تقرير المطلقات.. مشي عسير على حافة "نظرة المجتمع"

ورشة عمل
ورشة عمل

ماذا بعد الطلاق؟ يبدو السؤال صعبا للوهلة الأولى، خاصة على الفتاة في المجتمع الفلسطيني، التي يعصب عليها أن تباشر بداية طبيعية لحياة جديدة قائمة على الاستفادة من التجربة، نظرا لأسباب عدة تقود إلى نهايات متقاربة في بعض حالات الطلاق.

ربما كان من المفترض أن تتعدد الإجابات على هذا السؤال، مهما بلغت صعوبته، إلا أن الواقع يقول غير ذلك، خاصة من وجهة نظر النساء، فالرجل غالبا ما يبدأ مشواره من جديد في أي عمر مع شريكة أخرى، فحسب وجهة النظر العربية لا يعيب الرجل شيئا، حتى وإن كان هو السبب في الطلاق لا المرأة.

أما المرأة فيعيبها الكثير، ولديها الكثير لتنشغل به، من إجراءات النفقة والحضانة ونظرة المجتمع وسلبياته، وربما لا تجد بعد أن تنهكها كل تلك التفاصيل الوقت، لتبدأ حياة جديدة فعلا.

تعتبر فلسطين من أقل البلدان العربية في نسب الطلاق، رغم زيادته في السنوات الأخيرة، إذ بلغت النسبة 1.7% بينما بلغت في بعض الدول العربية 10%، لكن تبعاته هي التي تشكل عقبة كبيرة في طريق إكمال المرأة لحياتها، وتحقيق ما تريد في مراحل لاحقة.

فبينما لا تنظر بعض المجتمعات للطلاق على أنه نهاية الحياة أو وصمة عار تلاحق المرأة كموريتانيا مثلا، إذ يمكن للمرأة أن تتزوج مرة بعد أخرى أو تمارس حياتها بشكل طبيعي، نجد أن المرأة المطلقة في فلسطين تحمل عبء المجتمع وعبء الأهل ونظرتهم.

تعمل ندى الفتاة العشرينية المطلقة في القطاع العام، وتقول عن تجربتها، "بعد الطلاق شعرت فترة طويلة بالخزي، رغم أني كنت ضحية رجل كثير الضرب والإهانة، لم أتمكن من البقاء بتلك الطريقة، خاصة إن أنجبت طفلا لم أكن أريده أن يعيش في الذل الذي عشته".

وتكمل ندى، في حديثها لموقع "زوايا": "خشيت بداية من نظرة المجتمع ورفض أهلي، خاصة أني تزوجت بعد فترة طويلة من الرفض، لكني حسمت أمري وقررت الانفصال وتحمل التبعات، وقد شجعتني فيما بعد صديقة لي على إعادة روتيني السابق، واستكمال حياتي وعملي، الذي من حسن الحظ لم أتخل عنه عند الزواج، وإلا لكانت أموري أصعب".

على عكسها كانت سميرة، التي طُلقت بعد عشر سنوات من الزواج، لم توضح لنا بالتحديد سبب الطلاق، لكنها قالت: "يكفي الطريقة التي عاملني بها ويعامل بها أبنائي الآن، لكي أجدد في نفسي كل يوم أني كنت على صواب عندما طلبت الطلاق".

وتحاول سميرة الاعتماد على نفسها من الناحية المادية، فبدأت بالعمل الحر عبر الإنترنت، لأنه يتيح لها ميزة العمل من المنزل، وعدم الاختلاط بالناس كثيرا، لكنها شيئا فشيئا بدأت تخوض مجال التدريب واللقاءات النخبوية، التي تدعم الأعمال الحرة.

وتقول لموقع "زوايا": "بعد الطلاق مررت بفترة سيئة من الناحية النفسية، لكني تغلبت عليها وأكملت دراستي والآن أنا في عملي الخاص، أتابع مع بعض العيادات النفسية مع أبنائي، وأحاول استعادة حضانتي لهم، كي يكتمل سلامي النفسي".

"حضانة الأبناء" هي ما يؤرق الأمهات في فلسطين عموما، فحسب المادة 118 من قانون العائلة، يبقى الابن في حضانة أمه للذكر حتى سبع سنوات، والأنثى حتى تسع سنوات يمكن تمديدها عامين لكل منهما، بينما يمكن للأرملة فقط غير المتزوجة حسب تعديل القانون عام 2019 أن تحتفظ بحضانة أبنائها بشكل كامل.

وتعاني كثير من الأمهات من تعنت الأزواج في أمور الحضانة والنفقة، فتضطر بعض النساء للتخلي عن حضانة أبنائهن، لعدم تمكنهن من الإنفاق عليهم، وتَمَنُّع الأب من الإنفاق إلا في حضانته.

وهو ما تؤكد عليه سميرة إذ تقول "منذ بدء الحجر في كورونا وقبلها، كنت أجد صعوبة في لقاء أبنائي، لأنه وحتى يتمم الطلاق كان قد اشترط علي التنازل عن حضانتهم كي يطلقني، ولم أكن على علم ببطلان هذا الشرط فيما بعد".

وتابعت: "الآن رغم حصولي على قرار بالمشاهدة لهم، وحق البيات في بعض أيام الأسبوع، أجد أنه لا يرسلهم في الوقت المحدد، أو يتهرب من المنزل كي لا أتمكن من اصطحابهم".

وتشير دراسات اجتماعية إلى أن الطلاق رغم كونه مؤشرا على تفكك الأسر، وأنه محنة شخصية، وطريقة للهروب من تغيرات الزواج ومتاعبه لكلا الزوجين، لكنه يعتبر مصدرا خاصة للألم أكثر بالنسبة للمطلقات النساء.

ولا يعد السبب الأساسي وراء الطلاق الوضع المعيشي الصعب، بل ربما العكس، إذ تشير إحصاءات إلى أن المخيمات والقرى أقل في حالات الطلاق من المدن والحضر، ففي ظل الوضع الاقتصادي المستقر، يكون الرجل أقدر على تحمل تبعات الطلاق المادية، أو ما يترتب عليه من تكاليف قضائية، إن لجأ أحدهما للقضاء.

كل تلك العقبات والبحث المضطرد عن حضانة الأبناء ومكابدة الإنفاق عليهم بعد تهرب كثير من الآباء يجعل المرأة بعد الطلاق في أسر آخر، هو الحفاظ على أبنائها، وإن أرادت الخروج للعمل يمكن لزوجها السابق أن يقدم شكوى في المحكمة، كما تروي نهلة، ليحصل على حضانة الأبناء بدعوى عدم تفرغها لرعايتهم، فتضطر للبقاء رهينة نفقته القليلة، التي لا تكفي ولم يعتمد القانون غيرها رغم مضي سنوات على تحديدها، هذا في حال دفعها ولم تضطر لرفع دعاوى تلزمه بها فيما بعد.

القلائل من النساء اللواتي نجحن في تحقيق بعض ما أردن بعد الطلاق، فاطمة تعمل في التدريب الخاص، وتقول "لم أستسلم لكل الضغوطات التي واجهتني، أكملت دراستي، وأعمل في تقديم التدريب والاستشارات التربوية، الأمر ليس سهلا، لكنه ليس مستحيلا في نفس الوقت".

لا شيء سهل ولا شيء مستحيل في الحياة عموما، وكذلك في حياة المرأة المطلقة في البلدان العربية، لكن ما الذي يجعل الأمر بهذه الصعوبة؟، يقول أستاذ الاجتماع الدكتور مرشد سلامة "لم تكن البيئة بهذه الشدة والصعوبة فيما مضى لا شرعا ولا عرفا، ففي السنوات الأولى من الإسلام كان الأمر أيسر على النساء والرجال عموما في الزواج والطلاق، وكانت المرأة لا تمكث بدون زواج بعد طلاقها غالبا، ولم يكن ينظر لها أحد بنظرة سلبية إن طلقت".

وربما أشهر مثال على ذلك، كما يقول سلامة، قصة الأمة بريرة التي رفضت البقاء مع زوجها مغيث بعدما تحررت من العبودية وبقي هو عبدا، إذ كان يطول المدينة خلفها يبكي على فراقها، ولم تقبل هي شفاعة النبي له في أن تبقى معه، وفضلت فراقه، ولم نسمع بأحد يعيب عليها أو يلومها على قرارها رغم حبه الشديد لها.

ويضيف سلامة "حتى في الحالة المجتمعية لدينا الملاحظ أن النظرة المعيبة للمطلقة أشد صعوبة في وقتنا الحالي عن الماضي، الأمر إذن يختلف برؤية وترسيخ المجتمع له، وليس أصيلا فيه، ويمكن مع الوقت تغيير تلك النظرة وجعلها أقرب لحدث طبيعي يمر بحياة الإنسان يمكن معه أن يحقق الآية ببساطة إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".

وعليه، فإن منطق "المعروف والإحسان" يحقق حياة أفضل للرجل والمرأة بعد الطلاق، وطالما تعنت طرف في إعطاء حقوق الطرف الآخر ستبقى النظرة القاصرة تحكم الحياة، وتسبب الألم لكل الأطراف، مع بقاء الطرف الأضعف هنا، وهو المرأة، المتضرر الأكبر منها.

المصدر : زوايا - خاص - دعاء عمار
atyaf logo