وصاية الأردن على مقدسات القدس.. حماية قومية أم امتداد جغرافي؟

قبة الصخرة
قبة الصخرة

في أي اعتداء ينفذه الاحتلال الإسرائيلي على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، تعلو الأصوات المطالبة بتدخل أردني عاجل من أجل وقف هذه الانتهاكات، تحت ذريعة أن المقدسات تخضع لـ"وصاية الأردن"، فما هي الوصاية الأردنية؟ وهل هي امتداد جغرافي أم حماية قومية للقدس ومقدساتها؟

يعود تاريخ الوصاية الأردنية على المقدسات في القدس إلى العام 1924، عندما "عقدت البيعة للشريف حسين بن علي للوصاية على المقدسات في المدينة"، والمعروفة بـ"بيعة الشريف".

واستمرت هذه الوصاية بعد عام 1948 وضمّ الضفة الغربية والجزء الشرقي من مدينة القدس المحتلة إلى الأردن، ولم يتخل الأردن عن دوره في الوصاية حتى بعد فك الارتباط، الذي اتخذه العاهل الأردني الملك حسين عام 1988 بإنهاء ارتباط الضفة الغربية إداريًا وقانونيًا مع الأردن، حيث كان يعرف هذا الارتباط باسم "وحدة الضفتين".

وتم التأكيد على الدور الأردني في الوصاية على المقدسات في القدس، في اتفاقية السلام الأردنية مع الاحتلال الإسرائيلي التي وقعت في 26 تشرين أول/أكتوبر عام 1994، والمعروفة بـ"اتفاقية وادي عربة"، إذ أكدت دولة الاحتلال في المادة التاسعة من الاتفاقية احترام "إسرائيل" الدور الأردني الحالي في الأماكن الإسلامية المقدسة بالقدس.

وجاء في نص البند الثاني من المادة التاسعة "تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن".

اتفاق ثنائي يعزز الوصاية

تعززت الوصاية بالاتفاق الثنائي الذي وقعه الملك الأردني عبد الثاني والرئيس محمود عباس بعمان في 31 آذار/مارس عام 2013، حول حق ودور الأردن بالوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات.

ورأى الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حنا عيسى، أن الاتفاقية الثنائية "الفلسطينية-الأردنية"، أكدت على عمق العلاقة الاردنية الفلسطينية في الدفاع عن القدس ومقدساتها، وذلك منذ البيعة التي بموجبها انعقدت الوصاية على الأماكن المقدسة للشريف حسين من قبل أهل القدس وفلسطين في اذار عام 1924.

وقال في حديثه لموقع "زوايا"، الاتفاقية أكدت على أن القدس، أسوة بالضفة الغربية وقطاع غزة، هي أراض محتلة استنادا إلى قراريّ مجلس الامن "242" و "338"، وأعطت الأردن الوصاية على الأراضي المقدسة في القدس المحتلة الاسلامية منها والمسيحية التابعة لبطريركية الروم الأرثوذكس، والتي تخضع للقانون الأردني رقم 27 لسنة 1958، ومنحته الحق في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها.

وكرست الاتفاقية ما ورد في نصوص التصريح الرسمي الصادر بتاريخ 31 تموز/يوليو 1988 عن الملك الحسين بن طلال صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس، والخاص بفك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية، الذي استثنى الأماكن المقدسة في القدس من فك الارتباط.

وجاءت الاتفاقية رداً على المزاعم الإسرائيلية بأن هناك فراغ سيادي على الأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية في القدس، وأن الأراضي الفلسطينية المحتلة هي أراض متنازع عليها، ومنحت الأردن سلطة الإشراف المباشر على القدس وحماية مقدساتها وأوقافها، خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي، وبزوال الاحتلال تعود السيادة المطلقة لدولة فلسطين.

بعد فك الارتباط بين الضفتين "الشرقية والغربية"، استمرت سيطرة الأوقاف الأردنية على المقدسات في القدس، حتى المواطنين المقدسيين لا يزالون يحملون رقما وطنيا أردنيا، ويحملون جواز سفر أردني دائم، أي أنهم يعاملون كمواطنين أردنيين، بعكس الفلسطينيين في باقي أنحاء الضفة الغربية، الذين يمكنهم حمل جواز سفر أردني إلى جانب الفلسطيني لكن بدون رقم وطني ويسمى "جواز سفر أردني مؤقت"، لغرض تسهيل سفرهم لبعض الدول العربية، التي لا تعترف بجواز السفر الصادر عن السلطة الفلسطينية.

هل هذه الوصاية حماية قومية؟

من جهته، اعتبر مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني، أن الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، حماية للمقدسات الإسلامية نيابة عن كل المسلمين، وليست حماية لعروبة القدس فقط.

ورأى الكسواني أن الاتفاقية التي وقعت بين السلطة الفلسطينية والأردن عام 2013، أكدت استمرار الوصاية الأردنية، ومنعت جهود الاحتلال الإسرائيلي لصناعة شرخ بين الشعبين الأردني والفلسطيني حول المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، معتبرا أن تلك الاتفاقية أيضا أكدت على استمرار الحماية القومية للمقدسات.

واعتبر أن الوصاية الأردنية هي بمثابة وصاية إسلامية أيضا، ويتوجب على جميع الدول العربية والإسلامية دعمها حماية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، إلى أن يزول الاحتلال.

وأكد أن الوصاية الآن مهمة جداً في ظل الهجمة الشرسة من قبل الاحتلال على المقدسات وبيت المقدس، وتمثل جميع العرب والمسلمين في الدفاع عنها أمام المؤسسات الدولية.

وأوضح أن الأردن كان يقدم كل الدعم لجميع المقدسات في فلسطين عندما كانت الأوقاف تابعة للأردن (قبل فك الارتباط)، لكن بعد فك الارتباط بقيت أوقاف القدس تابعة للأردن، وتقدم الخدمات المالية والإدارية والترميمات وكل ما يلزم للمسجد الاقصى، بالإضافة إلى الصندوق الهاشمي الذي أنشأ منذ أكثر من 20 عاما من أجل أن تشارك به جميع الدول الإسلامية لدعم القدس والمقدسات.

أما الباحث والمحاضر في جامعة القدس د. يوسف النتشة، فرأى أن الوصاية الهاشمية كانت حتى عام 1967 امتدادا جغرافيا وحماية قومية للقدس، لأن الأوقاف كانت جزء من مكونات الدولة، لكن بعد حرب عام 1967 خسرت الأردن سيطرتها الجغرافية على الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وبقيت الوصاية ذات أبعاد دينية وقومية.

وفي حديثه لموقع "زوايا"، بيّن النتشة أن الوصاية قد يراها البعض دينية محضة أو سياسية، أو ما يربطها بإرث إسلامي، أو ما يتعلق بخدماتها على مستوى العمارة والترميم في ظل ما يمر به الأقصى، لذلك لا يمكن حصرها في جانب معين.

ورأى أنها تكتسب الأهمية كونها تعبر عن رغبة حكم وشعب الأردن باستمرارها، رغم الظروف الصعبة التي تعمل بها، في المقابل لا يوجد قوى إسلامية أخرى حاولت مد العون لتملأ الوصاية في القدس.

المصدر : ​​​​​​​خاص زوايا- إبراهيم محمد
atyaf logo