تعيش العائلات الفقيرة في قطاع غزة حالة من الترقب والخوف، مع بدء شركة توزيع الكهرباء في غزة تركيب عدادات ذكية "المسبقة الدفع"، كبديل للعدادات المعمول بها حالياً في عدد من الأحياء السكنية، في إطار خطة متدرجة تحاول الشركة تعميمها على كافة مناطق القطاع.
وترى تلك العائلات أن العدادات الذكية "مسبقة الدفع" ستحول دون حصولهم على الكهرباء، نظراً لافتقارهم إلى الأموال المطلوبة لشحن الرصيد.
ويتكون عداد الدفع المسبق من جزأين: الأول جسم العداد ويعرض شاشات متعددة لتزويد المشترك بمعلومات حول الرصيد وما تم استهلاكه وثمن المتبقي بالشيكل، أما الجزء الثاني فهي بطاقة الشحن الممغنطة، وهي ثابتة لا تتغير مع كل شحنة.
اقرأ أيضا: بالضربة القاضية.. كورونا تفتك بعمال غزة والمساعدات شعارات
المواطن "محمد عبد الدايم"، أحد المراجعين أمام مقر شركة الكهرباء شمال قطاع غزة، بدى غاضباً عندما تحدث لـ موقع "زوايا" عن الأضرار التي لحقت به، بعد قيام الشركة باستبدال ساعة الكهرباء بعداد الدفع المسبق لشقته التي يقطنها في أحد الأبراج السكنية.
وأشار إلى أنه اضطر إلى الاستدانة لشحن بطاقة الكهرباء بفئة "100" شيكل، أي ما يعادل (30 دولارا أمريكيا)، ليتفاجأ بخصم ما نسبته 25% من الرصيد لصالح الديون المتراكمة عليه كفواتير للشركة، بالإضافة إلى خصم 15 شيكل كخدمات للبرج السكني، ليصل إجمالي الرصيد المتبقي 60 شيكل فقط.
وتابع "الخطيب" الذي يعمل سائق أجرة، ويعول أسرة تتكون من 7 أفراد، أنه بالكاد يتمكن من توفير الطعام لأسرته، وأن تركيب عداد الدفع المسبق شكل عبئاً مالياً إضافياً على كاهله".
العيش بلا كهرباء
أما المواطن الأربعيني العاطل عن العمل "حسام النجار" فأكد لـ"زوايا" أنه اضطر إلى العيش بدون كهرباء لأكثر من أسبوعين بعد نفاد رصيد شحنه، دون أن يتمكن من توفير أموال للشحن مرة أخرى.
وتساءل النجار: "هل يعقل أن يترك أطفالي بدون كهرباء في ظل أجواء الشتاء الباردة؟، فأنا عاطل عن العمل ولم أتقاضى أي عائد مالي".
وتشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن معدل البطالة في قطاع غزة خلال الربع الأخير من عام 2020 بلغ 43%.
وبلغت نسبة البطالة بين النساء من جيل (15 إلى 29 سنة) 91%، وبين الرجال من نفس الفئة العمرية 58.8%.
ووصلت نسبة البطالة بين جميع الأفراد من هذه الفئة العمرية إلى 65.5%، الأمر الذي يهدد آلاف العائلات الغزية بالعيش بدون كهرباء، في حال دخل عداد الدفع المسبق بيوتهم، ولم يستطيعوا شحن الرصيد باستمرار.
شركة الكهرباء تبرر
ورداً على شكاوى المواطنين من العدادات مسبقة الدفع، في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يعانيها قطاع غزة، قال محمد ثابت، مدير دائرة الإعلام في شركة توزيع الكهرباء، لـ "زوايا": "إن تحويل العدادات العادية إلى العدادات الذكية يأتي ضمن الخطط الإستراتيجية لشركة الكهرباء، لدفع المواطنين إلى الالتزام بدفع فواتير الكهرباء وعدم تراكم الديون".
وأوضح بالقول: "لدينا مشكلة في عدم التزام فئة كبيرة قادرة على دفع فاتورة الكهرباء، وهي الفئة الأولى المستهدفة، أما الهدف الثاني فهو مساعدة المواطن حتى لا تتراكم عليه المتأخرات المالية وتحويله إلى الفئة الملتزمة بالدفع".
كما تطرق "ثابت" إلى مشكلة أخرى تعاني منها الشركة تتعلق بكمية التيار الكهربائي المهدرة نتيجة الفاقد الأسود الذي يعني "سرقة التيار الكهربائي، والاستهلاك بدون عدادات".
وأشار إلى أن العدادات الذكية عبر نظام الدفع المسبق، بالإضافة إلى أجهزة قياس سيتم تركيبها على المحولات المنتشرة في الأحياء السكنية ستتيح للشركة اكتشاف التعديات داخل هذه الأحياء، وبالتالي تقليص العجز في كمية التيار الكهربائي، الذي يستفيد منه نحو 290 ألف مشترك في قطاع غزة.
وأضاف "ثابت" أن شركة الكهرباء تعمل وفق حدود، وتحت مظلة حكومية، وأنها لا تملك القرار في إعفاء المواطنين الفقراء من دفع ثمن الكهرباء والمتأخرات، كونها بحاجة إلى موارد مالية كافية من أجل الاستمرار في توفير خدمتها، ومطلوب منها جباية هذه الأثمان وسدادها إلى الحكومة والجهات المختصة.
وأوضح مدير الدائرة الإعلامية في شركة الكهرباء أن المشكلة الكبرى تكمن في سد العجز الذي تعاني منه الشركة من عدم توفر الكهرباء على مدار الساعة، مشيراً إلى أن القطاع بحاجة إلى 500 ميجا وات من التيار الكهربائي، وأن ما تحصل عليه الشركة من خطوط الكهرباء الإسرائيلية ومحطة توليد الكهرباء ينحصر ما بين 180 إلى 200 ميجا وات.
السلطة الحاكمة مطالبة بالتحرك
من جهته رأى رئيس اللجنة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، الدكتور صلاح عبد العاطي خلال حديثه لـ "زوايا" أن الأوضاع الكارثية التي يعيشها سكان قطاع غزة تدفع الجميع إلى العمل على تعزيز التكافل والضمان الاجتماعي، من خلال دعم العائلات الفقيرة والعاطلة عن العمل من تأمين الكهرباء والمياه والغذاء والاحتياجات الأساسية.
اقرأ أيضاً: “زوايا” تكشف خفايا المصالحة بين عباس ودحلان
ولفت إلى أن ذلك لا يتعلق بدور شركة الكهرباء، ولكن بدور السلطة الحاكمة التي عليها إيجاد سياسات وخطط من ضمنها إعفاء الأسر الفقيرة، التي لا يتوفر لديها مصدر دخل ثابت، من رسوم الكهرباء، أو تقنين هذا الاستخدام لجعل هذه الرسوم مختلفة في إطار عملية التكافل الاجتماعي.
وأبدى "عبد العاطي" تفهمه لخطط شركة الكهرباء في تحصيل مستحقاتها المالية، وتقنين استهلاك المواطنين للتيار الكهربائي، لكنه طالب سلطة الطاقة بأن تساهم بجزء من أرباحها التي تسيطر عليها (51% من رسوم الشركة)، في حل هذه الأزمة وتزويد العائلات الفقيرة والمهمشة ولو بالحد الأدنى للتيار الكهربائي بأسعار مخفضة.
وأوضح الحقوقي "عبد العاطي" أنه لا يوجد نصوص قانونية واضحة تكفل الضمان الاجتماعي للأسر الفقيرة، مطالباً بأن تشمل نصوص القوانين حق المواطنين في الحصول على مصادر الطاقة والمياه والعيش حياة كريمة وجعلها متاحة لكل الفلسطينيين.
وتابع "عبد العاطي": "نحن لا نريد أن يصبح المواطن اتكاليا ويتهرب من الدفع لشركة الكهرباء، ولكن نطالب بإيجاد سياسات متوازنة تنظم هذه العملية عبر قوانين وتدخلات من السلطة الحاكمة، لكي نكفل الرعاية لهذه الأسر المهمشة ولا نحرمها حقها الأساسي في الكهرباء".
وبين إصرار شركة توزيع الكهرباء على إنفاد ما تسميه "خططها الاستراتيجية"، وغياب الحلول الحكومية المرجوة، يبقى شبح العيش في الظلام هاجسا يلاحق آلاف العائلات الفقيرة في قطاع غزة.