تحليل فلسطينينون في دولة الاحتلال.. من هو "الحاضر" ومن "الغائب"؟

اليف صباغ
اليف صباغ

بقلم: أليف صباغ

كتب الصهيوني المتطرف دانيال بيباس، المقرب من دائرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس "منتدى الشرق الأوسط"، ومركزه في الولايات المتحدة، إنه يلاحظ "تزايد قبول العرب والمسلمين لإسرائيل، في الوقت الذي يتزايد رفضها من اليسار العالمي". (واشنطن تايمز23 ديسمبر 2020). هل حقا؟ كيف؟ وأين؟ وما معنى ذلك بالنسبة لبيباس ولإسرائيل؟

وأضاف بيباس، "إن تطبيع العلاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية خلال أربعة أشهر هو تطور ملحوظ يفتح الباب أمام احتمال انتهاء الحروب العربية ضد إسرائيل، والتي بدأت عام 1948.".

ولكن الأهم، والأكثر سرورا، في نظر بيباس، هو "التغيير الذي يحدث بين الناس الذين يشكلون العدو النهائي لإسرائيل، وهم مواطنوها العرب".  وهكذا يبدأ هؤلاء، "العدو النهائي"، وفق بيباس، في "إنهاء عزلتهم السياسية، والتي فرضوها على أنفسهم، مقابل الاعتراف بالدولة اليهودية".

يبني بيباس موقفه هذا على تقييم تحركات د. منصور عباس، رئيس كتلة الحركة الإسلامية في القائمة المشتركة، الممثلة بالكنيست الصهيوني. والمقصود في ذلك هو تحرك النائب عباس للتقرب من نتنياهو واستعداده لتقديم خدمات سياسية لنتنياهو مقابل خدمات مدنية للمواطنين العرب في إسرائيل، ويفترض أن تكون هذه الخدمات المدنية حقوقا غير قابلة للمساومة.

بالمقابل يرى مراقبون من الداخل الفلسطيني، أن عباس أدخل إلى الفكر السياسي، في الداخل، "فقه الأقلية" والمساومة بالخدمات على حساب الحقوق. ويرى بيباس هذا التغيير متزايدا كلما أدرك "عرب إسرائيل" حقيقة الواقع الكئيب لإخوانهم الفلسطينيين العراق وسوريا ولبنان والأردن وغزة والضفة.

في الجهة الأخرى، يرى إيتاي بن حورين، منسق الحملة الانتخابية الأخيرة لقائمة "أزرق أبيض"، برئاسة الجنرال بيني غانتس، أن "الحل لتغيير واقع العرب في إسرائيل هو: إقامة حزب مركز عربي". (غلوبس 18/11/2020) وهكذا، وفق بن حورين، "المواطنون العرب من الجمود السياسي الذي يعانون منه على هامش السياسة الإسرائيلية ويصبحون بيضة القبان في الميزان السياسي الإسرائيلي، يتحالف مع من يعطيه أكثر كما فعل حزب المهاجرين الروس (ليبرمان) أو كما تفعل شاس". "حزب يضع الأحلام القومية جانبا، ونصب أعينه اهتمامه بحاجات المواطنين العرب، لحقوقهم الفردية ورفاهيتهم الاقتصادية والاجتماعية". هل حقا ستقبل المؤسسة السياسية الصهيونية بمثل هذا الحزب ومشاركته في الحكم؟ أم أن مثل هذا السلوك السياسي سيفقد الفلسطينيين ذاتهم وهويتهم وتوازنهم الوطني والسياسي؟ ويسيرون كما أراد لهم مصمّمو قانون القومية أن يصبحوا؟

اتجاهان، يقدمهما لنا من نصبوا أنفسهم وكلاء عنا، يدركون مصالحنا أكثر مما ندركها، لا يختلفان في النتيجة، بل يلتقيان في نهايتهما مع نهج التطبيع السياسي العربي الخليجي والمغربي، ومع الاندماج الفردي على أسس مدنية بعيدا عن الحقوق السياسية والقومية، وكأنهم يتحدثون عن مجموعة من المهاجرين الجدد! دانيئيل بيباس يعيدنا إلى تلك المقولات الصهيونية التي راجت بعد كل هزيمة عربية من النكبة مرورا بالنكسة وحتى التطبيع الذليل، دون أن يتذكر أنه بعد كل هزيمة عربية جاءت نهضة فلسطينية متجددة، فانطلاق الثورة الفلسطينية جاءت بعد النكبة وإن كانت متأخرة قليلا، والعمليات الفدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي تضاعفت بعد النكسة وشارك بها مئات الفلسطينيين من داخل الـ 48، وخلال العدوان الإسرائيلي على المقاومة عام 1982 هبت أكبر مظاهرة عربية نصرة للمقاومة من داخل مناطق الـ 48، وتبعتها انتفاضة فلسطينية مباركة أشغلت العالم كله بالقضية الفلسطينية العادلة. أما بن حورين فيعين نفسه مستشارا لشعب متمرس في النضال التحرري منذ قرن من الزمان ونيف، تماما كما فعل حزب مباي وحزب العمل الصهيونيين، بعد عام 1948 حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، إذ أنتجت قوائم "عربية" موالية لها سرعان ما انهارت أمام المد الوطني الفلسطيني.

أما الموضوعية، فتحتم علينا أن نتساءل، لماذا يسمح هؤلاء لأنفسهم بهذا الاستعلاء ومواقف الوصاية الاستعمارية؟

الموضوعية تتطلب منا أن نقول الحقيقة: الحقيقة أن القائمة المشتركة لا تمثل اكثر من 50% من شعبنا داخل مناطق الـ 48. ولولا حملات التخويف من الفاشية والترانسفير، الممولة بالملايين العربية والأمريكية، ولولا دعم السلطة الفلسطينية للحملات الانتخابية للقائمة المشتركة، ولولا التزييف الحاصل في صناديق الاقتراع، بإضافة بطاقات انتخاب لأشخاص لم يصلوا إلى الصناديق أصلا، لما وصلت نسبة التصويت لدى الفلسطينيين في الداخل إلى 50%، لأن شعبنا في الداخل يعي في قرارة نفسه حقيقة العلاقة التناحرية مع الدولة الصهيونية. قد لا يصرح بها الكثيرون لاعتبارات متعددة ومفهومة، وأحيانا كثيرة يخشى الكثيرون من مقاطعة الانتخابات البرلمانية، لئلا يشار إليهم بالبنان فتتضرر مصالحهم إن تتسربل سبل عيشهم. 

 

أما الحقيقة الأخرى، أن هذه الدعوات لم تأت من فراغ، فالقائمة المشتركة مكونة من أربع كتل ترى بمشاركتها في الكنيست وسيلة لتمويل أحزابها، على الأقل.  ويرى كل من هذه الأحزاب طريقا مختلفا لتحقيق رؤيته الخاصة من خلال الكنيست. النائب أيمن عودة، ممثل الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، ورئيس القائمة المشتركة، يطمح إلى الاندماج مع القوى اللبرالية العلمانية، بينما يطمح النائب منصور عباس للاندماج في المعسكر المحافظ ، الذي يشارك به حزب شاس ويهدوت هتوراة، المعادي لحقوق المثليين ومساواة المرأة. وقد لوحظ في الآونة الأخيرة صراعا شديدا داخل المشتركة وبين جمهورها حول تصويت نوابها في تشريعات اجتماعية تخص "حقوق المثليين". إذن، يتفق أيمن عودة ومنصور عباس على فكرة الاندماج، ولكنهما يختلفان في نظرتهما الاجتماعية، وعليه يختلفان في أي إطار صهيوني يمكن لكل واحد منهما أن يندمج. هذا في الوقت الذي لم يرض أي من الفريقين الصهيونيين، لغاية الآن، قبول أي منهما. بكلام آخر، يختلفان على الصيد وما زال الصيد بعيدا. أما النائب أحمد طبيبي، فيقف في الوسط، بين أيمن وعباس، ومستعد لكل الاحتمالات الاندماجية، حتى وإن أسمع صوتا وطنجيا مرتفعا. أما التجمع الوطني الديموقراطي، برئاسة امطانس شحادة، الذي يرى نفسه قوة تقدمية علمانية وقومية، يختلف مع الحركة الإسلامية في المواقف الاجتماعية، ويتفق فيها مع الجبهة، لكنه لا يجد له مكانا في أي مشروع اندماج في أي من الفريقين الصهيونيين.

هكذا يمكن وصف حالة فلسطينيي الـ 48 ومواقفهم من المؤسسة الصهيونية الحاكمة، أما الوجه الأكثر مأساوية، وهو مبني على الحالة السياسية العامة، وعلى العلاقة بين الدولة ومواطنيها العرب، الفلسطينيين، فيتمثل بانتشار العنف والجريمة لدرجة تحسبها حربا أهلية بين العرب أنفسهم دون تدخل رادع من قبل أجهزة الدولة. وهي ظاهرة تتغذى من هذه العلاقة بين المواطن المهمّش والدولة الغائبة، ويغذي هذه العلاقة. فالسلاح المنتشر في كل قرية وحي وزاوية، مصدره الأساس هو مخازن الجيش وتجار السلاح المعروفين للشرطة والمخابرات، ولو أرادوا جمع هذا السلاح  من أيدي المجرمين، فلا يوجد من يمنعهم من تحقيق ذلك، ولكن طالما أن الضحية عربي فلا تحرك ولا كشف عن الجاني ولا محاسبة. ظاهرة في تصاعد مطّرد وخطير منذ عقدين أو أكثر، وهدفها تركيع المواطن العربي الذي رفض على مدى عقود طويلة أن يتجند في سلك الشرطة والمخابرات، واعتبر ذلك عارا وطنيا، ولكن إغراقه بدماء أبنائه جعل هذا المواطن يستنجد بالشرطة، وجعل نتنياهو يعد بمزيد من الميزانيات لافتتاح المزيد من محطات الشرطة في القرى والمدن العربية مقابل القبول بتجنيد أبنائهم لصفوف الشرطة والجيش، أي لقوات الاحتلال.

هذه هي المعادلة التي وضعها نتنياهو أمام المسؤولين في بلدية أم الفحم أثناء زيارته الأخيرة للمدينة، بحجة رعاية مركز تلقي لقاح كورونا، ويضعها أمام النواب العرب. وهي في نظره أساس الاندماج الفردي والمدني للمواطنين العرب، وأساس أمنهم الفردي، بعيدا عن الهموم القومية والحقوق المشروعة لشعب واقع تحت الاحتلال.

 


  • مقال خاص كتبت بالتعاقد مع مؤسسة زوايا للفكر والاعلام


  •  
المصدر : زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo