بقلم: د.غازي حمد
- قاعدة (تعال نجرب)
لو افترضنا أن الانتخابات سارت بشكل طبيعي وأفرزت لنا خارطة سياسية جديدة، توزعت ما بين مختلف القوى السياسية وجهات أخرى وأصبح لدينا برلمانا ومن ثم حكومة، ما الذي يمكن أن يعكسه ذلك على الحالة الوطنية وكذلك على الحالة المتعلقة بالسلطة والحياة المعيشية للجمهور؟
السؤال الذي يشغل الشعب الفلسطيني، هل يمكن للانتخابات أن تشكل مخرجا لحالة الاستعصاء السياسي والوطني؟
رغم كل ما سمعته وقرأته من تصريحات رسمية لم أجد أجوبة مقنعة من أي من الأطراف، وإنما كانت غالب الردود تتمحور في أنها (الخيار الوحيد)، وأننا جربنا كل الخيارات الأخرى بما فيها الحوار والمصالحة ولم تنجح، وأيضا تحت قاعدة (خلينا نجرب) لعلها تنجح هذه المرة!!
واضح أن الكل الفلسطيني لا يملك قناعة شديدة وراسخة أن الانتخابات هي البلسم للأمراض الوطنية والسياسية المستوطنة في بلادنا، ولا يمتلك أحد تصورا كيف يمكن ترتيب الحياة السياسية وإعادة القضية الفلسطينية إلى موضعها الصحيح في الخارطة العربية والدولية من خلال خيار الانتخابات.
إن نهج وضع الخيارات الفلسطينية تحت طائلة (التجريب) طوال عقود من الزمن أثبت أنه غير ناجع، بل ومؤد إلى طريق مليء بالحفر والعقبات والانتكاسات، ورغم أن هنالك المئات من الأمثلة التي مرت في طريق التجارب الفلسطيني مثل اتفاقات أوسلو وحتى انتخابات 2006، إلا أننا نعيد استنساخ نفس الأخطاء ونفس الكوارث، ولا نخرج من أزمة إلا ونقع في أزمة أخرى أنكى وأشد.
- دائما ..العربة أمام الحصان
إن الفلسطينيين -رغم تجربتهم السياسية الطويلة والممتدة ورغم امتلاكهم طاقات ومقدرات كبيرة- لم يتعلموا كيف يرسموا طريقهم التحرري، وكيف يمكن أن يسيروا بخطى ثابتة ومتراكمة نحو تحقيق أهدافهم الوطنية، بل غلبت عليهم النزعة الحزبية والاستعجال في تبني خيارات ووسائل لم تدرس بشكل عميق، أو بسبب الضغوط الدولية والإقليمية التي تحاول دفع الحالة الفلسطينية إلى مربع التعايش مع الواقع المفروض، كما أن الفلسطينيين ظنوا أنه بسبب عدالة قضيتهم أن الدول العربية والمجتمع الدولي سيقفون إلى جانبهم، وأنه بمجرد امتلاكهم بعض عوامل القوة فإنهم سيقلبون المعادلة ويدفعون الاحتلال إلى الحافة!!
طوال سنوات طويلة، نسي الفلسطينيون بيتهم الداخلي الذي ظلت تتراكم فيه الأخطاء وتأكله الأكلة تحت مسميات مضللة مثل ديمقراطية البنادق وشعارات التحرير، حتى غدا مشتتا وممزقا بين أبناء البيت الواحد، وتفرقوا ما بين يسار يوشك على الزوال، ووسطية ضبابية تائهة، وإسلاميين غابت عنهم الحذاقة السياسية.
اقرأ أيضا: عشراوي لـ”زوايا”: المنظمة شكل بلا جوهر والانتخابات جاءت بضغوط
إن كل التجارب الفلسطينية لم تقم على أرض صلبة مدروسة موضوع لها كل عوامل النجاح، ومستبعد عنها كل عوامل الفشل، وموفر لها كل عوامل المساندة، لذا إن أغلبها –إن لم يكن كلها- لم توصل الفلسطينيين إلى شيء من تحقيق أهدافهم الوطنية.
تبدو صورة الانتخابات على نفس الشاكلة!!
تعالوا ندخل الانتخابات ثم بعد ذلك نفكر في حل مشاكلنا!!
وهذا هو الخطأ -بل الخطيئة الكبرى التي يقع فيها القادة الكبار الذين وافقوا على أن يكون الحوار الوطني بعد الانتخابات، بمعنى وضع العربة أمام الحصان!!
إن الانتخابات هي ثمرة التوافق، وحينما نتصور أن الانتخابات هي التي تقود إلى التوافق فكأنما نبسط كفنا للماء ليبلغ فاهنا!!
تذكروا ما حصل حينما وافقت منظمة التحرير على اتفاق أوسلو فإذا به يتحول إلى كارثة وطنية أرجعتنا للوراء عشرات السنين، ولما وقعت على الاتفاقات اللاحقة إذا بها تحول السلطة إلى كيان وظيفي هش وخالي الدسم من كل الصلاحيات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
وحينما لم نرتب ونستعد جيدا لانتخابات 2006 دخلنا في صراعات دموية أفضت إلى عمليات قتل بشعة، وتحولت الانتخابات الديمقراطية إلى صراع مزمن بين حماس وفتح امتدت سنوات طويلة مؤلمة ومعذبة.
- قضية وطن وليست قضية سلطة
اليوم الحالة الفلسطينية وهي تغص بعشرات المشاكل المعقدة التي خلفها الانقسام بحاجة إلى عملية جراحة معقدة، للتخلص من كل أنواع السموم والموبقات التي انتشرت في جسدها.
الانتخابات ليست هي الديمقراطية بل هي مجرد وسيلة من ضمن وسائل كثيرة لتحقيقها أهمها توفر البيئة والثقافة وتقبل التعددية. حالتنا الفلسطينية التي تقع كلها تحت سطوة الاحتلال لا تسمح للانتخابات أن تأخذ مجراها بشكل طبيعي في تنظيم الحياة السياسية، بسبب أن كثيرا من الصلاحيات السياسية والأمنية والاقتصادية محكومة بسطوة الاحتلال وسطوة الاتفاقات التي حولت السلطة إلى مجرد هيكل وظيفي، كما أن الانقسام القائم بكل تفاصيله يجعل من مهمة الانتخابات أكثر صعوبة وتعقيدا.
إن الخوف الكبير هو أن تحرفنا الانتخابات عن الطريق الرئيس الذي اختطته دماء الشهداء ومسيرة الكفاح الطويلة..
أن تتحول من رافعة للمشروع الوطني والتحرر إلى حالة سكون و(سلام)، تحت ضغط مطالب المجتمع الدولي، الذي يرعى السلطة سياسيا وماليا..
أن تتحول من البندقية التي كانت تصنع الهيبة الفلسطينية وهويتها الحقيقية، إلى بدلات وربطات عنق ومكاتب للوزراء والنواب وتنازع على الصلاحيات بين الحكومة والرئاسة..
أن تتحول من عمل خشن يلامس طين الأرض إلى الأعمال (الناعمة) من اجتماعات ولجان وقوانين لسلطة غير حقيقية..
أن تتحول إلى ساحة للتنافس في معركة وهمية من هو الأكثر عددا في الحصول على المقاعد (المخملية) في البرلمان من قوة وحضور لدحر الاحتلال (كما كانوا سابقا يتباهون من أكثر تنفيذا للعمليات الفدائية)..
أن تضيع منا السنوات وراء السنوات ونحن غارقون في الترتيب للانتخابات، ثم الخلاف على تشكيل الحكومة، ثم التحضير لمعركة الرئاسة.. فيما المستوطنات تزيد وتكبر ويتضخم الاحتلال وتتفلت العواصم العربية من بين أصابعنا، ويذهب المجتمع الدولي في (غفوة) طويلة، ثم نصحو على أنفسنا في صحراء بلا ماء ولا ظل..
اقرأ أيضا: قيادي بـ”الجهاد الإسلامي”: حوار القاهرة سيحسم مشاركة الحركة في الانتخابات
ماذا يعني لو أن حماس حصلت على كذا مقعد أو أن فتح حصدت كذا مقعد؟؟؟
هل تكون فرحة كبيرة لحماس لو أنها فازت على فتح أو بالعكس؟؟
إن قضيتنا بالأساس هي قضية وطن وليست قضية سلطة، فنحن لا زلنا شعبا محتلا مشردا منكوبا مهددا، ويوم أن نقرر أن قضيتنا هي قضية وطن فإن هذا له حساباته ووسائله، أما طريق السلطة والحكومة والوزراء فله حسابات مختلفة!!
لو استيقظنا غدا ولدينا برلمان يضج بالمتحدثين ويضج بالنقاشات حول الدساتير والتشريعات، كيف يمكن أن يشكل خطرا وتهديدا على الاحتلال.. كيف يمكن أن يعيد الروح الوطنية التي قتلتها اتفاقات أوسلو؟؟
إن الفروقات في البرامج بين القوى السياسية تشكل تحديا كبيرا في إعادة تنظيم الحياة السياسية، وفي تصحيح مسار البوصلة الوطنية، ما بين حركة فتح التي تؤمن بالمسار السياسي التفاوضي وحل الدولتين، وما بين حركة حماس والفصائل الأخرى التي تؤمن بالمقاومة المسلحة ضد الاحتلال.
إن تجربة الانتخابات ستكون أمام تحديات كبيرة، وأمام أسئلة كبيرة تحتاج إلى أجوبة قبل الخوض في غمارها. المهم هل سينجح الفرقاء في تمهيد الأرض وتنظيفها من الحشائش الضارة لكي تتحول الانتخابات إلى فرصة وطنية؟؟
الحوار في القاهرة سيحكم على الانتخابات ما إذا كانت ستسير في طريقها الصحيح أم أنها ستنزلق إلى واد سحيق!!