تقرير بعد مرسوم الرئيس.. مَنْ بقي مُعتقلاً أو مُحاكَماً سياسياً؟

الرئيس محمود عباس
الرئيس محمود عباس

تتوجه الأنظار إلى سجون الضفة الغربية وقطاع غزة ترقباً للإفراج عن كافة المعتقلين على خلفية الرأي أو الانتماء السياسي، وذلك كترجمة لمرسوم أصدره رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مساء السبت، والذي يحث على تعزيز الحريات العامة، وإطلاق سراح المحتجزين والموقوفين لأسباب فصائلية.

وتابع موقع "زوايا" ما إذا كان هناك حالات معتقلين لا زالت موجودة في الضفة وغزة بعد مضي ساعات على مرسوم الرئيس، وقد أكدت جهات حقوقية أنه لا زال هناك معتقلون في سجون كل من السلطة وحركة "حماس".

إفراج ولكن المُحاكمات مستمرة!

المحامي مهند كراجة من شبكة "محامون من أجل العدالة"، أكد لـ "زوايا" أن ثلاثة معتقلين من طلبة جامعة "النجاح" ينحدرون من قرية تِل بنابلس تم الإفراج عنهم قبل نحو أسبوع، لكن محاكمتهم بشأن القضية التي يواجهونها لا زالت مستمرة.

وبين أن الشاب أحمد السمّاك لا زال معتقلاً من قبل "اللجنة الأمنية"، حيث يواجه تهماً سياسية، وكذلك على خلفية قضية "سها جبارة" وجمع أموال لصالح حركة "حماس" وأنشطتها.

وأوضح المحامي كراجة أنه تابع، الأحد، (أي في اليوم التالي لإصدار مرسوم الحريات)، قضية شخصين في المحكمة بعد الإفراج عنهما بتهم سياسية تلاحقهم. وهذا يعني، بحسب كراجة، أن المحاكم السياسية مستمرة وإن تم إنهاء التوقيفات والاعتقالات، قبل إصدار المرسوم المذكور.
اقرأ أيضا: حصري: “زوايا” تكشف تفاصيل حوار القاهرة والاتفاق على محكمة للانتخابات

وأوضح كراجة أن هناك معتقلين أيضاً لا زالوا حتى اللحظة موجودين في سجون "حماس" بقطاع غزة تحت نفس الذريعة، مبيناً أنه لا يعلم بشأن مصير معتقلين آخرين على خلفية سياسية تتابع قضاياهم مؤسسات حقوقية أخرى غير "محامون من أجل العدالة".

وأشار إلى أنه لا يعلم بخصوص مصائر الأشخاص الذين اعتقلتهم السلطة الفلسطينية على خلفية موالاتهم للقيادي المفصول محمد دحلان.

الحُريّات ليست "مِنحة"!

من جهته، أكد المحامي والحقوقي صلاح عبد العاطي من غزة أن هناك نحو 64 مُصنّفين في غزة كمتهمين على خلفية سياسية، وأيضا 730 في الضفة الغربية (من حماس وتيارات أخرى) بغض النظر عن خروج أغلبهم من السجون، إلا أنهم يواجهون إجراءات محاكمة على خلفية الانتماء السياسي.

وأوضح عبد العاطي ل"زوايـا" أن فتح سلمت أسماء معتقلين ومُلاحقين منها لدى حماس، وأن الأخيرة أيضا سلمت أسماء المعتقلين والمُلاحقين منها في الضفة، معتبرا أن ما أصدره رئيس السلطة بشأن الحريات العامة ليس مرسوما وإنما "منحة"، فيما لا يجوز التعامل مع الحقوق والحريات على أنها "منحة" بل هي حقوق كفلها القانون، وفق عبد العاطي.
اقرأ أيضا: استقلالية موؤودة.. تغول السلطة التنفيذية على قضاء فلسطين

وأعرب صلاح عبد العاطي عن خشيته من أن عدم مُعالجة قضية المعتقلين والحريات ومواضيع ماسّة أخرى كما يجب، سيولد حالة عدم ثقة وتشكيك بالانتخابات، بل تجعل من الانتخابات بوابة لشكل جديد من الانقسام وربما الاشتباك.

العبرة بتنفيذ المرسوم

من جهته، أكد الناشط بمؤسسات المجتمع المدني في غزة محسن أبو رمضان لموقع "زوايـا" أن المرسوم الذي أصدره رئيس السلطة محمود عباس بشأن الحريات، جيد وقد جاء نتاج مطالبات مستمرة من المجتمع المدني ولجنة الانتخابات المركزية، ثم مخرجات اجتماع الفصائل في القاهرة مؤخراً.

واعتبر أبو رمضان أن العبرة الآن بالتنفيذ، أي قيام الأجهزة التنفيذية التابعة للحركتين الكبيرتين في الضفة وغزة بترجمة المرسوم إلى أفعال، مطالباً بضرورة الافراج الفوري عن أي حالات اعتقال على خلفية الرأي أو الانتماء السياسي والحزبي، فضلاً عن صيانة البيئة الانتخابية بصورة عامة بما يضمن عدم ملاحقة المرشّحين وحرية الدعاية الانتخابية تحت سقف القانون وإلغاء لغة التخوين والتكفير.

من جهته، قال الباحث القانوني في الهيئة المستقلة لحقوق الانسان عمّار جاموس إن الملاحقات على خلفية الرأي والانتماء السياسي مستمرة دوماً في الضفة الغربية وقطاع غزة، موضحاً أن هناك من يتم تمديد توقيفهم لخمسة عشر يوما أو شهر، وبعد ذلك يُطلق سراحهم، ثم يواجهون اجراءات المحاكمة.

وبالرغم من أن جاموس لم يحدد عدد من تبقوا في سجون السلطة وحماس، لكنّه أشار إلى أن تقرير الهيئة الصادر عام 2020 أظهر أن نحو 125 معتقلاً على خلفية حرية الرأي والانتماء السياسي في الضفة وغزة.

وأكد جاموس أن الاعتقالات كانت تتم بشكل مُخالف لأحكام القانون الأساسي، لا سيما المادتين 11 و 10 وكذلك المادة 19 المعنية بحرية الرأي والتعبير، والتي تجعل حقوق الإنسان والحريات العامة ملزمة وواجبة الاحترام من قبل جميع السلطات.

القانون الأساس مصدر الحرّيات.. لا "المرسوم"

ومن وجهة نظر المحامي جاموس، فإن مرسوم عباس الداعي إلى توفير أجواء إيجابية للدعاية الانتخابية، ليس مصدراً للحقوق والحريات، وإنما مصدرها القانون الطبيعي الذي ينظم ممارستها، والدستور الذي يكفلها.

وبالتالي، شدد جاموس على أن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان تتوقع أن يتم الالتزام بالقانون الأساسي أولاً وأخيراً، وأما مرسوم الرئيس وقد صدر، فهو لا يعدو أكثر من تعليمات من الرئيس للأجهزة الأمنية بضرورة الالتزام بالقانون، وعدم ملاحقة أي شخص على خلفية حرية الرأي والتعبير.

وتابع عمّار جاموس: "حتى الآن لم نرصد حالات إفراج عن معتقلين بعد المرسوم؛ لأن بعض حالات الاعتقال تتم ضمن إجراءات قانونية معينة، خاصة أن أجهزة الأمن في غزة والضفة نفت مراراً وتكرارا وجود معتقلين سياسيين لديها".

وهذا يعني، أن هؤلاء المعتقلين من حماس وفتح يمرّون بإجراءات "قانونية" معينة لدى النيابة العامة والمحاكم، نتيجة تهم ليست "الانتماء السياسي"، وإنما يتم تغليفها بتهم من قبيل "ذم السلطات العامّة" و"إثارة النعرات الطائفية والعنصرية"، و"حيازة السلاح"، و"إساءة استخدام التكنولوجيا".

وهنا، يبرز السؤال: كيف يُمكن أن يشمل مرسوم الرئيس، المعتقلين الذين يواجهون ملفات وتهماً جنائية؟

يُجيب المحامي عمّار جاموس، قائلاً: "كان بالإمكان أساساً ألا يحدث الاعتقال والمحاكمة على هذه الخلفيات حتى قبل صدور المرسوم؛ لأنّ القانون الأساس هو الذي يسمو على كل الإجراءات".

وشدد على وجوب استبعاد أي إجراء مخالف للنص القانوني من قبل السلطات. على سبيل المثال، جريمة إثارة النعرات العنصرية والطائفية أو ذم السلطات العامة، تخالف المادة 19 للقانون الأساس، وكان على النيابة العامة ألا تقوم بملاحقة المعتقلين بناء على هذه التهم وإنما استبعادها.

ويرى جاموس أن ثمة فرصة توفرت الآن من أجل إسقاط هذه التهم عن هؤلاء الأشخاص، وإذا أُريد الإفراج عن معتقلين تم الحكم عليهم في الحقيقة بناء على رأيهم السياسي -قبل تغليفها بتهم جنائية أخرى- يجب أن يتم الإفراج عنهم بعفو خاص.

وأما الذين ما زالوا ينتظرون المحاكمة يجب أن تحفظ النيابة العامة الملف، وأن توقف التحقيق وتُخلي سبيل المعتقلين فوراً، وفقا للمحامي جاموس.

وأشار الحقوقي الفلسطيني إلى أن هذا التزام بموجب القانون الأساس. وأما مرسوم الحريات الصادر عن الرئيس مؤخراً هو تعليمات لأجهزة إنفاذ القانون للكف عن ملاحقة الأشخاص بناء على الرأي السياسي والانتماء.

وبين جاموس أن هناك محكومين سواء من فتح أو حماس بناء على انتمائهم السياسي، في حين أن التهم الموجهة لهم تُعتبر جنائية مثل "غسل الأموال، ودفع اشتراكات وجمع معلومات لصالح جمعيات غير مشروعة، وتهمة "التخابر مع رام الله، أو شق الصف الثوري".

ويختم جاموس حديثه بالقول: "هناك معتقلون سياسيون حتى الآن. يجب الإفراج عنهم جميعا، ويجب أن تتوقف الملاحقة بأي نوع سواء اعتقالات أو استدعاءات وغيرها، خاصة وأن الملاحقة ليس فقط بالاعتقال وإنما حالات الفصل من الوظائف بناء على الانتماء، وهذا يساوي الاعتقال إن لم يكن أشد في بعض الحالات، وفق الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان.

مسجونون يحتاجون إلى عفو "خاصّ"

من ناحيته، قال رئيس تجمع الشخصيات المستقلة بالضفة خليل عساف ل"زوايـا" إنه لم يصلهم منذ الأسبوع الأخير أي تقليعات عن حالات اعتقال جديدة على خلفية سياسية أو ما زالت في سجون الضفة. لكنّه أوضح أن هناك محكومين على قضية حادثة قلقيلية التي وقع فيها قتلى خلال اشتباك مسلح قبل سنوات، يحتاجون إلى عفو رئاسي خاص، كون ما حدث - بحسب عساف- كان نتيجة رواسب الانقسام.

كما وهناك أشخاص معتقلون حالياً في سجون حماس بتهم جنائية وإن كان عمقها سياسي. ناهيك عن استمرار إجراءات محاكمة العديد حتى لو تم الإفراج عنهم.

المصدر : خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo