حاكمية سيد قطب رحمه الله

خاص زوايا: بقلم- جميل عبد النبي


تدور فكرة سيد قطب رحمه الله، والتي دعا إليها ونظر لها في كل كتاباته تقريبا، حول مقولة: أن الحكم لله.


طبعاً هو يعتبر أن المقصود في الآيات التي تناولت مصطلح الحكم، بأنه ما يعرف الآن بنظام الحكم، أي الدولة.


وهو يؤكد دائماُ أن التشريع للدولة وغير الدولة هو حق خالص لله، وأن التشريع البشري مظهر من مظاهر الشرك بالله، والاعتداء على ما يجب أن يكون خالصاً له وحده سبحانه وتعالى.


وشخصياً أوافق على هذا الكلام بشدة، إن كان مدعو التشريع يفعلون ذلك باسم الله، ويعنونون تشريعاتهم باسم الحلال والحرام الديني، حيث الله وحده هو صاحب الحق في التشريع الديني، أو التحليل والتحريم الديني، ولقد قال سبحانه:" ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام، لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون".


الآن دعونا نسأل: أي الدول هي التي تمارس التشريع الديني، وتعتدي على ما هو حق خالص لله؟ الدول الدينية، أم الدول المدنية؟


مبدئياً لا يمكن لأي دولة كانت أن تستغني عن التشريع وسن القوانين، وهذا ما حدث في كل دول العالم التي عرفها التاريخ القديم والحديث على حد سواء، فهي لا تستطيع إلا أن تسمح وتمنع وتقيد وفق ما تقتضيه المصلحة.


لكن ما حدث- وما سيحدث- في الدول الدينية أنها تسن قوانينها تحت عنوان الحلال والحرام الديني، بمعنى أن مشرعيها من الفقهاء ورجال الديني يمارسون فعلا حق التشريع الديني، بينما في الدول المدنية تمارس مجالسها النيابية أيضاً حق التشريع، لكنها لا تفعل ذلك باسم الله، ولا تصف أوامرها بالحلال والحرام الديني، إنما بالممنوع والمسموح الدنيوي، المرتبط بمصلحة مؤقتة، سرعان ما تتراجع عن تشريعاتها إن اكتشفت خطأها، أو تجاوزها الزمن، لكن هذا لا يحدث مع تلك التي تشرع باسم الله، حيث من غير المنطق أن نصدر حكماً بالتحريم يترتب عليه عقاب أخروي، ثم نعود للناس بعد فترة لنقول لهم: الآن سيكف الله عن عقابكم على ما كان يعاقبكم عليه، لأننا عدلنا الحكم من الحرام إلى الحلال..!


اقرأ كتًاب زوايا: مجمود جودة يكتب.. زيت غزة

هذا ناهيك عن وجود مفتين آخرين قد لا تأخذ بقولهم الدولة، سيبيحون ما يحرمه غيرهم، وكأننا- حاش لله- ندخل الله في حيرة، فبأي الأقوال عليه أن يأخذ، وعلى أساس أي منها سيحاسب عباده؟! أم أنه سبحانه سينحاز دائماً إلى ما انحاز إليه السلطان..! تعالى الله عن ذلك علواًكبيراً.


أي الدول إذن هي التي تعتدي على حق الله في التشريع الديني، الدول الدينية، أم الدول المدنية؟


لو أخذنا بمنطق سيد قطب رحمه الله، لوصلنا إلى نتيجة مخالفة تماماً لما توصل إليه هو، فالدولة التي يدعو لها هو هي التي تشارك الله في التشريع، بينما الدولة التي شن عليها حربه تتحرك فقط فيما أبقاه الله للناس من دائرة المباح الواسعة، لتسمح وتمنع وتقيد دنيوياً، وليس دينياً.


ملاحظة أخرى مهمة في ذات السياق:


إن القول بأن الحكم لله وحده، وأن معنى كلمة الحكم التي ذكرت في النصوص القرآنية مثل" إن الحكم إلا لله" تعني الدولة، يستدعي بالضرورة وجود نصوص إلهية كافية لتغطية احتياجات الدولة، بينما واقع الأمر ليس كذلك أبداً، حيث لا تغطي النصوص التشريعية في القرآن الكريم سوى مساحة ضيقة جداً من احتياجات الدول، حتى القديمة منها، ما يعني أن هناك حاجة ماسة لملئ منطقة الفراغ التشريعي، والتي نزعم نحن أن الله تركها عمداً وليس سهواً ضمن دائرة الحلال، تجنباً للتضييق على حياة الأجيال التالية، التي لا تشبه في تفاصيلها حياة جيل التنزيل، ما يستدعي بالضرورة أيضاً حاجة كل جيل لأن يشرّع لنفسه ما يراه مناسباً، والخطر كل الخطر في أن يتم ذلك باسم الله، حيث عندها ستعتبر الدولة مخالفيها، أو معارضيها كفاراً خارجين عن دين الله، ورافضين لحكمه..!إن التشريع الدنيوي حق دنيوي، يمارسه الناس باسم الدنيا، وليس باسم الدين، وهذا ما يجب أن يكون، ما يعني أن الدولة المدنية التي لا تدعي الحكم باسم الله هي التي يمكن وصفها بغير المشركة، لأنها لا تشارك الله في التشريع الديني، بخلاف تلك التي تجعل من مقولات رجالاتها أحكاماً إلهية لا تجوز مخالفتها.

مواضيع ذات صلة

atyaf logo