تقرير عائلات فلسطينية في طي النسيان بلا "لم شمل"

فلسطينيون يطالبون بلم الشمل
فلسطينيون يطالبون بلم الشمل

منذ خمسة عشر عاماً لم تترك "منانة بحر" أي باب إلا طرقته بحثاً على "جمع الشمل"، الذي تأخر كثيرا بفعل توقفه من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات الماضية.

"منانة" مصممة ديكور وفنانة تشكيلية تعرفت على زوجها الفلسطيني في المغرب قبل أكثر من 16 عاما، أثناء ملتقى الجامعات الدولية، وتزوجا بعد فترة ثم قدمت لفلسطين، واستقرت في بلدة أبو ديس شرق مدينة القدس المحتلة.

طيلة سنوات وجودها وهي تبحث عن أي سبيل يضمن سفرها للمغرب، لرؤية ذويها والعودة إلى بيتها في فلسطين بأمان دون تشتت العائلة، لكن كل السبل انقطعت، وجميع الأبواب التي طرقتها لم ترد بجواب يشفي عطشها للقاء والدتها، التي لم تستطع أيضا استقدامها لفلسطين.

اقرأ أيضا: قيادي بـ”الجهاد الإسلامي”: حوار القاهرة سيحسم مشاركة الحركة في الانتخابات

وتقول منانة لـ"زوايا" كل شهرين أزور هيئة الشؤون المدنية للاستفسار عن "لم الشمل"، وتقدمت بمناشدات عديدة، ونفذت عدة اعتصامات أمام الهيئة، لكن دون جدوى حتى الآن.

وتضيف أنه طيلة السنوات الماضية أنجبت ثلاثة أبناء أصبحوا في الصفوف الإعدادية، وهي تنتظر السفر لتعرف أبناءها على أقاربها في المغرب وتقضي شوقها لوالدتها، وقد التقت الأحد (8/2/2021) برئيس الهيئة الوزير حسين الشيخ، وأكدت على مطلبها، وأخبرته أنها لن تتراجع عن حقها ومطلبها.

وتوضح أنها احتاجت لعملية في العمود الفقري قبل سنوات، وأخبرها الأطباء أن العملية فقط تجرى في ألمانيا، وتوجهت للشؤون المدنية وطلبت منهم المساعدة حتى تستطيع السفر للعلاج. مضيفة "لقد ترجيتهم بالمساعدة لإنقاذ حياتي فقط لأسافر إلى ألمانيا وأضمن العودة إلى بيتي، لكنهم لم يستطيعوا، وتم استقدام الدكتور المختص من ألمانيا لإجراء العملية وهو ما كلف مبالغ طائلة".

وبحسرة وألم تقول منانة: الظروف أكبر منّا جميعا، وأشعر أن زوجي الآن متأثر بتأثري وتوتري.

اقرأ أيضا: عشراوي لـ”زوايا”: المنظمة شكل بلا جوهر والانتخابات جاءت بضغوط

"منانة" أصبحت اليوم عنوانا حاضرا في كل الاعتصامات والوقفات، التي تنظم للمطالبة بـ"لم الشمل"، وتغيير العنوان من غزة إلى الضفة، والذين يبلغ عددهم نحو 50 ألف شخص، وهي الآن تحضّر لتقديم رسالة لملك المغرب محمد السادس باسمها واسم كل النساء المغربيات المتزوجات في فلسطين العالقات دون لم الشمل، حيث سيلتقين خلال أيام بالسفير المغربي في رام الله، وتسليمه الرسالة للضغط على الاحتلال لمنحهن حقهن في لم الشمل.

ألم البعد والفراق عن الأهل، والتوتر والخوف من الترحيل بسبب الاحتلال المسيطر على منانة وعائلتها، تتشاركه آلاف العائلات التي قدمت إلى وطنها فلسطين من خلال تصريح زيارة أو فيزا دخول إلى فلسطين، على أمل الحصول على لم شمل، لكن ذلك لم يحصل، وبقيت العائلات مقيمة قسرا مشتتة بين الرغبة في السفر والتشبث في البقاء والحفاظ على العائلة الصغيرة من التشتت.

دموع تنهمر

آلاء مطير هي الأخرى تمتلك قصة مشابهة لمعاناة منانة، لكنها ورثت التشتت من أجدادها بسبب الاحتلال، فهي ابنة لاجئ فلسطيني هُجر من فلسطين إلى الأردن خلال النكبة، واستقر هناك وحصل على الجنسية الأردنية وورثّها لأبنائه.

قبل 15 عاما تزوجت آلاء من شاب فلسطيني يقيم في مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة، واستقر إلى جانبها في الأردن لنحو خمسة سنوات وأنجبت منه هناك ابنين، لكنهما قررا لاحقا العودة إلى فلسطين والاستقرار في المخيم، وبالفعل منذ 10 سنوات يعيشان في فلسطين وأقد أنجبا طفلين آخرين، ليصبح لديهما أربعة من الأبناء.

تقول آلاء: منذ 10 سنوات لم أسافر، حيث يسافر زوجي وأبنائي إلى الأردن سنويا للقاء عائلتي، لكن أنا محرومة من هذا الحق بسبب وقف الاحتلال معاملات "لم الشمل" منذ عام 2009، على الرغم من تقديمي للأوراق للحصول على لم الشمل منذ زواجي، أي منذ 14 عاما.

وتضيف: "قدمت على طلب لم الشمل في عام 2007، أي قبل أن آتي إلى فلسطين، وكنت أتأمل أن تأخذ إجراءات الحصول على لم الشمل عاما على الأكثر، لكن مع الأسف لا زلت أطرق الأبواب، وقد ناشدت الملك عبد الله الثاني للمساعدة في الحصول على لم الشمل، لكن الاحتلال لا يزال يرفض".

وتشير آلاء إلى صعوبات تواجهها أحيانا في استخراج المعاملات الرسمية، أو الحصول على تأمين صحي، أو إثبات المواطنة في بعض الأمور، أو إمكانية الاقتراع في الانتخابات.

وتبيّن أن حراك عائلات لم الشمل بدأ فعليا منذ عام 2017، وتراجع كثيرا، لكنه عاد بشكل قوي خلال الشهر الماضي، قائلة: "قبل شهر رأينا منشورا على فيسبوك، يفيد بأن لم الشمل سيعود في شهر مايو القادم، وهذا كان مثل الشرارة التي دفعتنا لإحياء الحراك".

وتضيف: "سوف ننفذ اعتصامات أمام المؤسسات الدولية للضغط على الاحتلال، وسنقدم مناشدات للملك عبد الله وقادة الدول العربية لحل قضيتنا".

ورغم أن هيئة الشؤون المدنية تقول إن آخر دفعة لم الشمل كانت قبل حوالي 10 سنوات، إلا أن آلاء تؤكد أنه تم إصدار دفعات صغيرة من لم الشمل ولبعض الأشخاص، وهي تعرف بعضهم شخصياً، وفق ما تقول.

وتنهي حديثها لـ"زوايا" بمشاعر فياضة، قائلة: "دائما أحلم بلقاء أهلي في الأردن، أجلس مع نفسي كثيرا وأبدأ بالتخيل متى سأحصل على الهوية، وكيف سأخبر أهلي أنني قادمة إليهم، وماذا سأفعل إن حصلت عليها؟ ومتى سأسافر؟ كيف ستكون ردة الفعل عند لقاء شقيقاتي وأشقائي الذين تزوجوا وأصبح لديهم أبناء؟ .. لا إراديا تبدأ الدموع تنهمر من عيناي".

"جسدي في غزة وروحي في الضفة"

فادي جلو (35 عاما) من قطاع غزة، يتشابه مع منانة وآلاء في المعاناة، لكنه يختلف تماما في التفاصيل، فهو يحمل الهوية الفلسطينية ومحروم من لقاء زوجته في الضفة منذ عامين ونصف تقريباً.

وفي تفاصيل قصته، يقول فادي لـ"زوايا"، حضرت إلى الضفة عام 2015، من خلال تصريح لحضور زفاف إحدى شقيقاتي في الضفة الغربية حيث يقيم أشقائي وشقيقاتي، وأقمت هناك وتزوجت بفتاة من محافظة قلقيلية.

ويضيف: "عندما كنت أذهب لزيارة أهل زوجتي في قلقيلية، أتخذ العديد من الإجراءات كالمتسللين خوفا من اعتقالي وترحيلي الى قطاع غزة، بذريعة تجاوز مدة التصريح، على الرغم من تقديمي كافة الأوراق اللازمة، لنقل مكان السكن من غزة والضفة لكن لم أحصل عليه".

ويتابع: بتاريخ 23/5/2018، اعتقلني الاحتلال على حاجز زعترة جنوب نابلس أثناء توجهي لزيارة عائلة زوجتي، وتم احتجازي في زنزانة لمدة أسبوعين قرب حاجز حوارة، ثم نقلوني إلى معتقل عوفر قرب رام الله وتم سجني لأربعة شهور، ثم عرضوني على المحكمة قررت إطلاق سراحي، لكن ضابط المنطقة في جيش الاحتلال أمر بترحيلي إلى غزة.

في كلامه المختلط بالمشاعر والألم، يقول فادي: "في الضفة أشعر أن نصفي وجذوري هناك، لقد فصلوا جسدي عن روحي، وتركوها مع زوجتي وعائلتي في الضفة، ورغم أنني ولدت في غزة، إلا أنني لا استطيع التأقلم فيها بسبب البعد عن عائلتي، وكل ثانية تمر وكأنني أنزف ولا أحد يضمد جرحي".

الشيخ: ملفكم على طاولة البحث دائما مع الإسرائيليين

وقد نظم المطالبون بـ"لم الشمل" اعتصاما أمام هيئة الشؤون المدنية، الأحد (7/2/2021) للضغط عليها لتحريك ملفهم مجددا، وفي رد الهيئة، قال رئيسها الوزير حسين الشيخ إن مطالب المعتصمين حق وطني وأخلاقي وإنساني. مؤكدا أن هذا الملف على طاولة البحث مع الاحتلال "الإسرائيلي".

وبيّن الشيخ أن الكوتة السنوية التي كانت تحصل عليها السلطة للمتقدمين لـ"لم الشمل" متوقفة منذ 10 سنوات بقرار إسرائيلي بحجج أمنية، لكن اعتقد أن القرار سياسي وليس أمني. مشيرا إلى منح نحو 50 ألف مواطن لم الشمل خلال السنوات الماضية.

ودعا الشيخ المعتصمين أمام مكتبه بمساندته في إنجاز ملفهم بالضغط والتحرك على مستوى المؤسسات الحقوقية والدولية للضغط على الاحتلال.

المصدر : خاص زوايا: إبراهيم محمد

مواضيع ذات صلة

atyaf logo