لم يكن يتوقع الصحفي الفلسطيني طه أبو حسين من مدينة الخليل، الذي عمل في مجال الصحافة منذ أحد عشر عاما، وأعد مئات التقارير التي أظهرت معاناة المواطنين في مجالات عدة، أن يصبح موضوع أحد هذه التقارير.
سُرِّح طه وأربعة من زملائه من عملهم كمراسلين لإحدى الإذاعات في مدينة رام الله، في آذار/مارس العام الماضي، تحت ذريعة الضائقة المادية، التي تمر بها مؤسسته، بسبب تداعيات فيروس كورونا، وأُبْلِغ بذلك شفهيا، رغم مطالبته بكتاب خطي، إلا أنه لم يحصل عليه.
يقول أبو حسين: "إن الصحفي الفلسطيني بات في وضع يرثى له، بسبب جشع رأس المال المتحكم في كثير من المؤسسات الإعلامية، التي تتبع للقطاع الخاص، وبات الأمان الوظيفي مفقوداً لدى كثير من الصحفيين، وتجلى ذلك أكثر بعد جائحة كورونا، باعتبارها شماعة يعلق عليها أصحاب تلك المؤسسات تصرفاتهم".
وفي السابع من كانون ثاني/يناير الجاري، قدم ثمانية عاملين لدى شبكة أجيال الإذاعية في رام الله استقالاتهم، لأسباب تتعلق بتداعيات جائحة كورونا، التي ألقت بظلالها على مؤسستهم.
وأوضح الصحفيون المستقيلون، خلال بيان توضيحي نشروه على صفحاتهم بفيسبوك، أن استقالاتهم جاءت بعد إجبارهم على التوقيع عليها، تحت ذريعة مساعدة المؤسسة، جراء الضائقة المالية التي تمر بها بسبب جائحة كورونا.
ووفق البيان، تم الاتفاق معهم على صرف أتعابهم عن سنوات الخدمة التي عملوا بها مع خصم 10% منها، على أمل أن تجدد عقودهم مع بداية العام الحالي، إلا أنهم فوجئوا أن الإدارة تنصلت مما تم الاتفاق عليه، ما اضطرهم إلى تقديم استقالاتهم، في وضع وصفوه بالقانوني لكنه ليس "أخلاقيا".
المدير التنفيذي في شبكة أجيال الإذاعية، وليد نصار، وفي حديث مع موقع "زاويا"، قال "إن استقالات موظفيهم جاءت بناء على رغبتهم، وتم ذلك بالتراضي ودون أي نزاع أو شقاق"، مؤكدا في الوقت ذاته أن جائحة كورونا ألقت بظلالها على شبكة أجيال، حالها حال جل المؤسسات الإعلامية التابعة للقطاع الخاص، حيث أضحت غير قادرة على تأمين رواتب موظفيها والقيام بالتزاماتها.
كما تعرض 17 صحفياً من مركز إعلام جامعة النجاح، لإنهاء مهاهم من قبل إدارة الجامعة بطريقة مهينة، وقوبل القرار بتنديد واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دفع الجامعة لإصدار بيان توضيحي قالت فيه:" أنها بصدد إغلاق بث الفضائية بسبب الخسائر المالية التي منيت بها، وأنها لم تستغن عن موظفين، وتعيد هيكلة المركز.
محاولة إنقاذ وإنصاف
وفي مقابلة مع "زوايا"، قال نقيب الصحفيين الفلسطينيين، ناصر أبو بكر، "إن اجتماعا جرى بين النقابة ومدراء الإذاعات المحلية في الضفة الغربية للسماع منهم عن الإشكاليات التي يواجهونها جراء جائحة كورونا وتداعياتها على الوضع المادي لمؤسساتهم، في سبيل نقل صوتهم للحكومة، وبحث إمكانية إيجاد حلول سريعة، لإنقاذ هذه المؤسسات من الانهيار".
ولفت أبو بكر إلى "أن النقابة تدرس القيام بشكل جدي وسريع الإعداد لخطوات من شأنها حماية الصحفيين، وبناء ظهر قوي لهم، لحمايتهم من الوقوع في مصيدة جشع رأس المال المتحكم في تلك المؤسسات"، مؤكدا على أن النقابة "لم تتلقَ حتى اللحظة أية شكوى رسمية من صحفيين تعرضوا للابتزاز والمساومة في لقمة عيشهم".
أما رئيس تحرير شبكة راية الإعلامية، الإعلامي شادي زماعرة، فقد عزا الحال التي وصلت إليها المؤسسات الإعلامية، لا سيما القطاع الخاص منها، إلى سوء إدارة تلك المؤسسات، التي تستغني عن موظفيها في الأزمات، لافتا إلى أن "جائحة كورونا تسببت بأزمة للشركات الصغيرة، لكن الكبيرة منها لم تتأثر، وما كورونا إلا شماعة للتغطية على أمور أخرى، وفشل إداري"، وفقا لوصفة.
وطالب زماعرة، في منشور عبر صفحته فيسبوك، المواطنين بأداء دور مهم في ظل عدم وجود قانون يحمي الصحفيين وضعف نقابة الصحفيين، بـ"مقاطعة كل وسيلة إعلامية تفصل صحفيا"، وطالب أيضا شركات الإعلانات بـ"مقاطعة تلك المؤسسات"، مشددا على ضرورة قيام الصحفيين بـ"فضح كل من يعتدي على حقوقهم ويساومهم".
وزارة العمل الفلسطينية، وعلى لسان مدير عام التفتيش والرقابة وحماية العمال، الدكتور سليم سلامة، الذي حاوره "زاويا"، قال: "إن مساومة الموظف على أتعابه، والتلاعب في قيمة الأتعاب أمر مخالف للقانون"، مبينا أن تنصل المؤسسة الإعلامية من أي اتفاق أبرم مع موظفيها "جريمة يحاسب عليها القانون".
وكشف أن الوزارة "تعد ملفا خاصا حول التجاوزات التي قامت بها مؤسسات عديدة، لا سيما الإعلامية منها، والمتعلقة بصرف أنصاف رواتب لموظفيها، وتسريح جزء منهم، تحت ذريعة الضائقة المالية".
وشدد سلامة على ضرورة تقديم العاملين المتضررين في تلك المؤسسات شكاوى رسمية لدى دوائر الرقابة والتفتيش في الوزارة، ليتسنى للأخيرة القيام بواجباتها تجاه تلك التجاوزات.
ولفت إلى وجود خلل ملحوظ في ثقافة الشكوى لدى الموظف، والتي عزاها إلى أسباب عدة، أبرزها: الخوف على خسارة وظائفهم، إذا ما وصلت الشكوى إلى الجهات المختصة.