في تفكيك مبدأ الحاكمية!!

عبدالله أبو شرخ
عبدالله أبو شرخ

مبدأ الحاكمية في فكر الجماعات الإسلامية يبدو أنه ارتبط إعلاميا إلى حد كبير بسيد قطب الذي قدم أفكاره بوضوح في كتب عديدة أشهرها ( معالم في الطريق)..

لكن الحقيقة أن فكرة الحاكمية سابقة على سيد قطب، فقد قال بها ابن تيمية في حق الدروز والبهائية ولاحقا أبو الأعلى المودودي في شبه القارة الهندية.

في هذا المقال سأحاول تفكيك الفكرة، وشرح أصولها وكيف أخطأ سيد قطب في فهمها !

1- الحاكمية في القرآن الكري

أعتقد القائلون بقرآنية مبدأ الحاكمية بعدة نصوص منها ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون - الظالمون - الفاسقون )، ( إن الحكم إلا لله ).

وهنا تعترض سبيلنا مسألتان ..

الأولى: هي مفارقة لفظ ( الحكم ) في القرآن عن معنى الحكم السياسي المتداول اليوم، فالحكم في اللغة العربية يعني فض الخصومة بين الناس.

ومنها ( المحكمة / صدور حكم ) ويقال ( احكم بينهما بالعدل ) .. أما لفظ الحكم السياسي المتداول الآن فلم يرد في القرآن بلفظ " الحكم " وإنما بلفظ ( الأمر ) ..

( وشاورهم في الأمر / وأمرهم شورى بينهم ) ومنها ( الأمير / صاحب الأمر ).

أما المسألة الثانية: فهي أسباب نزول الآيات الثلاث.. فقد أورد معظم المفسرين بأن الآيات قد نزلت في قوم من اليهود عندما سألوا النبي محمد - ص - عن حكم الزنا.

حيث تصنعوا الجهل فنزلت الآيات بحقهم كونهم يريدون الالتفاف على حكم الزنا الوارد بالتوراة وهم الرجم.

إذن الآيات نزلت في جماعة من اليهود وليس في مجتمع مسلم يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويحج إلى مكة فيما جميع الأحوال الشخصية من زواج وطلاق ونفقة ومواريث كلها تسير حسب الشريعة الإسلامية.

وهذا خطأ وقع فيه سيد قطب عندما أسقط الحكم بما أنزل الله على المجتمعات المسلمة.

2- الحاكمية والتكفير والهجرة عند المودودي

المودودي في شبه القارة الهندية، وهو على الأرجح مصدر أفكار سيد قطب، قال بضرورة هجرة المجتمع الكافر وتربية الذات المسلمة في الجماعة.

وبدورها ستعود عندما يشتد عودها إلى مجاهدة الكفار في المجتمع لإعادته إلى جادة الصواب والحكم بما أنزل الله بدل الأحكام الجاهلية والوثنية.

جدير بالأشارة إلى أن المودودي كان يقصد بالمجتمع الكافر عبدة البقر وعبدة النار وعبدة الفئران.

وهنا خطأ ثان لسيد قطب عندما نسخ مفهوم التكفير من بيئة تختلف تماما عن بيئة المجتمعات المسلمة !

3- أما الخطأ الثالث

في فكرة الحاكمية ذاتها وفكرة تكفير من يحتكمون لغير القرآن، فهو اعتبار القرآن الكريم اجزاء متناثرة وغير مترابطة ولا منسجمة.

وأختم هذا المقال بحقيقة أن القرآن قد منح أصحاب الديانات الأخرى حق الاحتكام إلى شرائعهم الخاصة.

وذلك في قوله تعالى في الآية 48 من سورة المائدة والتي نصها ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ).

وهو ما يتسق تماما مع قوله تعالى من سورة البقرة - 62: ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ).

الخلاصة:
على الأرجح أن سيد قطب لم يكن مفكرا عميقا ولا عالما بالفقه والتفسير.

وقد وقع في فهم وتصدير آيات الحاكمية في غير سياقها اللغوي وهو فض الخصومات والقضاء بين الناس وليس الحكم السياسي.

كما لم يكن موفقا في استنساخ تكفير المودودي للمجتمع الهندي إلى المجتمع المصري والعربي.

كما أخطأ كلاهما ( المودودي وقطب ومن قبلهم ابن تيمية ) في عدم فهم السياق القرآني كمواضيع متصلة ومنسجمة لتؤدي الغرض الأساسي من نزول القرآن.

وهو الهداية للتي هي أقوم، وليس الضلال والكراهية والتكفير وسفك الدماء !

المصدر : زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo