لم تبرح لعبة الطفل محمد ياسر مكانها من مخيلته قبل أن تقتلع أنياب جرافة الاحتلال "الإسرائيلي" أعمدة خيمة أهله في خربة حمصة الفوقا بالأغوار الشمالية، ليبقى حلمه بامتلاك سيارته الخاصة عندما يكبر وبناء مستقبله في ظروف أفضل حافزا للمضي بمعترك الحياة التي فرضت عليه.
ولم تجف بعد دموع محمد ذو 11 ربيعاً بعدما تناثرت كتبه وألعابه الخاصة بين أنقاض خيمتهم في الخربة التي تعرضت لعملية ترحيل واسعة من قبل قوات الاحتلال.
ويروي محمد لـ "زوايا" رحلة العذاب التي يعيشها يوميا بين نحو 50 طفلا من أطفال التجمع في رحلة الذهاب والعودة من المدرسة وسلوكهم الطرق الوعرة والمسافات البعيدة.
أمل رغم الألم
ويقول محمد بينما يتذكر ما فقده من مقتنيات مادية بين أنقاض خيمته بأنه تعرض لحالة ذهول بعدما وجد منزلهم المكون من الخيام وحظائر الزينكو فلم يتوقف عن البكاء والصراخ، حزنا على ما فقده، لكن دون جدوى.
فمخطط الترحيل والضم تسير به سلطات الاحتلال قدما بتطبيق إجراءات الهدم والتهجير القسري والتضييق على حياة المواطنين على الأرض حتى لو خفت صيته البشع إعلاميا.
ولكن محمد الذي أفقده الاحتلال فرحة لعبة كان اشتراها كسيارة على أمل أن تكبر بكبر حلمه لم تستطع سلطات الاحتلال وجرافاته سلب حلمه بأن يكمل دراسته وينهي دراسة الطب ليبني بيتا اسمنتيا واقتناء سيارة وجرار زراعي، حسبما أبلغ "زوايا".
اقرأ أيضاً.. الأرض والزيتون.. الاحتلال ينكل بميراث الأباء والأجداد
أثار نفسية يتعرض لها الأطفال
بدوره يقول ممثل تجمع حمصة الفوقا ياسر أبو الكباش لـ "زوايا" بأن المعاناة التي يتعرض لها الأطفال في التجمع لا يتحملها الكبار فكيف يمكن لطفل أن يحتمل هذا الحرمان الذي يتعرضون له ؟!
ويتابع بأن أطفال التجمع الذين يفتدون لأبسط مقومات الترفيه في ظل بيئة مهددة لهم بشكل مستمر يمرون بأسوأ الأوضاع النفسية، فليس أبلغ من بكاء طفل فقد لعبته المفضلة، أو آخر لم يجد كراسا مدرسياً.
غياب لمقومات الصمود
ويردف أبو الكباش في الوقت الذي تواصل فيه سلطات الاحتلال شتى الوسائل والسبل للوصول إلى غايتها بالاستيلاء على أراضي التجمع لتسليمها للمستوطنين، فإن الأطفال يفتقدون لأية مقومات معنوية تساهم في تعزيز المواطنين بشكل عام ما ينعكس على تقوية رابط الأطفال بأرضهم.
ويشير أبو الكباش إلى أنه حتى التواجد أو الزيارات للتجمع يمكن أن تسهم في تعزيز الصمود ورفع معنويات الأطفال والأهالي بشكل عام حتى لا تبقى شعارات تعزيز الصمود مجرد شعارات فقط.
مطامع استيطانية وراء الاستهداف للتجمع
آلاف الدونمات الزراعية الخصبة التي تتوسطها خربة حمصة الفوقا والبقيعة هي الآن في مرمى الطمع الاستيطاني والاستيلاء على خيرات هذه الأرض.
وينبه أبو الكباش بأن هذه الظروف المناسبة للزراعة وخصوبة الأرض في وجه الاستهداف الاسرائيلي والتي تتعرض لكثير من الزيارات والجولات من قبل المستوطنين لاستكشاف اللحظة المناسبة للانقضاض عليها بعد ترحيل المواطنين.
ويوضح أبو الكباش بأن هذا الخطر الحقيقي وراء عمليات الهدم والتهجير الذي يعايشه الطفل الفلسطيني وضعه في وضعية تحت الضغط والخوف بشكل دائم.
الأغوار في قلب العاصفة
يقول الحقوقي عارف ضراغمة لـ "زوايا" إن الاحتلال الاسرائيلي ينفذ يوما بعد يوم مخطط الضم والاستيلاء على اراضي المواطنين دون استثناء، فمخطط ضرب الوجود يأتي من اغلاق فسحة الأمل في وجه الأطفال حتى يضطروا الى ترك الأغوار والبحث عن حياة أكثر أمنا.
ويضيف ضراغمة بأن ما مجموعه 36 تجمعا وخربة في الاغوار الشمالية والوسطى مهددة بالترحيل بشكل كامل، مضيفا بأن نحو 300 اخطار بالهدم مجموع قرارات الاحتلال بحق منشآت المواطنين.
ويتابع ضراغمة بأن الأطفال هم الأكثر تضررا بفعل سياسة الاحتلال والتي تفقدهم حقهم في الحياة اولا وليس فقط الحياة والعيش بكرامة.
مخلفات الاحتلال الخطر الدائم
ويوضح ضراغمة بأنه إضافة لسياسة الهدم المستمرة في الأغوار فعمليات التدريب العسكري في مضارب ومراعي المواشي ليست بأقل خطورة من ذلك.
ويشير ضراغمة إلى إصابة نحو 22 مواطنا بينهم 15 طفلا نتيجة مخلفات الاحتلال وانفجارها فقد استشهد ايضا خلال العامين الماضيين 4 مواطنين بينهم طفلان.
الضم التدريجي
ويكشف مسؤول برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال فرفع فلسطين عايد أبو قطيش إلى أن الضم التدريجي الذي تمارسه "إسرائيل" من خلال عمليات الهدم والترحيل لا يشكل خطرا على الأطفال فحسب من حيث فقدان مستوى المعيشي بل أيضا يفقدهم حقهم بالتعليم.
ويضيف في حديث لـ "زوايا" بأن الأطفال يتعرضون لخطر مستمر بفعل سياسات الاحتلال "الإسرائيلي" في الأغوار، فقد أصبح أكثر من 50 طفلا في تجمع حمصة الفوقا دون مأوى بعد تنفيذ عملية هدم واسعة لمنازل المواطنين المكونة من الخيام والصفيح فقط.
ويتابع أبو قطيش بأن التضييق على حياة المواطنين وعمليات البناء ينعكس على حياة الأطفال وحرمانهم من التعلم في مدارس أمنة ومبنية من الإسمنت كباقي أطفال العام، ولذلك فإن مجمل سياسات الاحتلال من هدم ومنع وصول المياه منع بناء المدارس تشكل عاملا نفسيا صعبا على الأطفال في الأغوار بشكل عام.