لماذا لا يوجد نِدّ قويّ لنتانياهو في إسرائيل؟

خاص زوايا: بقلم - اليف صباغ


بعد ثلاث محاولات انتخابية فاشلة لاٌستبدال نتانياهو في منصب رئاسة الحكومة الإسرائيلية، من خارج الليكود، تأتي المحاولة الرابعة من داخل الليكود، بعد انشقاق جدعون ساعر عن بنيامين نتانياهو، ويبدو ان السؤال الأهم، هل حقا لا يوجد بديلا لنتانياهو في إسرائيل؟ ولماذا؟


في الوقت ذاته، بالرغم من فشل معارضيه، لا بد ان نسأل لماذا يفشل نتانياهو نفسه، كل مرة، بالحفاظ على حكومته؟ فمجرد حصول ثلاث جولات انتخابية والاستعداد لجولة رابعة خلال 23 شهرا، دون حسم او إشارات للحسم، في الجولة القريبة، يشير الى عمق الأزمة السياسية، او الحالة العبثية، التي تعيشها إسرائيل.


لكي نفهم ذلك، لا بد من الإجابة على السؤال: ما هي العوامل التي توجه الناخب الإسرائيلي اليوم عند اختياره لقياداته؟ مع التأكيد ان الشخصية القيادية أصبحت عاملا أساسيا لاختيارات الناخب في العقود الأخيرة، ليس فقط في إسرائيل، وانما على المستوى الدولي أيضا. وان منصب رئيس الحكومة في إسرائيل يحمل في طياته أهمية كبرى، بصفته أعلى منصب تنفيذي، وهو صاحب القرار الأول في الدولة.


جوابا على ذلك، يلاحظ المراقبون ان اختيار الناخب الاسرائيلي يتأثر بأربعة عوامل أساسية. أولهم هو شخصية رئيس الحزب، أو رئيس القائمة للكنيست وسلوكياته السياسة والاعلامية والإدارية، وعندما يكون تصويب القائمة على رئاسة الحكومة، يكون المقياس، أيضا، هو هوية رئيس الحكومة القادمة، في مراجعة بسيطة نجد ان كل من تم اعتماده مرشحا بديلا لنتانياهو فشل في ذلك وكان آخرهم بيني غانتس، الذي حصل حزبه على 35 مقعدا وكان بإمكانه، عدديا، تشكيل حكومة.


اقرأ كتًاب زوايامحمود جودة يكتب.. زيت غزة

لكن ليس هذا هو العامل الوحيد، اما العامل الثاني، الذي يميز هذه الجولة خلافا للجولات الثلاث السابقة، هو سيطرت جائحة كورونا على الحياة العامة وفشل الحكومة في معالجتها، مع تزايد الشكوك حول إمكانية إيجاد حلول حقيقية لتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، وهنا يتساءل الجميع، هل يوجد لأي حكومة بديلة برنامجا بديلا لمواجهة الجائحة ومعالجة تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية؟ يدرك المواطن ان حكومة نتانياهو فشلت في ذلك، وان نتانياهو أدار حملة مواجهة الجائحة وفقا لمعايير لم تغب عنها مصالحه السياسية الذاتية، ولكن المواطن لا يصدق بأن حكومة بديلة لديها برنامجا بديلا وحقيقيا لمواجهة الجائحة ومعالجة تداعياتها.


يأتي بعده العامل السياسي وعلاقات إسرائيل الخارجية، ليلعب دورا كبيرا أيضا في توجهات الناخب الإسرائيلي، فيجد ان نتانياهو قد قاد إسرائيل خلال رئاسة ترامب، وحقق بدعم امريكي منقطع النظير ما لم يحلم في تحقيقه أي سياسي إسرائيلي، واستطاع ان يحقق تعاونا اقتصاديا وامنيا، وحتى تحالفا استراتيجيا مع دول عربية غنية ينتظر منها الاقتصاد الإسرائيلي استثمارات كبرى وثمارا تحقق لإسرائيل ازدهارا اقتصاديا وتقدما علميا، وهيمنة سياسية وامنية في الشرق الأوسط، دون ان تتنازل للشعب الفلسطيني عن شبر من الأرض المحتلة، بل يرى غالبية الإسرائيليين ان مثل هذه التحالفات مع الأنظمة العربية ستقضي على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، وهو انجاز استراتيجي يعيده الاسرائيليون لحساب نتانياهو شخصيا.


أما الوضع الأمني، الذي شكل العامل الأهم في العقود الماضية فقد تحول الى عامل رابع في أهميته، وفق ما تبينه استطلاعات الرأي العام، يستخدمه نتانياهو لتخويف الإسرائيليين، وزيادة تمسكهم بالقائد القوي، وصاحب العلاقات الدولية الأوسع، في حين يعترف الجميع بأن إسرائيل في أفضل حالاتها الأمنية، لأن أحد من اعدائها الإقليميين لا ينوي شن أي هجوم عليها بسبب انشغال كل طرف بأزماته الداخلية المتفاقمة.


أما الطرف الفلسطيني وهو الهاجس الأكبر في ذهن المواطن الإسرائيلي، فلا يشكل أي خطر طالما ان التنسيق الأمني قائم والرئاسة الفلسطينية ضامنة بمنع أي تحرك جماهيري او فردي ضد الاحتلال.


يضاف الى تلك العوامل الأربعة، التي ذكرناها، عاملا خارجيا يقف أمام المعارضة عند وقوفها امام مهمة تشكيل الحكومة، وهو استعدادها للاستعانة بالنواب العرب لتشكيل الحكومة. من شدة عنصريتها، نجدها على استعداد للتنازل عن رئاسة الحكومة، ولا ان تعتمد على النواب العرب في تشكيلها، في تأكيد يعود على نفسه كل مرة، ان العنصرية المتجذرة في نفوس الأحزاب الصهيونية تشكل اجماعا بينهم مهما بلغت خلافاتهم وصراعاتهم. وهو العامل الذي يجعل الصراع على رئاسة الحكومة عبثيا.


إذا كانت كل العوامل، التي ذكرت أعلاه، تصب في صالح نتانياهو، إذن، علامَ يقوم خطاب المعارضة لإسقاط نتانياهو؟ الجواب، يقوم خطاب المعارضة على عامل واحد وهو سلوك نتانياهو الشخصي، وما يرتبط به من ملفات قضائية في المحاكم الاسرائيلية بدعوى الفساد وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة، وتوجهاته الإدارية في الحكم لتقليص صلاحيات المحكمة العليا، وتغيير قوانين أساس بهدف تقليص الديموقراطية لصالح الفرد، رئيس الحكومة، ومصادرة القوة الكامنة في الدولة العميقة، لصالح القرارات الفردية التي لا تخلو من مصالح شخصية وإشاعة الفساد في الحكم.


لهذا السبب يتهمه معارضوه بانة يحاول امتلاك الدولة دون أن يعير وزنا للمؤسسات الرسمية التي اعتادت ان تُسمِع صوتها فيسمعه رئيس الوزراء ويعمل بموجبه، وقد أبدى مراقب الدولة، في تقريره السنوي الأخير، قلقه من وجود 35 قناة تعمل في السياسة الخارجية، خارج توجيهات الوزير، وانما بتوجيهات مباشرة او غير مباشرة من نتانياهو نفسه. مع ذلك يلتف حول نتانياهو الجزء الاكبر من اليمين الصهيوني. فكيف نفهم ذلك؟


يشير المراقبون ان نتانياهو يتلقى دعما غير عقلاني من قوى اجتماعية لا تعير للقيم الديموقراطية أهمية في حياتها السياسية والاجتماعية، ولا ترى بالفساد آفة تهدد مصير الدولة، وهم يسمون ب"إسرائيل الثانية".


المقصود في ذلك، ان إسرائيل الأولى هم المهاجرون الأوائل الذي حملوا معهم قيم الديموقراطية الغربية والشفافية في الحكم والاحتكام الى القانون، وتقديم مصلحة الدولة على المصالح الشخصية، بينما تتمثل إسرائيل الثانية بالمهاجرين الشرقيين الذي أتو من أنظمة ملكية او غير ديموقراطية، تقدس الشخص أكثر من تقديسها للمؤسسة، وهذا ينسجم، ليس فقط مع تراثهم السياسي، وانما مع التوجه الدولي في العصر الحاضر ايضا، باعتبار الشخصية الكارزماتية أهم العوامل الجاذبة للناخب، حتى في المجتمعات الديموقراطية، إضافة الى ذلك يحظى نتانياهو بدعم من القوى المتدينة، خاصة المتزمتة منها، لأن معيار المصلحة الفئوية لدي هؤلاء يتقدم على كل معيار آخر، بما فيهم معيار القيم الديموقراطية التي لا يعترفون بها أصلا، بل يشكل ايمانهم بحتمية ظهور ملك إسرائيل داعما لسلوكهم ومواقفهم السياسية. ويمكن ان نضيف الى هذه الفئة وتلك، قوى يمينية خطيرة، منظمة ومتنفذة جدا، وهم المستوطنون، الذين لا يجدون بين القيادات الإسرائيلية أي قائد افضل من نتانياهو، مهما بلغت انتقاداتهم له بالتقصير، وهذه الانتقادات لا تنبع من التقصير الفعلي بقدر ما تنبع من طموحاتهم التي لا تعرف الحدود.


أصبح واضحا إذن، ان أي بديل لنتانياهو لن يأتي ببرنامج سياسي بديل، فالصراع ليس بين يمين ويسار، وليس بين برنامجين وانما بين قوى اليمين ذاتها، من هو الأكثر يمينية، مع اختلاف على شخصية القائد وطريقة حكمة وطموحاته لتعزيز الدولة العميقة أو مصادرتها.


في الأزمات تبحث الجماهير الخائفة عن الرجل القوي للاحتماء به، وهنا لا يجد الناخب الإسرائيلي أي اليهودي شخصية اقوى من نتانياهو لقيادة الدولة، وعليه فهو مستعد ان يتغاضى عن ملفات الفساد الموجهة ضده، بل يرى به عاملا أساسيا لتعظيم الدولة وتعظيم الدور اليهودي في المنطقة، وحتى في العالم، الأمر الذي يتساوق مع الإيمان الديني لدور اليهود بين الاغيار، ليكونوا "شعلة للأغيار"، وفوق الشعوب الأخرى.


هذا الشعور المسيطر في الشارع اليهودي، متدينين ومحافظين وحتى علمانيين، ويروج له نتانياهو في خطابه اليوم باستخدام عبارات "العظمة الإسرائيلية"، "إسرائيل دولة تكنولوجية عظمى" و"صاحبة المرتبة الأولى عالميا في أخذ اللقاح" وان "زعماء العالم يتصلون به للتشاور" وما الى ذلك من ادعاءات، خاصة بعد الخضوع المهين لعدد من الحكام العرب من ملوك وأمراء له، الأمر الذي يرى به الاسرائيليون "تحقيقا لوعد من الله"، وبفضل سياسة نتانياهو وشخصيته القوية.


إذا ما استطاع نتانياهو ان يحافظ على هذه الإنجازات في ظل الإدارة الامريكية الجديدة، وهي قناعات راسخة في اذهان الإسرائيليين، حتى بين معارضيه ، واستطاع ان يمنع الإدارة الجديدة، بمساعدة عربية، من العودة الى الاتفاق النووي مع ايران الا بشروط إسرائيلية، فكيف إذن سيتركه اتباعه ومؤيدوه، ويبحثون عن بديل له؟

مواضيع ذات صلة

atyaf logo