بأنامله الصغيرة يمسك الطفل رياض العريان، قطعة “حطب” صغيرة ويضعها على موقد نارٍ أشعله والده محاولا إيجاد دفء داخل بيتهم المتهالك في أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بمدينة رفح جنوب قطاع غزة.
تجلس العائلة حول الموقد، هاربة من بردٍ قارصٍ خيم على منزلهم، بعد غرق غرفة نومهم الوحيدة، بفعل مياه الأمطار، التي اخترقت سقفها المهترئ، وتسربت من جدرانه المتشققة.
فصل المعاناة
“الشتاء قاسٍ على الفقراء”، هذا ما قاله والد الطفل رياض، الشاب الثلاثيني العاطل عن العمل “حسن”، والذي ينظر لأطفاله الثلاثة بعين الألم.
وأضاف حسن، خلال حديثه لموقع "زوايا"، "في كل عام ومع اقتراب فصل الأمطار، أحاول توفير سبل الراحة لأطفالي وتأمين بعضا من الدفء لهم، أحاول ترميم ما يمكن ترميمه في المنزل، وحمايتهم، لكن لا فائدة”، مستحضرا المثل القائل: “اليد قصيرة والعين بصيرة”.
وقال حسن: "لولا رعاية الله عز وجل لأصبحنا في عداد الموتى، بعد أن هطلت أمطار غزيرة اخترقت الجدران، وأصبحت المياه تملؤ الغرفة وصولا إلى عداد الكهرباء والمقابس غير الآمنة”.
وتساءل حسن: "كيف لأمطار الخير أن تفعل هذا بنا؟ أم أننا ضحية من ضحايا الأزمات السياسية في فلسطين، وما تبعها من ويلات على الفقراء؟".
وعند السؤال عن طبيعة عمله، أجاب حسن: "أنا أعمل في مجال البناء ولدي صنعة ورثتها عن والدي، لكن ظروف البلد المتقلبة أوقفت حركة البناء والإنشاءات".
نقمة على الفقراء
والدة الطفل رياض تفيض حزناً على عائلتها وتقول: "داخل غرفة المنزل نضع أواني كبيرة في محاولة لمنع تدفق المياه على الأغطية والملابس، لكن كل المحاولات تبوء بالفشل".
وتصف والدة الطفل المشهد باختصار: "الجميع ينتظر الشتاء فهو فصل خير يحمل أمطار خير، إلا أن الفقراء يعتبرون هذا الفصل أشبه بالنقمة".
يذكر أن قطاع غزة يعاني من حصار إسرائيلي مستمر منذ نحو 14 عاما، بالإضافة إلى انقسام فلسطيني، نجم عنه أزمات إنسانية ومعيشية واقتصادية، إلى جانب جائحة كورونا التي زادت الطين بلة.
رئيس جمعية رجال الأعمال على الحايك، أوضح أن "أكثر من 10 آلاف أسرة في القطاع، تتعرض منازلهم للغرق سنويا داخل 29 حيًا ومنطقة عشوائية، بسبب تهالك المنازل الناجم عن سوء الأوضاع المعيشية".
وأكد الحايك، في حديث مع موقع “زوايا”، أن فئة من المتضررين هم من أصحاب المنازل المدمرة خلال الحروب، الذين ما زالوا دون مأوى بسبب تأخر عمليات الإعمار، ويفتقرون للبنى التحتية وشبكات تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي.
وأشار الحايك، إلى أن شتاء هذا العام يأتي في ظل أوضاع صعبة مع تفشي جائحة كورونا، وتواصل الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني، الأمر الذي رفع من نسبة الفقر في غزة إلى 64 بالمئة، والبطالة لنحو 50 بالمئة.
وطالب الحايك الجميع بتحمل مسؤولياته تجاه فقراء غزة، والتدخل العاجل من قبل الجهات الدولية، لإنهاء الحصار واتخاذ خطوات حقيقية، لتفادي الخطر الواقع على العائلات.
وشنّ الاحتلال الإسرائيلي حربًا على قطاع غزة، في السابع من تموز/يوليو 2014، أسفرت عن هدم 12 ألف وحدة سكنية بشكل كلي، فيما بلغ عدد البيوت المهدمة جزئيًا 160 ألف وحدة، منها 6600 وحدة غير صالحة للسكن، بحسب وزارة الأشغال العامة الفلسطينية.
مشاريع بحاجة لتوجيه
مدير جمعية التنمية العمالية (عامل)، نضال غبن، قال في حديث مع موقع "زوايا": "الفقراء ليسوا بحاجة إلى شتاء، لأن الأمطار تكشف عورة منازلهم"، مضيفاً: "هناك حوالي 1200 أسرة يعيشون داخل كرفانات بلاستيكية، وذلك بعد هدم منازلهم جراء العدوان الإسرائيلي عام 2014".
وأكد غبن، أن هناك الآلاف من المساعدات الموسمية خاصة خلال فصل الشتاء، تأتي للفقراء وأهل العوز في قطاع غزة، سواء من قبل الجهات والمؤسسات الدولية أو المحلية، لكن وبكل أسف "لا توزيع عادل لها"، على حد تعبيره.
وبهذا الخصوص، شدد غبن على أن” الكثير من المشاريع بحاجة إلى إعادة توجيه لمكانها الصحيح، لتصب في مصلحة المواطن، خاصة المشاريع الإغاثية والإنمائية، على أن يكون هناك توازن بين حجم التمويل وبين الخدمات المقدمة الى المواطنين”.
كورونا وزيادة الألم
وحسب الإحصائيات الصادرة حول حجم الخسائر الناجمة عن انتشار فيروس كورونا في قطاع غزة، قال غبن إن أكثر من 75 ألف منشأة في قطاع غزة تضررت منذ بدء الجائحة.
وأوضح غبن بأن ما يزيد عن 70 بالمئة من حجم القوى العاملة يعيش على عمل يومي، وهم ما يسمون القطاع غير المنظم، من أصحاب الدخل اليومي الذي لا يتجاوز 20 شيكل، بالتالي هي انتكاسة جديدة تضاف للعامل الفقير، علماً أن عدد العاطلين عن العمل في القطاع، لا يقل عن 300 ألف فرد، هم بدون مصدر دخل ومنحدرين من أسر فقيرة، حسب ما أكد غبن.
ووصف غبن بيوت الفقراء بغزة بأنها "مكتظة بالسكان، غير مؤهلة صحياً، ضيق المساحة، بنيتها ضعيفة، تغطي أسطحها ألواح (الإسبست) أو الحديد الرقيق (الزينكو)”.
نقص شديد في الملابس والأغطية
واقع المنازل المتهالكة في قطاع غزة يغني عن السؤال حول طبيعة حياة ساكنيها، ذلك ما أكده الناشط الإغاثي سائد أبو عمار، وذكر أن حالة العوز الشديد لأبسط الاحتياجات الشتوية كالأغطية وملابس الشتاء وأدوات التدفئة باتت كثيرة، وحجم المساعدات لا يتناسب مع هذا الوضع.
وحسب تقارير أعدتها مؤسسات دولية، فإن أكثر من 80 بالمئة من سكان قطاع غزة، باتوا يعتمدون على المساعدات الإغاثية من أجل العيش بالحد الأدنى.
الشتاء يكشف عورة البنى التحتية
المنخفضات الجوية والأمطار لا تخيف أصحاب المنازل المتهالكة وحدهم، بل يصحبها شكوى من السائقين الذين عبروا مراراً وتكراراً، عن انزعاجهم من ضعف البنى التحتية، والتي تتكشف عورتها خلال فصل الشتاء.
ذلك ما أخبرنا به السائق "أبو أحمد"، والذي قال: "بعد ربع ساعة من سقوط مياه الأمطار يرتفع منسوب المياه في شوارع مدينة رفح، ما يشكل خطرا علينا، خاصة وأن ذلك قد يسبب أعطالا في المحرك".
ويضيف السائق لموقع "زوايا"، بالقول: "كثيراً ما تغطي المياه عيوب الأسفلت من حفر وما شابه، ما يعني ارتطام السيارة بهذه الحفر والتسبب باهتراء الكاوتشوك".
وتابع “أبو أحمد” متذمراً: "هذه الشكوى المعتادة سنويا، لا يأتي موسم شتاء إلا ونطالب وندعو البلديات بوضع حلول جذرية للطرق الترابية وغير المعبدة، لكن كافة الحلول مؤقتة حتى اللحظة".
بلدية غزة تبرر غرق الشوارع
منسق عام إدارة الصحة والبيئة ونائب رئيس لجنة الطوارئ في بلدية غزة أحمد أبو عبدو، تحدث عن مشكلة تراكم المياه في الشوارع وتدفقها للمنازل، مبينا أن “ارتفاع منسوب الأمطار هو أحد أهم العوامل التي تؤدي إلى غرق المناطق، في ظل انخفاضها عن مستوى الأرض وعدم توفر شبكات تصريف مجهزة”.
وأضاف أبو عبدو: "مياه الأمطار تجرف النفايات وخاصة الصلبة تجاه شبكات الصرف الصحي، ما يؤدي لانسدادها، وهي مسؤولية يتحمل المواطن جزء كبير منها".
وأكد أبو عبدو بأن الاحتلال الإسرائيلي يتحمل مسؤولية الأزمة في غزة، بسبب منع إدخال المعدات والآليات اللازمة للعمل، وذلك في خضم سياسة التضييق المتبعة، ومحاولة وضع معايير واشتراطات مقابل ذلك، الأمر الذي يصعب من عمل منظومة طواقم البلديات.