما إلى تفكيك المنظومة العربية من خلق حروب وصراعات داخلية، غير أنها غيرت من تكتيكها في السنوات الاخيرة إلى محاولات فتح علاقات سرية وعلنية مع عدد من هذه الأنظمة، وذلك من خلال تقديم نفسها كقوة اقتصادية وتكنولوجية صاعدة في المنطقة، وأنها قادرة على الإسهام في إنعاش اقتصاد منطقة الشرق الأوسط.


كما روجت بنجاح أن لديها منظومة أمنية وعسكرية متطورة قادرة على صد التهديدات التي تواجه الأنظمة العربية .


كما لجأت "إسرائيل" إلى خلق علاقات تجارية سرية بينها وبين عدد من الدول العربية.


فوفقًا لبيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، قُدّر إجمالي الصادرات الإسرائيلية من السلع والخدمات إلى أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو سبعة مليارات دولار سنويًا، من بينها أكثر من مليار دولار لدول الخليج العربية.


وتمثل أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو 7% من إجمالي الصادرات، بالإضافة إلى 6% من إجمالي الواردات الإسرائيلية من السلع والخدمات.


واستغلت "إسرائيل" ما يسمى بالمخاطر التي تهدد الممرات المائية في منطقة الشرق الأوسط للترويج بأنها قادرة على حماية هذه الممرات بالتعاون مع الدول العربية.


حيث صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن "إسرائيل تعتبر نفسها جزء من التحالف الدولي لأمن وسلامة الممرات البحرية"، الذي أنشأته الولايات المتحدة، ويضم كلا من السعودية والإمارات والبحرين وبريطانيا وأستراليا وألبانيا، ويهدف إلى تعزيز أمن وسلامة السفن التجارية التي تمر عبر الممرات المائية.


وهذا جاء متوافقا مع ما صرح به ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان لمجلة التايم الأمريكية، عند سؤاله عن وجود اتصالات بين السعودية و"إسرائيل"، قائلًا: "لدينا عدو مشترك، ويبدو أن لدينا الكثير من المجالات المحتملة للتعاون".


وهذا يدل على أن علاقة "إسرائيل" بهذه الأنظمة تجاوزت مرحلة التطبيع إلى مرحلة التحالف المشترك للتأثير في سياسات المنطقة، خاصة ضد إيران أو أي دول أخرى تسعى إلى الخروج عن النمط العربي التقليدي الذي يتماشى والسياسات الأمريكية في المنطقة.


من المهم لـ"إسرائيل" ورؤيتها الإستراتيجية الدخول في عمق تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي، وذلك لتعزيز وجودها كقوة مهيمنة والمحافظة على أمنها من أي اخطار محتملة، وكذلك تعزيز القدرات الدفاعية لدول الخليج العربية وكذلك الأردن ومصر، والتصدي للتهديدات الإيرانية لهذه الدول وللملاحة الدولية عبر مضيق هرمز ومضيق باب المندب.



(4) أوهام حصد ثمار التطبيع


بسبب أن التطبيع جاء في ظروف استثنائية غير طبيعية وتحت سيف الابتزاز الامريكي ولا يعدو كونه رشوة سياسية، وبسبب أن التطبيع قاصر على الأنظمة الحاكمة وليس مع الشعوب التي ترفض بالعموم قبول "إسرائيل" أو التطبيع معها، فإن الثمار التي تتوقعها الدول المطبعة لن تكون إلا مجرد سراب عابر.


في المقابل، فإن "إسرائيل" ربما تحقق بعض الامتيازات السياسية والاقتصادية، لكن لن يطول ذلك حتى يؤول إلى ما آل اليه التطبيع مع مصر والاردن


إن السرعة التي تمت بها عملية التطبيع في أواخر عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تشير إلى مدى التخبط الذي لازم الأنظمة العربية، وإلى مدى تهور هذه الأنظمة بتصديق وعود الإدارة الأمريكية، وإلى تغليبها المصالح الضيفة على المصالح العامة للأمة، وإلى معارضتها لإرادة الشعوب العربية التي ترفض القبول بـ"إسرائيل" في المنطقة العربية.


دعونا أولاً نفند ذلك الإدعاء السخيف بأن تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال يساهم في ردع "إسرائيل" عن ضم الضفة الغربية، كما نشر على لسان بعض القيادات العربية، وأنه يساهم في تحقيق السلام فى الشرق الأوسط.


واتضح بعد أيام قليلة أن "إسرائيل" أعلنت بشكل قاطع أن التطبيع مع الدول العربية لن يمنعها من الاستمرار في تعزيز الاستيطان وفي اعتبار القدس عاصمتها الأبدية، وذكر أكثر من مسئول إسرائيلي أن (ما جرى هو سلام مقابل سلام).


إن "إسرائيل" لن تتخلى إطلاقا عن اعتبار الدول العربية تهديدا إستراتيجيا، وستظل تمارس نفس السياسة في إضعاف هذه الأنظمة من خلال وسائل متعددة من أهمها الهيمنة الاقتصادية وتحريك النزاعات الداخلية.


إن "إسرائيل" تعيش على عقدة الأمن، وهي لا يمكن أن تتنازل عن دورها الأمني في المنطقة ومن اعتبار نفسها ذراعا قويا للأنظمة الغربية والإدارة الأمريكية، ولن تسمح بالتفوق العسكري لأي دولة عربية تحت أي مبرر من المبررات.


إن بعض الدول العربية التي وثقت علاقاتها مع الإدارة الأمريكية، وحيث حصلت على مساعدات كبيرة لا تزال تعاني من ظواهر الفقر والبطالة وتراجع الاقتصاد، ولم تفلح هذه المساعدات في وقوف هذه الدول على قدميها للخروج من الركود الاقتصادي أو تطوير نظامها السياسي.


إن "إسرائيل" هي أكثر دولة معنية بأن يستمر التخلف الاقتصادي في الدول العربية واستمرار الأنظمة المستبدة والفاسدة في تقلد مناصب الحكم، لأن هذا أدعى أن تظل صاحبة الهيمنة والسيطرة على المنطقة، وأدعى أن تمنع الشعوب العربية من الحصول على حقوقها السياسية وتجسيد حالة القهر والاضطهاد.


إن التطبيع كونه جسما غريبا في الأمة يتعارض مع معتقداتها وثقافتها وتاريخها وعلاقتها بفلسطين، فإنه لن يكتب له النجاح حتى وإن جرى تجميله بكل المسميات والمصطلحات.


بقلم: د. غازي حمد

مواضيع ذات صلة

atyaf logo