تقرير العمال بين إذلال الاحتلال وابتزاز "سماسرة التصاريح"

عامل فلسطيني
عامل فلسطيني

لم تعد معاناة العمال الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948 مقتصرة على استفزازات جنود الاحتلال لهم خلال رحلتهم اليومية بحثا عن لقمة العيش، بل أضيف لها مرارة جديدة عنوانها استغلال حاجتهم للعمل من قبل فئة يُطْلِقون عليهم اسم "سماسرة التصاريح".

بتنهيدة يملؤها الألم يروي العامل الفلسطيني "ن.م"، من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، حكايته مع "سماسرة التصاريح"، الذين يشترون تصاريح العمل داخل الأراضي المحتلة من مشغلي الشركات الإسرائيلية، ثم يبيعونها للعمال الفلسطينيين بثمن أعلى بكثير.

ويقول العامل "ن.م" لموقع "زوايا"، طالبا عدم نشر اسمه خشية حرمانه من التصريح، "أضطر لشراء التصريح من السماسرة رغم علمي بعدم قانونية ما يقومون به".

وأوضح أن "التصريح الحر" غير المرتبط بمشغل معين، يتيح له الحصول على أجرة يومية أفضل، لأن المشغل لا يتحمل أي تبعات حقوقية والتصريح غير مسجل باسمه، إضافة إلى أن التصريح الحر يتيح له التنقل في أي مكان عمل يراه مناسبا لمصلحته.

والمشكلة الحقيقية بالنسبة للعامل "ن.م" وكثير من العمال أمثاله أنهم يضطرون إلى دفع 120 شيكلا، أي ما يعادل (36 دولار) يوميا مقابل التصريح، سواء عمل به أو لم يعمل، منبها العامل إلى أن فرصة العمل بشكل يومي غير متاحة دائما.

وتأتي هذه المعاناة لتضاف إلى تضرر العاملين في الداخل المحتل خلال العام الماضي بسبب جائحة كورونا، وما صاحبها من إجراءات الإغلاق.

لا حقوق للعمال

من جهته، ذكر المقاول الفلسطيني، كامل الشرحة، أن أكثر من 20% من العمال الفلسطينيين في الداخل المحتل يحصلون على تصاريحهم من خلال "سماسرة التصاريح".

وفي حديثه لموقع "زوايا"، أكد الشرحة على أن الحصول على تصريح عمل من خلال السماسرة هو "إجراء غير قانوني، ويُفْقِد العمال الكثير من حقوقهم العمالية، أبسطها إذا ما أصيب عامل في إحدى الورشات، التي يعمل بها، ولم تكن الورشة تابعة للشركة التي صدر عنها التصريح، فإنه يُحرم من كافة حقوقه المتعلقة بالعلاج والتعويض".

اقرأ أيضا: ولويل يدعو الحكومة لتعزيز المنتج الوطني والتعامل بالمثل مع إسرائيل

وأوضح الشرحة أن تصريح أي عامل يعمل لدى شركته يكلفه 1800 شيكل، في وقت يبيع فيه "سماسرة التصاريح" التصريح للعمال الفلسطينيين بـ2500 شيكل، ولا يتعرفون على العامل إذا ما حدث له أي إشكال في العمل، ولا يحصل على أي من حقوقه، التي تمنح له إذا كان تصريحه من خلال مشغل قانوني.

 محاربة السماسرة

ويكشف رئيس اتحاد نقابة عمال فلسطين في مدينة يطا جنوب محافظة الخليل، سمير حريزات أن لديهم ما يثبت أن تكلفة تصريح عامل البناء عند الاحتلال الإسرائيلي يكلف 470 شيكل، في وقت يبيعه "سماسرة التصاريح" بـ2500 شيكل، مؤكداً أن ذلك غير قانوني، والاتحاد يعمل بكامل طاقاته من خلال مكاتبه المنتشرة في الوطن لمحاربة هؤلاء.

ويضيف أن الأخطر من ذلك هو ما يسمى في الآونة الأخيرة "حق اللجوء السياسي"، حيث يقوم العامل وعائلته بالدخول إلى الاحتلال الإسرائيلي بطريقة غير قانونية، ويدفع مبلغ 17 ألف شيكل لحكومة الاحتلال الإسرائيلي عن طريق شركات خاصة، وبناء عليه يصبح مقيماً في دولة الاحتلال، دون حسيب أو رقيب، موضحاً أن أكثر من 2500 حالة في محافظة الخليل لوحدها على هذه الشاكلة.

 ويبين أن حكومة الاحتلال استحدثت ما يسمى النقابة الوطنية المنفصلة عما يعرف بــ"الهستدروت" (نقابة العمال عند الاحتلال)، وتقوم هذه النقابة بتوقيع العمال الفلسطينيين عند المعابر على استمارات معظم ما جاء فيها "يحرم العامل الفلسطيني من حقوقه، وذلك بطرق ملتفة على القانون دون علم العامل".

ويلفت حريزات إلى أن الوضع الطبيعي أن يقوم العامل الفلسطيني بفحص ما إذا كان ممنوعاً من الدخول إلى الاحتلال الإسرائيلي أم لا، وأن يتقدم بطلب تصريح بحث عن عمل يمنح خلاله العامل تصريحاً لمدة شهرين من خلال الارتباط المدني دون أية مقابل.

إلا أن "الجديد والخطير"، وفقا لحريزات، هو قيام شركات إسرائيلية خاصة بأخذ مبلغ 500 شيكل غير مستردة، لفحص ما إذا كان العامل ممنوعاً من الدخول إلى الاحتلال الإسرائيلي أم لا، ومبلغ 1000 شيكل غير مستردة، لحصول العامل على تصريح بحث عن عمل لمدة شهرين، الأمر الذي يستطيع العامل القيام به مجاناً من خلال الارتباط المدني، كاشفاً أن لديهم من الوثائق ما يثبت صحة حديثه.

 50 ألف عامل يعملون بشكل غير قانوني

وتبين مدير عام تنظيم العمل الخارجي في وزارة العمل الفلسطينية، أسماء حنون، أن 84 ألف عامل فلسطيني يعملون داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي بتصاريح عمل، فيما يعمل 50 ألفا آخرون بشكل غير قانوني، إضافة إلى 40 ألف عامل يعملون داخل المستوطنات.

وفي حديثها لموقع "زوايا"، توضح حنون أن سماسرة التصاريح ينقسمون إلى ثلاثة أقسام، الأول والثاني منهم يحملون هويات "إسرائيلية"، والفرق بينهم أن الأول هو نفسه صاحب العمل وسمسار في آن واحد، فيما الثاني ليس بصاحب عمل بل هو الواسطة بين صاحب العمل والعامل، ويزودهم بالعمال بين الحين والآخر ويتقاضى مالاً على كل عامل يجلبه لأصحاب العمل.

أما النوع الثالث، وهو الأكثر خطورة بحسب حنون، هم السماسرة حملة الهوية الفلسطينية، وهم الذين يتواصلون بشكل مباشر مع العمال ليكونوا حلقة وصل سواء مع صاحب العمل الإسرائيلي أو "السمسار الإسرائيلي"، ويتقاضون المال من العامل الفلسطيني حيث يكلف التصريح الواحد للعامل ثلاثة آلاف شيكل، يعطي 1100 شيكل منها لصاحب العمل، ويأخذ السمسار ما تبقى من ثمن التصريح.

اقرأ أيضا: محنة الإعلام.. الصحفيون تحت مقصلة المال

وكشفت حنون عن سلسلة خطوات قامت بها وزارة العمل الفلسطينية لمحاربة هذه الظاهرة، تمثلت في تشكيل هيئة دفاع من مجموعة محامين تم دعمهم من وزارة العمل وعدد من المؤسسات الدولية بمبلغ 120 ألف دولار، لرفع قضايا في محاكم الاحتلال الإسرائيلي، لإنصاف العمال المتضررين الذين سلبت منهم حقوقهم.

وأفادت أن أولى هذه القضايا سترفع للمحكمة الإسرائيلية، بعد انتهاء فترة الإغلاق في دولة الاحتلال، تخص عاملا فلسطينيا من الخليل.

خطوات وزارة العمل وجهود اتحاد نقابات عمال فلسطين في وقوفهم بجانب العامل لصون حقوقه "غير كافية"، بحسب مؤسسات حقوقية، في ظل عدم توفر إرادة سياسية وبلورة خطة واضحة المعالم، تكون أولى خطواتها على الأقل تطبيق ما جاء في بروتوكول باريس الاقتصادي في الجانب المتعلق بتنظيم العلاقة بين السلطة الوطنية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي فيما يخص العمال، وورد ذكرها في البنود من (37 إلى 49).

 وأمام الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه الفلسطينيون، وارتفاع نسبة البطالة في الأراضي الفلسطينية، يضطر العمال للعمل داخل الأراضي المحتلة، بشتى السبل من أجل توفير قوت أبنائهم، وهو ما يستوجب من الحكومة ملاحقة هؤلاء السماسرة من الفلسطينيين قانونياً.

المصدر : رام الله- خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo