رحلة إلى المجهول.. فتحات الجدار مصائد العمال الفلسطينيين

فتحات جدار الفصل العنصري مصائد للعمال الفلسطينيين
فتحات جدار الفصل العنصري مصائد للعمال الفلسطينيين

بحلول الساعة الواحدة والنصف فجرا يغادر العامل الفلسطيني (ع.ك) منزله في رحلة يومية محفوفة بالمخاطر، سعيا وراء لقمة عيش كريمة عله يجدها داخل الأراضي المحتلة عام 1948.

يتجه (ع.ك) كما آلاف العمال الفلسطينيين إلى فتحات في جدار الفصل العنصري الجاثم فوق أراضي الضفة الغربية، لاجتيازها باعتبارها معبرهم الوحيد إلى داخل الأراضي المحتلة، لكن هذه الرحلة في عتمة الليل، غالبا ما تعرقلها رصاصات وقنابل غازية سامة يمطرهم بها جنود الاحتلال، الذين يراقبون الفتحات باستمرار.

ويصف العامل (ع.ك)، الذي فضل عدم ذكر اسمه، محاولة التسلل عبر الجدار، بأنها "رحلة إلى المجهول"، كما جاء في حديثه مع موقع "زوايا"، موضحا أنهم قد ينجحون بالوصول إلى عملهم في تمام الساعة الثالثة أو الخامسة فجرا، وفي غالب الأوقات تبوء محاولاتهم بالفشل، ويعودون أدراجهم إلى البيت.

لماذا فتحات الجدار؟

وما يدفع آلاف العمال الفلسطينيين إلى التسلل عبر فتحات جدار الفصل العنصري للوصول إلى الأراضي المحتلة هو "إغلاق الاحتلال للمعابر، ومنع دخول العمال بشكل رسمي"، بحسب ما قاله العامل الفلسطيني، خاصة في ظل شح فرص العمل، وارتفاع نسب البطالة في المناطق التابعة لسيطرة السلطة الفلسطينية.

وكانت سلطات الاحتلال قد أغلقت المعابر مع الضفة الغربية، وأوقفت دخول العمال بما فيهم حملة "تصاريح العمل"، وسمحت فقط لعمال الصناعة والخدمات بالتنقل اليومي وعمال البناء والزراعة بالمبيت في الداخل.

وأدى توقف أكثر من 66 ألف عامل عن العمل خلال العام 2020، إلى ارتفاع معدل البطالة الى 27.8 بالمئة، وفق تقديرات جهاز الإحصاء الفلسطيني، الذي أوضح أن عدد العاملين لدى الاحتلال والمستوطنات انخفض بحوالي 34 ألف عامل، بسبب إجراءات الحد من فيروس كورونا.

اجتمعت هذه الأسباب لترهق كاهل العمال الفلسطينيين في سعيه وراء لقمة العيش، ويقول العامل (ع.ك): "نرى الموت كل يوم عدة مرات"، موضحا أن رحلة العذاب اليومي "لا تتكلل بالنجاح في اجتياز الجدار والحصول على عمل، ففي بعض الأشهر لا يعملون سوى عشرة أيام، وأحيانا تزيد إلى عشرين يوما خلال الشهر".

ولم يغب مشهد العامل الشهيد فؤاد جودة عن مخيلة العامل (ع.ك)، حيث كان بجواره عندما سقط أرضاً عند فتحة الجدار في بلدة فرعون قرب طولكرم شمال الضفة الغربية، أثناء محاولة التسلل للعمل داخل الأراضي المحتلة، وارتقى شهيداً جراء استنشاقه كمية كبيرة من الغاز المسيل للدموع، أطلقها جنود الاحتلال الإسرائيلي صوبهم.

اقرأ أيضا: بالضربة القاضية.. كورونا تفتك بعمال غزة والمساعدات شعارات

ويروي العامل (ع.ك) تفاصيل المشهد، "شهدت منطقة الجدار عمليات كر وفر من مئات العمال، حيث كانت قوات الاحتلال تمطرهم بقنابل الغاز بمجرد الاقتراب من الجدار، وأثناء الفرار استشهد العامل فؤاد جودة 52 عاما، تاركا وراءه أربعة أبناء، أكبرهم يبلغ 10 سنوات".

وفي حين تكافح عائلة العامل جودة من أجل إثبات جريمة الاحتلال بإطلاق الغاز المسيل للدموع الذي تسبب باستشهاد ابنهم فؤاد، فإن معظم هؤلاء العمال لا يتم تعويضهم حال الإصابة أو الوفاة.

وعادة ما تتعرض مجموعات العمال للاعتداء والإهانة أثناء ذهابهم إلى أعمالهم داخل الأراضي المحتلة، فيما يتعرض البعض الآخر إلى إطلاق النار والإصابة أثناء ملاحقة جنود الاحتلال لهم.

ويقول عزمي جودة، شقيق الشهيد جودة لـموقع "زوايا": "إن عائلة شقيقه المكونة من أربعة أطفال صغار باتت بين ليلة وضحاها فاقدة للمعيل، والاحتلال لا يعترف بأية حقوق لهم".

مصائد للعمال

من جانبه، يقول الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر سعد لموقع "زوايا": "إن قرابة 180 ألف عامل فلسطيني يعملون داخل الاراض المحتلة، بينما لا يزيد عدد من يمتلكون التصاريح عن 60 ألف عامل".

ويقدر سعد عدد العمال الذين يضطرون للذهاب عبر فتحات الجدار من 40 إلى 50 ألف عامل بشكل شبه يومي، فيما توجد نحو 40 فتحة في جدار الفصل العنصري يستخدمها العمال في الدخول إلى عملهم في الداخل المحتل.

ويشير سعد إلى أن العمال الذين يضطرون للدخول عبر فتحات الجدار قد يتعرضون بشكل دائم لاعتداء قوات الاحتلال سواء بالضرب أو إطلاق النار وقنابل الغاز التي أدت لاستشهاد العامل فؤاد جودة، وأصابت عدد آخر منهم.

ويؤكد سعد بأن هناك اتصالات مع محامين، من أجل رفع قضية ضد جيش الاحتلال وإثبات وفاة العامل جودة، بسبب استنشاق الغاز المسيل للدموع، حتى يتم تحصيل حقوق العامل، خاصة وأنه استشهد خارج الجدار قبل الدخول للأراضي المحتلة.

ولا يضطر آلاف العمال إلى التسلل عبر فتحات الجدار خلال فترة الإغلاق بسبب جائحة كورونا وحسب، بل أيضا للهرب من دفع أثمان التصاريح المرتفعة، التي يحتكرها "سماسرة التصاريح"، وفق ما رصده تقرير سابق لموقع "زوايا".

ويضطر العمال لدفع نحو 2500 شيكل مقابل الحصول على التصريح من هؤلاء السماسرة، وهو مبلغ كبير يعتبر "استغلالا لحاجة العمال للعمل".

المصدر : الخليل- خاص زوايا
atyaf logo