حوار السفير أحمد الرويضي: القدس منكوبة والعرب لا يكترثون

السفير أحمد الرويضي
السفير أحمد الرويضي

أكد ممثل منظمة التعاون الإسلامي السابق في فلسطين، السفير أحمد الرويضي، أن مدينة القدس منكوبة، جراء ما تتعرض له من ممارسات إسرائيلية عنصرية، وفق مخطط معد ومدروس منذ احتلالها بالكامل عام 1967م، يهدف إلى عزلها عن التواصل مع أراضي الضفة الغربية، كي لا تكون عاصمة للدولة الفلسطينية.

وأوضح الرويضي في حوار خاص مع موقع "زوايا"، أن الاحتلال الإسرائيلي عندما احتل الجزء الشرقي من المدينة وأصبحت تحت سيطرته بشكل كامل، شرع بتنفيذ مخططات التغيير للواقع الإسلامي والمسيحي في المدينة، ومحاولة استبداله بإرث يهودي مصطنع فيها، من خلال هدم باب المغاربة، لما يمثله من إرث عربي وإسلامي لاستبداله بإرث يهودي.

التشريد والهدم يلاحق المقدسيين

الاحتلال الإسرائيلي يهدم أحد منازل الفلسطينيين

وتابع الرويضي بأن الاحتلال يعمل على تقليص أعداد المقدسيين، الذين يشكلون ما نسبته 40% من سكان المدينة، للحفاظ على التفوق الديموغرافي للمستوطنين.

وهذا التقليص قائم على طرد المقدسيين، وتعقيد إمكانية التوسع العمراني، وسياسة الهدم والضرائب والغرامات، والتعامل بشكل عنصري معهم، ورفع كلفة إقامتهم في المدينة ماليا، في مقابل تسهيل تواجد المستوطنين، بهدف دفع المقدسيين إلى الخروج من المدينة لتصبح نسبتهم لا تتعدى 15%.

وأشار إلى أن الاحتلال طرد نحو 5500 عائلة من مدينة القدس، بهدف إقامة مناطق وأماكن تخدم الرواية اليهودية بخلاف ما كان قائما، إلى جانب المباشرة بحفريات أسفل البلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك.

وكشف الرويضي أن هناك نحو 20 ألف منزل فلسطيني بالقدس مهدد بالهدم، وعليها قضايا في المحاكم الإسرائيلية أو لديه مخالفات معينة، ما يعني أن المنازل المهددة بالهدم وتلك التي عليها مخالفات سوف تهدم، لأنه لن يكون بمقدور المواطنين دفع هذه المخالفات المرتفعة.

ويتابع بأن دفع الترخيص لن يكون بمقدور الغالبية من أهالي القدس، في الوقت الذي يحتاج فيه المواطن لبناء منزل، لا يتجاوز مساحة 100 متر، أكثر من 100 ألف دولار للحصول على الترخيص.

ويشير الرويضي الى أن هذه الضرائب والمبالغ تزيد من الأعباء على المواطن المقدسي، الذي يبحث عن الحفاظ على هويته المقدسية، وحقه في الإقامة فيها، مما يضطرهم إلى البناء بشكل مخالف، أو أن يقيم في محل، أو غير ذلك، من أجل الاحتفاظ بحق الإقامة.

وأوضح أن الاحتلال سهل عملية البناء في مناطق شمال القدس، ما شجع المواطنين على الإقامة فيها، وبعد ذلك أصدر الاحتلال قرارات تتعلق بإثبات الإقامة للحفاظ على الهوية المقدسية وسحب الهويات، وهذا جعل المقدسيين يعودون للسكن في المدينة رغم الأوضاع الصعبة التي يمرون بها، ولكن من أجل إثبات السكن، يضطر المواطن للبناء أو الإقامة حتى لو كان "بدون تراخيص".

اقرأ أيضا: الحرم الإبراهيمي بالخليل في قلب عاصفة التهويد

ونبه الرويضي إلى أن معدل عمليات الهدم في القدس شهريا هو من 40 إلى 60 منشأة، وظهرت عمليات الهدم الجماعي التي يستخدمها الاحتلال، لهدم أحياء كاملة مثل وادي الحمص، وكذلك نحو 80 منزلا في سلوان، ونحو 28 منزلا في الشيخ جراح، لإقامة 250 وحدة استيطانية مكانها، وغيرها من النماذج الكثير.

وأكد على أن المقدسيين بحاجة إلى نحو 25 ألف وحدة سكنية، لمجاراة التطور الديموغرافي للسكان، وهو ما يعمل الاحتلال على منعه بشتى السبل، من خلال الإجراءات التي يمارسها على المقدسيين من تمييز عنصري تمنعهم من البناء والحصول على التراخيص بأسعار معقولة، في المقابل يُسهل على المستوطنين البناء ويقدم لهم كل مقومات الوجود.

وحول الضرائب المفروضة على المقدسيين، أفاد الرويضي أن المواطن المقدسي يدفع الضرائب المطلوبة منه للبلدية وكل المؤسسات، لكنه في المقابل لا يتلقى من الضرائب المفروضة عليه سوى 12% من الخدمات، بينما يتم استخدام تلك الضرائب لصالح المستوطنين.

وفي الوقت الذي يضطر فيه الفلسطيني لدفع ما يزيد عن 17 ألف شيكل سنوياً ضرائب ما تعرف بـ "الإرنونا"، فهو لا يتلق الخدمات الأساسية ولا البنية التحتية المكافئة، كما قال الرويضي.

وأشار السفير السابق إلى أن بعض المناطق في المدينة، التي يقطنها فلسطينيين، تفتقر إلى الطرق المعبدة أو الصرف الصحي، وكذلك يمنع الفلسطينيون من إقامة الملاعب أو الحدائق، علما بأن بلدية الاحتلال تشرف على شرقي وغربي القدس، ولكنها تستخدم التمييز في ذلك، وبالتالي عندما تأخذ الضريبة من المواطن ولا تعطيه خدمات، إذا فهي وسيلة للضغط عليه من أجل طرده.

في ذات السياق، أوضح الرويضي أن الاحتلال يستهدف المؤسسات الفلسطينية في القدس وهي مؤسسات خدماتية واجتماعية وتعليمية وصحية، وأبرزها جمعية بيت الشرق والغرفة التجارية، التي أقيمت قبل قيام دولة الاحتلال.

ويضيف بأن نحو 35 مؤسسة مقدسية تم إغلاقها طالت مختلف الجوانب سواء مديرية التربية والتعليم أو مديرية الصحة والمؤسسات الإعلامية وغيرها.

مخطط استيطاني خطير

وحول الاستيطان في مدينة القدس المحتلة، أوضح أن المخطط الاستيطاني في المدينة هو جزء من المخطط الكامل لتفريغ القدس من المقدسيين، وعزل المدينة عن الضفة الغربية ليصبح الوصول لها عبر نفق أو ممر، كما هو الواقع بين قطاع غزة والضفة الغربية.

وتابع أن الاحتلال من أجل ذلك استخدم الاستيطان في بعدين، وهما: أن يكون الاستيطان على شكل شريط دائري يلتف حول القدس بحزام استيطاني، وأخطره مشروع "أي وان" (A1)، الذي يستهدف بادية القدس جميعها، الأمر الذي لو تم سيعزل القدس عن محيطها الفلسطيني.

والبعد الثاني يتمثل في إقامة المستوطنات وتكثيفها داخل القدس من أجل طرد الفلسطينيين وجلب مستوطنين، لإحداث التفوق الديموغرافي بهدف إنهاء أية احتمالية لأن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وبالتالي لن يكون هناك قيادة فلسطينية أو فصيل سياسي سيرضى بدولة بدون القدس.

وأشار الرويضي إلى أن مشاريع التوسع الاستيطاني، التي يستخدمها الاحتلال من خلال توسيع حدود بلدية القدس، ولتحقيق ذلك ضم 40 بالمئة من مناطق بيت لحم إلى حدود هذه البلدية، وسيعزز الاستيطان ويكثفه فيها، في المقابل سيعزل المناطق الفلسطينية، ويجعلها كنتونات مفصلة عن بعضها.

شح الدعم العربي والاسلامي للمدينة

وأمام ما تتعرض له المدينة المقدسة من هجمة إسرائيلية شرسة تتمثل في التطهير العرقي وتغيير لمعالم التاريخ العربي والإسلامي المسيحي، انتقد الرويضي شح الدعم الإسلامي والعربية للمدينة.

ونبه إلى أن الدعم المقدم للمدينة يأتي من خلال الصناديق العربية والإسلامية، وتحديدا بنك التنمية الإسلامي، وقال: "نحن نشكرهم على هذا الدعم، ولكنه لا يرتقي لمستوى ما تتعرض له المدينة وأهلها من تهديدات".

وأوضح الرويضي بأن بعض الدعم المقدم يأتي على شكل مساعدات لعمليات ترميم هنا وهناك بمشاريع معينة لا تتعدى 4 مليون دولار، أو دعم لمشفى أو ترميم مدرسة، وهذا لا يشعر به المواطن المقدسي، فمثلا المدينة لا تتلق أي خدمات طبية في ظل كورونا من الاحتلال، لذلك يحتاج المواطن إلى آلية دعم في مواجهة الجائحة لكن هذا غير موجود.

ويشير الرويضي إلى أن هناك خطة تفصيلية أصدرتها الرئاسة الفلسطينية تقوم على قطاعات مختلفة مكونة من 13 قطاعا بحاجة إلى الدعم، بما قيمته 480 مليون دولار، ولكن ترويج هذه الخطة كان يواجه بإشكاليات وصعوبات حول نوعية المشاريع، التي تدعمها الصناديق وما نحن بحاجة اليه.

ويضيف بأن القدس بحاجة إلى مشاريع لدعم المتضررين من إجراءات الاحتلال التعسفية، كتعويض من تعرض منزله للهدم، وأجور المحامين الذين يتابعون هذه القضايا في محاكم الاحتلال، إضافة إلى بعض المناطق التي تحتاج إلى تخطيط، وهذا كله لا يمول من هذه الصناديق.

ويقول الرويضي: "نحن نحتاج إلى مشاريع تعزيز الصمود والمقاومة لهذه الإجراءات الإسرائيلية، وهو ما لم نحصل عليه في ظل دعم لا تذكر قيمته".

وحول مشاريع الإسكان في القدس، والمقدمة من بنك التنمية الإسلامي، أوضح الرويضي بأن هذه المشاريع تكون على شكل قرض ربحي ومسترد، وهذا يزيد من الأعباء على المواطن المقدسي، الذي يعيش في مدينة منكوبة وصلت نسبة الفقر فيها الى نحو 70 بالمئة والبطالة كذلك، وبالتالي فالدعم الحقيقي لا يكون على شكل قرض.

زيارة القدس من البوابة الاسرائيلية

وحيال زيارة العرب لمدينة القدس المحتلة مؤخراً بعد اتفاقيات التطبيع، شدد الرويضي على أن هذه الزيارات مرفوضة، لأنها تأتي من البوابة الإسرائيلية.

وأوضح أن القدس هي مدينة فلسطينية محتلة شأنها شأن باقي الأراضي المحتلة، وأننا دعونا إلى زيارتها لدعم أهلها، ولكن هذه الزيارات يجب أن تكون من البوابة الفلسطينية، وليس بوابة الاحتلال الاسرائيلي.

وشدد على أن زيارة الوفود العربية من البوابة الإسرائيلية هي زيارة تثبيت لإجراءات الاحتلال وممارساته بالقدس وتهويد المسجد الأقصى المبارك، ومساعدة للاحتلال في تثبيت إجراءاته التي تستهدف كل ما هو فلسطيني، وهناك مخططات تهدف إلى تقويض دور الأوقاف الإسلامية في القدس، التي تتمثل في الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى.

وأردف الرويضي: "ندعو أهلنا العرب لمراجعة أنفسهم، وأن يكونوا إلى جانبنا في دعم المدينة والوقوف الى جانب أهلها".

المصدر : القدس- خاص زوايا- محمد داود

مواضيع ذات صلة

atyaf logo