فلسطينيون يتخذون من الكهوف بيوتا لحماية أراضيهم من إرهاب المستوطنين، فبين تجمعات سكنية قليلة وداخل كهف صخري صغير يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة العصرية يعيش الحاج "ماجد عفيف عارف" 71 عاماً من خربة "طانا" إلى الشرق من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، حياة بدائية برفقة 10 من أفراد أسرته.
واضطر لحياة فرضتها عليهم أطماع سلطات الاحتلال والمستوطنين، الذين يتربصون بهم ليلاً ونهاراً لطردهم من أراضيهم الزراعية.
ونتيجة لذلك، لجأ الحاج "أبو عفيف" وعشرات العائلات الأخرى إلى ترك منازلهم، والعيش داخل كهوف "تجويفات صخرية" بلا كهرباء ولا ماء ولا بنية تحتية.
وذلك بهدف الحفاظ على أراضيهم من الزحف الاستيطاني والتصدي لاعتداءات المستوطنين المتكررة على محاصيلهم الزراعية وثروتهم الحيوانية التي يعتاشون منها.
خط الدفاع الأول ضد الاقتلاع والتهجير
وتشكل الكهوف والتجمعات السكنية الأخرى رغم قلة إمكاناتها ركيزة أساسية في الدفاع عن الأرض الفلسطينية، الأمر الذي يجعلها عرضة لمضايقات الاحتلال ومستوطنيه على حد سواء، كما يقول الحاج "أبو عفيف" لموقع "زوايا".
وأفاد "أبو عفيف" بأنهم يتعرضون وبشكل شبه يومي إلى الهجوم من قبل المستوطنين، تارة بالضرب بالهروات والحجارة وتارة أخرى بإطلاق النار صوبهم.
اقرأ أيضاً في زوايــا: الرحلة إلى المجهول..فتحات الجدار مصائد العمال الفلسطينيين
ويضيف "أبو عفيف" أن اعتداءات المستوطنين تتزايد خلال موسم الحصاد لمحاصيلهم الزراعية.
كما تتعرض مواشيهم للنهب والسرقة، وفي أحيان كثيرة يطلق المستوطنون الخنازير البرية في تلك المناطق لتعيث فيها خراباً.
وبالتوازي مع اعتداءات المستوطنين، يكشف الحاج "أبو عفيف" عن مضايقات تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحقهم تتمثل في هدم وتجريف أبواب الكهوف.
والهدف من ذلك، أن يتركهم الاحتلال عرضةً للحيوانات البرية الوحشية، ومنعهم من بناء غرف من الطوب وخيم قماشية بهدف التوسع، نظراً لصغر حجم هذه الكهوف.
ويُصر الحاج "السبعيني" على مواصلة العيش في كهفه الصغير رغم كل ما يتعرض له من مخاطر، كونه يشكل مع باقي سكان الكهوف خط الدفاع الأول ضد سياسة الاقتلاع والتهجير.
من جهته، أكد "خالد معالي" الباحث في شؤون الاستيطان لـ "زوايا" أن أسبابا عديدة تدفع المواطنين إلى العيش في الكهوف والتلال من أهمهما العوامل الاقتصادية وطبيعة العمل في الثروة الحيوانية والزراعة.
وأشار إلى أن السبب الرئيسي لدفع هؤلاء المواطنين للعيش داخل الكهوف هو تحدي قرارات الاحتلال التي يتم بموجبها مصادرة أراضيهم لصالح التوسع الاستيطاني.
اقرأ أيضاً: “زوايا” تكشف خفايا المصالحة بين عباس ودحلان
وأوضح "معالي" أن تلك العائلات أُجبرت على هذه الحياة البدائية في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة، خوفاً من تهجيرهم وسرقة أراضيهم، بذريعة أن هذه المناطق عسكرية مغلقة لتدريب جيش الاحتلال وتخضع للسيطرة الإسرائيلية.
وتابع "معالي": "المستوطنون يزعمون أن شجرة الزيتون والأرض الفلسطينية لهم وأن الجبال والتلال والكهوف ملكاً لهم، مطالباً بدعم سكان الكهوف لتفنيد هذه الرواية الإسرائيلية الكاذبة.
جرائم "فتية التلال"
وعمد المستوطنون إلى إنشاء مجموعات مسلحة تقوم بإرهاب المواطنين الفلسطينيين، من بينها "فتية التلال"، التي تنسب لهم عمليات إجرامية عديدة، منها مهاجمة المزارعين ورعاة الأغنام وحرق المحاصيل الزراعية وإتلافها.
وكذلك حرق المنازل الفلسطينية، كما حدث مع عائلة سعد دوابشة في قرية دوما قرب نابلس، حينما أقدم مجموعة من المستوطنين في الحادي والثلاثون من شهر يوليو عام 2015 بإشعال منزل العائلة بعد إلقاء زجاجات حارقة داخله.
ما ترتب عليه مقتل الطفل الرضيع "علي" 18 شهراً، وأصيب والداه وأخاه "أحمد" (4 سنوات) بجروح خطيرة، وتوفي الأب والأم لاحقاً، فيما بقى الطفل "أحمد" يعاني من حروق صعبة في كامل جسده، وشاهداً على جريمة قتل أفراد عائلته.
وأجمل تقرير الاستيطان الذي يعده المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان التابع لمنظمة التحرير، حصيلة ما جرى في الأرض الفلسطينية في العام 2020، بأنه كان الأصعب على الفلسطينيين في ظل تصاعد النشاط الاستيطاني وإرهاب المستوطنين.
وأشار التقرير، إلى أن سلطات الاحتلال صعدت نشاطاتها الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس، في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وجاء ذلك حينما صادقت إدارته في السنوات الثلاث الأولى من فترة رئاسته على بناء ما معدله سبعة آلاف وحدة سكنية سنوياً.
ولفت الباحث في شؤون الاستيطان "خالد معالي" لموقع "زوايا" إلى أن الدعم المقدم لتلك العائلات، لا يرقى إلى الحد الأدنى من المستوى المطلوب، ويقتصر فقط على الإعلام.
ونبه إلى أن سكان الكهوف أطلقوا العديد من المناشدات، للوقوف معهم ودعم صمودهم معنوياً ومادياً، وتنظيم زيارات تضامنية لهم.
مناشدات للدعم والإسناد
بدوره، قال "صلاح الخواجا" منسق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان لـ موقع "زوايا" إن الحملة نفذت عدة مشاريع لتحسين الأوضاع المعيشية داخل الكهوف.
ومن هذه المشاريع، عملت اللجنة على ترميم هذه الكهوف، وتوفير الكهرباء وشبكات المياه لها، مع المحافظة على نمطية هذه المناطق، وتطوير الاحتياجات اليومية للسكان فيها.
واعتبر الخواجا أن دعم هذه الكهوف المنتشرة في مدن نابلس والخليل والأغوار، جزء من معركة التحدي والبقاء والصمود أمام المخططات الاستيطانية التوسعية.
إضافة إلى أهميتها في منع تنفيذ خطة الضم الإسرائيلية، التي تهدف لضم المستوطنات لسيادتها.
وأشار "الخواجا" إلى أن العائلات التي تعيش في الكهوف هم من مربي الثروة الحيوانية والمزارعين والتجمعات البدوية.
حيث أن جميعهم يملكون منازل أخرى، غير أنهم اضطروا إلى العيش في هذه الأماكن لحماية أراضيهم، والحفاظ على ثروتهم الحيوانية.
وأكد على أنهم يشكلون جزءًا أصيلاً من التاريخ والحضارة الفلسطينية الكنعانية، وامتداداً لجيل قديم من الأجداد ممن عاشوا في الكهوف.
ورغم أن اللجان الشعبية المنتشرة في الضفة الفلسطينية تقوم بمحاولات عديدة لإسناد ودعم المزارعين وسكان الكهوف، إلا أنها وبحسب "الخواجا" بحاجة إلى دعم رسمي وشعبي لتطوير أدواتها.
وترك الأساليب التقليدية التي باتت غير مجدية في صد اعتداءات المستوطنين وسلطات الاحتلال، خاصة في المناطق المصنفة "ج" وفق اتفاق "أوسلو" الموقع بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي عام 1993.
وخلال السنوات الماضية، أصبح الاتحاد الأوروبي الداعم الأساسي لسكان الكهوف في "مسافر يطا" جنوب مدينة الخليل مقدماً لهم مساكن مؤقتة، وشبكات مياه.
إضافة إلى تقديمه لوائح شمسية خدمت 3500 نسمة، وذلك في الوقت الذي عزم فيه الاحتلال على منع التمويل الأوروبي للفلسطينيين في المناطق المصنفة "ج".