ماذا نريد من الانتخابات القادمة؟

حتى اللحظة استمعت إلى كثيرين كانوا يفكرون في تشكيل قوائم انتخابية مستقلة، لديهم بالطبع كل الحق في خوض غمار هذه المعركة، وليس لأحد أن ينكر على أحد حقه في أن يشارك بالشكل الذي يراه مناسباً، ترشيحاً، أو انتخاباً، هذه المسألة محسومة بالنسبة لي.


كل الذين حاورتهم وجهت لهم السؤال التالي:


هل تظنون أن بإمكانكم خلال الأشهر القليلة المتبقية أن تشكلوا جبهة قادرة على كسب ثقة الناس، وقادرة على التأثير الحقيقي في معطيات الواقع السياسي، وقادرة على تحمل مسئولية قضية معقدة بحجم القضية الفلسطينية؟


يمكنني الزعم أنني تلقيت جواباً واحداً من معظمهم على الأقل، وهو: لا، لن نستطيع..!


عن نفسي أتمنى لو تضطر الجهات المتنفذة إلى تحالفات مع آخرين لتشكيل أي حكومة مقبلة، فأنا أعرف كما يعرف الجميع خطورة التفرد، لكن ليس كل ما نتمناه نستطيعه، وهذه أيضاً مسلمة، خاصة وأننا لا نملك متسعاً من الوقت لتجارب غير مضمونة العواقب.


لو كان الأمر بيدي لأعدت حياكة المشهد الفلسطيني بالشكل الذي أتمناه، والذي يمنع التفرد، لكن المسائل لا تأتي دائماً وفقاً لرغباتنا.


أنا أحب أن أفكر بشكل واقعي، وتلك هي الأرضية التي أزعم أنني أقف عليها الآن، وأكرر دائماً أن الواقعية لا تعني التسليم للواقع بكل مساوئه، إنما بالاعتراف بوجوده، وأخذه في الحسبان أثناء التخطيط للمستقبل، فإن كنت أعرف مثلاً أنني لا أستطيع المنافسة، ولا أستطيع- فيما تبقى من الوقت- تخليق بدائل حقيقية، فإن هذا يدعوني- كما أظن- إلى المفاضلة بين المكونات الحقيقية الموجود في الواقع، وفقاً لما أتمناه للسنوات الأربع القادمة، التي من المفترض أن تمثل نهايتها نهاية شرعية من سننتخبهم هذه المرة، وألا يُفرضوا على صدورنا لخمسة عشر عاماً جديدة كما المرات السابقة.


اقرأ ايضاً: بقايا حطام أم نقطة ضوء!

مسألة أخرى تفرض نفسها على عقلي أثناء تفكيري، أنني لا أعيش وهم التحرير خلال السنوات الأربعة القادمة، لا بالمقاومة، ولا بالمفاوضات، فأمام كل من هذين النهجين عقبات بحجم السماء، والأرض، وأن أكثر ما نستطيعه خلال هذه المدة هو ما يمكن أن نسميه: تراكم لبعض المنجزات السياسية المعنوية، أو القانونية، يضاف إليها الهدف الأهم بالنسبة لي، والغاية القصوى التي تتمثل في البقاء في الأرض، وتعزيز قدرة للمواطن على البقاء.


ليس لدي أوهام كبيرة، ولست مستعداً للإنصات إلى تجار الأوهام، والشعارات، وبت أبحث عما نستطيعه، مما يمكنه إحداث تغييرات مستقبلية، ولو بطيئة، وبتقديري فإن أهم ما يُمَكّنُنا من إبطال الحلم الصهيو وني هو البقاء في الأرض، والبحث عن وسائل نضالية لا ترهق هذا البقاء، وتؤثر ولو على المدى البعيد على شكل واقع الصراع بيننا وبين الصهيو ونية، وتحافظ في ذات الوقت على بقاء المظلومية الفلسطينية حاضرة في الوعي الجمعي للعالم، عرباً، ومسلمين، وكل الشعوب الداعمة للحقوق.


اقرأ أيضا: حصري: “زوايا” تكشف تفاصيل حوار القاهرة والاتفاق على محكمة للانتخابات

وبالمناسبة: فحتى أكثر شعاراتنا ثورية لم تتوقع من أدواتها النضالية أكثر من هذا، فليس هناك طرف فلسطيني واحد تجرأ على القول بأن تحطيم إسرائيل عسكرياً يمكنه أن يتحقق بأيادي فلسطينية دون معونة كل العرب، وربما كل المسلمين، كلهم قالوا: إن مهمة نضالنا تتمثل في الإبقاء على جذوة الصراع، وكلهم راهنوا على تحرير من الخارج، وبرغم أن هذه المسألة لم تعد الآن من المسلمات، وصار مشكوكاً في قدرة، أو حتى رغبة كل الذين راهنا عليهم في أن يتقدموا في اتجاه فلسطين خطوة كهذه.


لكن وبرغم هذا، فطالما أن مهمتنا تحريكية أكثر منها تحريرية باعتراف أكثر الأطراف الفلسطينية تشدداً، فإن هذا يعني أن نختار من الوسائل النضالية ما يكفي لمهمة بقاء المظلومية الفلسطينية حاضرة، دون أن يكون لها أثر سلبي على بقائنا في الأرض، والذي هو في حد ذاته قنبلتنا النووية التي تخشاها إسرائيل.


تلك هي المعادلة، ووفقها سندعو لاختيار من يمثلنا ويقود دفتنا خلال السنوات القادمة، ولن نلتفت إلى الغوغاء، أو العواطف الخالية من العقل والتعقل، فلقد استنزفت العواطف، والشعارات، والاندفاعات غير العقلية عقوداً طويلة، وصار لزاماً علينا الآن أن نفكر بأدوات ممكنة، دون التخلي عن الحلم الوطني، والأهداف الوطنية.


كلمة أخيرة:


لو كنا نعرف أن وعود التحرير حقيقية، فنحن جاهزون لأن نكون أول المسحوقين في سبيل غاية كهذه، لكننا نعرف، وكلكم يعرف، وحتى الشعاراتيين يعرفون أن التحرير ليس وصفة طبية يمكن أن نشتريها من الصيدليات، وأن المسافة لا تزال طويلة، وحينما تأتي- إن أتت- تلك الجهات التي راهنا عليها، أو لا يزال بعضنا يراهن عليها لتقتحم بوابات القدس فاتحة فسيجدوننا في انتظارهم لنمسح أحذيتهم، أما وإن هذا لم يحدث بعد فإن تعزيز البقاء هو أقصى ما نستطيعه، وهو ما علينا أن نعمل عليه، وأن نختار له من يستطيعه.


خاص زوايا- جميل عبد النبي

مواضيع ذات صلة

atyaf logo