خاص زوايا: بقلم- جميل عبد النبي
تثير هذه الفكرة قلق الكثيرين، سواءً من فتح، أو حماس، أو جمهور الناس غير المصنفين.
بالنسبة لمنتسبي فتح وحماس، فإن فكرة القائمة المشتركة تبدو طعناً في كل ما تعلمه أحدهما عن الآخر، أو قل: ما خبره أحدهما عن الآخر، فلقد وصلت حالة العداء الحقيقي بين الطرفين إلى نقطة تبدو بالنسبة لأي منهما أنها من أعظم الحقائق، وأكثرها رسوخاً، ولم يعد كل ما يمكن قوله في هذا المجال سراً، فحماس بالنسبة لمنتسبي فتح تنظيم إرهابي، دموي، ظلامي، إقصائي يسعى لأن يكون بديلاً ليس عن فتح وحسب، إنما عن منظمة التحرير كلها، بل هي تسعى لابتلاعها، ليس من أجل تحرير فلسطين كما تزعم في خطابها المعلن، إنما سعياً لامتلاك السلطة، وقاعدة متقدمة لتنظيم الإخوان، وهي بهذا الوصف ليست تنظيماً فلسطينياً ذا أهداف فلسطينية خالصة، إنما جزء من تنظيم دولي، ما يجعل أجندتها ليست فلسطينية.
أما فتح فهي بالنسبة لمنتسبي حماس تنظيم فاسد، عميل، تنازل عن فلسطين، يقدم التنسيق الأمني الموصوف من قبل حماس بالخياني على المصلحة الوطنية، وأنها- أي فتح- لم تعد حركة تحرر، إنما تجمعاً لمصالح بعض متنفذيها، ممن لا يلقون بالاً لا للتحرير، ولا للهموم الوطنية، ما يعني أن فتح لم تعد مستأمنة على القضية الفلسطينية.
اقرأ أيضا: عشراوي لـ”زوايا”: المنظمة شكل بلا جوهر والانتخابات جاءت بضغوط
ليس ما قلته أعلاه مبالغة مني في توصيف رؤية أي من الطرفين إلى الآخر، بل هو أقل بكثير مما قاله الطرفان أحدهما عن الآخر، ولا يزال حتى يوم الناس هذا يتكرر في حوارات الطرفين الداخلية، وفجأة وبدون سابق إنذار يتحدث قادة الطرفين عن قائمة مشتركة تضمهما معاً لخوض الانتخابات التي عرقلاها لسنوات طويلة، هكذا وبدون مقدمات صار المطلوب من المنتسبين أن يقفزوا عن حالة العداء المعمدة بالدم، والاعتقالات السياسية، والتضييق، وصولاً إلى الشراكة..!
أما غير المصنفين فبدورهم يتساءلون: ولماذا اقتتلتم إذن؟ ثم في وجه من ستخوضون الانتخابات بقائمة مشتركة؟ في وجه الشعب مثلاً؟! وأسئلة كثيرة تعج بها مواقع التواصل، وحوارات المهتمين بالشأن السياسي.
اقرأ أيضا: قيادي بـ”الجهاد الإسلامي”: حوار القاهرة سيحسم مشاركة الحركة في الانتخابات
لكن هناك جانباً أظن أن الجميع يغفل عنه، لا يتعلق فقط بأن إنهاء حالة العداء بين المكونات الفلسطينية ضرورة، لا يحق للأحقاد أن تعرقلها إلى الأبد، ولا بنجاح تجارب كثيرة في الأمم المحيطة بنا سبق وأن تجاوزت حالة العداء، وتعايشت، فنهضت بشعوبها، بعد أن غفرت، وعفت، ليس من هذه الزاوية وحسب، ولا أظن طارحي فكرة القائمة المشتركة من الطرفين فجأة انتقلوا من حالة العداء المستحكم، إلى حالة العفو، بل والعمل المشترك، لا، بل أظن أن هناك شقاً سياسياً بامتياز له علاقة بالمطروح على الفلسطينيين، أو قل: ما يُتوقع أن يُطرح خلال الفترة القادمة غير البعيدة.
- قبل أن أكمل سأقحم رأياً لي هنا لم أخفه، ولا أجد فيه مايعيبني، بل العكس:
إن دخلت كل من فتح، وحماس الانتخابات بقوائم منفصلة، فإن فتح التي نعلن تحفظاتنا عليها على الملأ هي خيارنا للخروج من المأزق، فهي المقبولة عالمياً، وهي أكثر الأطراف مرونة وعقلانية وواقعية سياسية، لكن هذا لا يعني أن تحكم وحدها دون معارضة قوية قادرة على كبح جماحها، خاصة فيما يتعلق بالإدارة الداخلية، التي نتمنى كشعب أن نرقى فيها إلى مصاف الأمم الحضارية، التي تحترم حقوق الإنسان، وسيادة القانون، والشفافية، والفصل بين السلطات، لذلك فأنا شخصيا أتمنى أن تحظى حماس بحجم ما في المعارضة يمكنها من القيام لدور ما.
بالعودة إلى القائمة المشتركة:
أظن أننا اقتربنا من مرحلة فرض خيارات سياسية علينا كفلسطينيين، كان ذلك واضحاً في عهد ترامب، ولم ينته نهائياً ما بعد ترامب، وليس متوقعاً أن ينقلب بايدن كلياً على مقترحات سابقه، فأظنه لن يلغي اعتراف أمريكا بالقدس الموحدة كعاصمة لإسرائيل، ولن يفرض على إسرائيل حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وباختصار لن يطرح سقفاً يرضي الفلسطينيين، لكنه سيمارس ضغطاً لاستئناف المفاوضات، وقد يكون على إسرائيل، والفلسطينيين أن يبديا بعض المرونة.
فلسطينياً سيكون أي تنازل جديد كخيانة جديدة، وعار سيتحمله الطرف الذي سيوافق عليه، ولا أظن أن السلطة، أو فتح جاهزة لأن تتحمل ذلك وحدها كما حصل في أوسلو الذي شيطنه الجميع، لكنهم لم يتوانوا من الأكل من خيراته، فلولا أوسلو مثلاً لما كانت هناك سلطة في غزة تسيطر عليها حماس فيما بعد، فتجبي ضرائبها، وتتمتع بمكتسباتها.
من غير المقبول أن تراقب بعض الأطراف جهة ما تخوض ما تطلق عليه علنا تلوثاً، وخيانة، ثم تأتي فيما بعد لتنقض عليه فتأكل خيراته، دون أن تعترف بأنها شريكة في هذا التلوث، وإن حدث- وأظنه سيحدث- وحاول العالم فرض شيء ما أقل من 67، ولا يعيد القدس، واللاجئين فالمعادلة كالتالي:
إما أن نقبل، وستصبح هذه خيانة جديدة -أو هكذا ستوصف- وستفتح مجالاً لمزايدات جديدة، وانقسامات جديدة، دون أن تمنع هذه المزايدات المزايدين من الاستيلاء على ما يمكن تحصيله، طالما أن عاره لا يلحق بهم، بل بمن وافق عليه. وإما أن نرفض، ومن المؤكد أننا سندفع ثمناً ليس أقله حصارا جديدا على الموارد، وربما ترك يد إسرائيل لتقضم ما يمكن قضمه مما تبقى من الضفة الغربية.
ليس ما سبق قدراً، إنما سيناريو متوقع، يمكننا مواجهته معاً المهم الآن "إن أحسنا الظن بطارحي فكرة القائمة المشتركة فالمسألة كما قلت كالتالي".
تعالوا لنواجه معاً كل الخيارات، فإما أن نقبل معاً ما يمكن للعالم أن يطرحه علينا، وإما أن نرفضه معاً فنتحمل -معاً أيضاً- تبعات رفضنا، أما أن تراقب بعض الجهات صعوبة الموقف عن بعد، ظانة أنها تنأى بنفسها عن التلوث، ثم تطالب بحصتها في فتاته الممكن، أو تنقض عليه فيما بعد، فلا أظنها مسألة أخلاقية.
لعلي قد ابتعدت عن الحقيقة، لكني هكذا أقرأ المسألة مع شيء من حسن الظن، وأكرر: إن لم يدخلا في قائمة مشتركة ففتح هي خيارنا في الصدارة، وحماس خيارنا في المعارضة، وإن اتفقا فإن مخاوفنا كمستقلين على التأثير على النتائج الانتخابية ستزول تقريياً، ويصبح مطلوباً من المستقلين أن ينافسوا على ما يستطيعون الحصول عليه، على الأقل كمحاولة لتحسين الأداء الداخلي لحكومة المستقبل.