ركائز إدارة بايدن لإحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين


ترجمة خاصة لزوايا: طارق الشريف





"كُتب هذا التقرير بمبادرةٍ مشتركةٍ بين مجموعة الأزمات الدولية ومشروع الولايات المتحدة/ الشرق الأوسط للمساعدة في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".





بحلول شهر يناير من عام 2021، ستواجه الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الرئيس المنتخب جو بايدن مسؤولية تخفيف الضرر الناجم عن السياسة المهترئة للرئيس الأسبق دونالد ترامب تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وسيتمثل التحدي في التراجع عن سياسات ترامب، وليس بإعادة الوضع الذي كان قائماً قبل رئاسته فقط، بل أيضاً باتخاذ خطواتٍ جديدةٍ تجاه هذا الصراع.





ومن المستبعد أن يكون الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أولويةً للإدارة الأمريكية الجديدة، ولكن يجب أن يثير مسار الصراع وتداعياته على المصالح الأمريكية قلقَ السياسيين الأمريكيين. وكما يجب أن تتعظ الإدارة الجديدة من دروس الماضي؛ بمعنى أن تكون طموحةً من حيث السعي لتغيير شروط النقاش، ومتواضعةً فيما يتعلق بإمكانية إنهاء الصراع في أقرب وقت ممكن.





وكان لسياسات الولايات المتحدة السابقة تأثيرٌ مؤسفٌ على مر السنين (إلا أنه غير مقصودٍ في بعض الأحيان) لتسهيل ترسيخ السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين. ومن الواضح أن السياسات غير المقصودة أصبحت تهدف بوضوح في ظل إدارة ترامب إلى التشجيع على التوسع الاستيطاني، كما أفضَت هذه السياسات أيضاً إلى الخطة التي أسموها "خطة السلام من أجل الازدهار" التي مالت بشكلٍ جليٍ لصالح الاحتلال الإسرائيلي. ولذلك، يجب أن تهدف المشاركة الأمريكية على الأقل بشكل أساسي إلى التقليل من عدم التكافؤ في القوى بين إسرائيل والفلسطينيين، والذي كثيراً ما كان يحدث، وقامت إدارة ترامب بذلك إلى حد التطرف.





وما نسعى إليه اليوم في مجموعة الأزمات الدولية ومشروع الولايات المتحدة/ الشرق الأوسط ليس الفوز بجائزة نوبل بإيصالهم إلى اتفاق سلامٍ نهائيٍ، وإنما وضع أساسيات البناء المطلوبة لتوجيه الأجيال القادمة من الإسرائيليين والفلسطينيين نحو مستقبلٍ أكثر سلامٍ وعدلٍ. ويجب أن تشمل الأساسيات التي سيبنى عليها هذا المستقبل عدة جوانب، منها: تفهم الشعب الإسرائيلي لعواقب استدامة الاحتلال وأن الطريقة الوحيدة لتجنب تلك العواقب هي إشراك الفلسطينيين كأفرادٍ في المساواة وكجماعةٍ ذات تطلعاتٍ لتقرير مصيرهم الوطني، بجانب نظام حكمٍ فلسطينيٍ متماسكٍ مع قيادةٍ يمكنها رسم مسارٍ فعالٍ للأمام وتحدي الوضع الراهن بوسائل سلميةٍ وبطرقٍ تتماشى مع القانون الدولي، وكذلك رفض الاتجاهات القانونية والسياسية التي هزت المشهد الدبلوماسي وفشلت في ضمان الحقوق الأساسية للفلسطينيين.





ومن هنا نستدل على أن التركيز على هذه الأساسيات من شأنه أن يساعد في تغيير منظور الولايات المتحدة من الصراع، بعيداً عن السعي لإجراء عمليةٍ من أجل عمليةٍ ما، ونحو تهيئة الظروف لإجراء محادثاتٍ هادفةٍ مع حماية أولئك الذين يتمتعون بحقوقهم في المنطقة الممتدة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. ويكاد يكون من المؤكد أن الإدارة القادمة متمثلةً بالرئيس المنتخب جو بايدن ستوضح أن حل الدولتين هو إطارها السياسي المفضل، على غرار الإجماع الدولي الذي انعكس إبّان خطاب وزير الخارجية جون كيري في 28 ديسمبر 2016. وفي هذا السياق، يجب على الولايات المتحدة التوضيح أنه في حالة استمرار إسرائيل في عرقلة إنشاء دولةٍ فلسطينيةٍ ذات سيادةٍ كاملةٍ وصالحةٍ للحياة؛ فإنه يجب على أي حلٍ بديلٍ أن يحترم الحق في المساواة الكاملة للموجودين في أي مكان يقع تحت سيطرة إسرائيل.





وعليه، يجب أن تعتمد أي نقطة انطلاق لسياسةٍ إسرائيليةٍ - فلسطينيةٍ جديدةٍ على الركائز الثلاث التالية بشكلٍ أساسيٍ:





أولاً: التخفيف من الأضرار التي خلفها إرث ترامب واستبدال إدامة عملية السلام بأخرى تتمحور حول حماية حقوق الناس ورفاهيتهم على الأرض.





وإن قرارات إدارة ترامب المتعددة بدءاً بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مروراً بقطع المساعدات عن الفلسطينيين، وإغلاق القنصلية الأمريكية في القدس ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، والتأييد الفعلي لشرعية النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، ألحقت أضراراً خطيرةً بآفاق حلٍ عادلٍ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي واستنفدت مصداقية الولايات المتحدة.





ويجب أن يكون التراجع عن سياسات ترامب الرئيسية أولويةً للإدارة الجديدة، ولكن ينبغي ألا يكون بمثابة العودة إلى الوضع السابق حينما يصبح الهدف إنقاذ عملية السلام بدلاً من تحقيقه أو تهيئة الظروف له. وسوف تكون النتيجة. وكانت النتيجة التغطية الضمنية على الأعمال الإسرائيلية لا سيما تشجيع الاستيطان وتدعيمه بكل صوره. وبدلاً من ذلك، ينبغي على الإدارة الجديدة إعطاء الأولوية لوقف الضم وحماية الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، حيث تسبب حصار القطاع في حدوث حالة طوارئَ إنسانيةٍ مهددةٍ بالانفجار في أي لحظة.





وسنذكر لكم هنا على وجه التحديد ما يجب على الإدارة الجديدة أن تفعل بهذا الخصوص تباعاً:






  • الإنكار القاطع لخطة ترامب الصادرة في يناير من عام 2020، وإصدار بيانٍ واضحٍ من الإدارة الجديدة بأن الولايات المتحدة لن تتبع هذه السياسة.

  • التركيز على حماية حقوق الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. ولطالما كانت الولايات المتحدة وما زالت تسعى لتوفير الأمن والأمان للإسرائيليين بعكس اهتمامها الأقل بحقوق الفلسطينيين متمثلةً في فرض قيودٍ على حركتهم وتنقلهم وهدم بيوتهم واعتقالهم إدارياً بشكلٍ تعسفيٍ ونزع ملكياتهم.

  • إعادة التأكيد على أن المستوطنات المبنية سابقاً أو تلك التي ما زالت تبنى غيرُ شرعيةٍ وغيرُ معترفٍ بها، وأن الولايات المتحدة لن تعترف بضم أيّ جزءٍ من الضفة الغربية إلى إسرائيل بما في ذلك القدس الشرقية.

  • إعادة تأكيد وتعزيز الاختلاف بين إسرائيل والأراضي المحتلة في جميع التعاملات الإسرائيلية الأمريكية، بما في ذلك إعادة فرض القيود الجغرافية على مؤسسة البحث والتطوير الصناعي ثنائية القومية، ومؤسسة العلوم الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وصندوق البحث والتطوير الزراعي الأمريكي-الإسرائيلي، وعدم منح التمويل لمشاريع البحث والتطوير الإسرائيلية المقامة على الأراضي المحتلة. 

  • توضيح أن هناك حملات معارضةٍ ومقاطعةٍ ضد إسرائيل، وأن الولايات المتحدة لن تعتبر أن هذه الحملات ضد الصهيونية كديانة، وستتمتع هذه الحملات بحرية التعبير.

  • إعادة التواصل مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وإبلاغها بإعادة فتح مكتبها والشروع في مهامها في واشنطن.

  • إعادة إنشاء قنصليةٍ أمريكيةٍ في القدس الشرقية بشكلٍ منفصلٍ عن سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل وبالتحديد في تل أبيب، ودعم إعادة فتح المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية بكامل نشاطاتها، والتأكيد على نية الولايات المتحدة فتح سفارة في فلسطين وبالتحديد في القدس الشرقية.

  • تركيز الجهود على إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة، وتحقيق الأمن لأولئك الذين يعيشون في جنوب إسرائيل من خلال تعزيز تدخلات وقف إطلاق النار بشكلٍ دائمٍ بين الفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة والحكومة الإسرائيلية.

  • الضغط على إسرائيل لوقف تهديد الفلسطينيين القانطين في المنطقة (ج)، ووقف تهجيرهم ومصادرة أراضيهم وتقييد حركتهم، والبدء بتطوير البنية التحتية لديهم، والسماح لهم بالوصول إلى أراضيهم الزراعية.

  • العمل على إزالة العوائق الإسرائيلية لتنمية القطاع الخاص الفلسطيني.

  • إعادة تمويل وكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة التي تعتني باللاجئين الفلسطينيين إلى أن يتم الوفاء بحقوقهم.    





ثانياً: الامتناع عن السياسات التي تُمكّن المساعي الإسرائيلية الرامية إلى منع التوصل إلى أيّ اتفاق سلامٍ بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو منع إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ وتعززها، بما في ذلك تشجيع السياسيين الذين يتطلعون لتحقيق النتيجة المرفوضة لدولةٍ يهوديةٍ واحدةٍ غير ديمقراطيةٍ بين الأردن والبحر الأبيض المتوسط.





وينبغي على الولايات المتحدة الاهتمام بتشجيع الإسرائيليين ليصبحوا أكثر تقبلاً لتحقيق سلامٍ عادلٍ وإنهاء الاحتلال. والجدير بالذكر هنا أن السياسة الامريكية في كثير من الأحيان، حتى قبل إدارة ترامب، كانت تجعل من السهل على الإسرائيليين الافتراض أنّه يمكن للاحتلال ألا يكلّف شيئاً دائماً وأنّ بالإمكان تجنب القرارات الصعبة.





ولهذا، يجب على الإدارة الامريكية الجديدة ما يلي:






  • الامتناع عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي عندما تؤول الأمور إلى تقويض القانون الدولي أو معارضته لسياسة الولايات المتحدة.

  • العمل مع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه وأطرافٍ ثالثةٍ أخرى، لا سيما في المحافل الدولية لتحقيق الأهداف المرجوة. وينبغي على الولايات المتحدة التوقف عن عرقلة الجهود التي تبذلها جميع الأطراف في التفريق بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك كل ما يتعلق بتحديث قاعدة بيانات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الخاص بالمؤسسات التجارية العاملة في المستوطنات.

  • تجنب الدخول في مفاوضات مع إسرائيل حول ما يسمى بالتوسع الاستيطاني المقبول.

  • ضمان قدرٍ أكبر من الشفافية والمساءلة فيما يتعلق بالمساعدة الأمنية لإسرائيل، بحيث يمكن إخضاع إسرائيل لمعايير حقوق الإنسان الأمريكية والمعايير الأخرى.





ثالثاً: التسهيل على الفلسطينيين وتشجيعهم على القيام بالتجديد السياسي واعتناق السياسات الديمقراطية الخاضعة للمساءلة، وتعزيز المصالحة الداخلية وإعطاءهم مساحة للتنفس وتطبيق استراتيجياتٍ سلميةٍ لتحقيق أهدافهم.





والقيادة الفلسطينية بعيدة كل البعد عن اللوم؛ لأن أجهزتها الأمنية تسيء معاملة شعبها، وفصائلها الوطنية ليست مسؤولة أمام جمهورها، كما أنها فشلت في اتباع نهجٍ متماسكٍ وفعالٍ. ولقد ساهم هذا في تعزيز انقسام الفلسطينيين وافتقارهم إلى استراتيجيةٍ موثوقةٍ.





وبناءً على ذلك، ينبغي على الإدارة الأمريكية الجديدة ما يلي:






  • العمل مع شركاءَ دوليين للتسهيل والتشجيع على تجديد الدماء السياسية الفلسطينية والعمل على إقامة انتخاباتٍ تشريعيةٍ ورئاسيةٍ ومجلسٍ وطنيٍ، وكما يجب على الإسرائيليين إزالة جميع العقبات أمام الفلسطينيين المقيميين في القدس الشرقية للقدوم وممارسة حقهم في مثل هذه الانتخابات.

  • دعم المصالحة الفلسطينية الداخلية وتعزيزها، واشتراط انخراط الولايات المتحدة مع حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية بالتزام بالهدوء وعدم اللجوء العنف.

  • العمل مع طرفٍ ثالثٍ لتقديم إصلاحاتٍ للحكومة الفلسطينية، وضمان قدرٍ أكبر من الشفافية والمساءلة في شؤونها المالية. وينبغي عليه أيضاً العمل مع الفلسطينيين للسعي إلى إصلاح الرواتب التي تقدمها السلطة الفلسطينية لعائلات للأسرى القابعين في السجون الإسرائيلية وتعديلها بحيث يكون هناك توازن بين كلٍ من المستوى المعيشي لأسر هؤلاء الاسرى والراتب المقدم إليهم.





وهناك بالطبع عوامل أخرى. رحب الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بصفقات التطبيع بين إسرائيل والعديد من الدول العربية مؤخراً. ومن المتوقع أن تواصل إدارته الجديدة تعزيز صفقات تطبيعٍ أخرى، ولكن مع وضع رفاهية الشعب الفلسطيني وحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وتعزيز السلام الإقليمي على نطاقٍ أوسع، في عين الاعتبار، لا الانتقاص منها. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتبنى إدارة بايدن مقاربة متعددة الأطراف لحل الصراع بالتعاون مع أوروبا وإعادة دمج الجهود المبذولة من الأردن.





وأخيراً، النقطة الأهم هنا هي أن إدارة بايدن قد تميل إلى الحد من مشاركتها في حل الصراع بين إسرائيل وفلسطين؛ للتخفيف من ضرر إدارة ترامب واستئناف المفاوضات. وسيكون ذلك مفهوماً ولكنه غير فعالٍ. وستتمثل النتيجة المحتملة لمثل هذا النهج في تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، وزيادة التشرذم والغضب الفلسطيني، وزيادة حالة الإحباط واليأس لديهم. وسيكون من الأفضل لإدارة بايدن اتباع سياسةٍ صادقةٍ تنم عن التزامها المعلن بالمعايير الدولية واحترام حقوق الإنسان والتعددية والدبلوماسية تجاه حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ لإعادة الأطراف إلى منطقةٍ قد يكون فيها من المثمر القيام بحملةٍ دبلوماسيةٍ قويةٍ.


مواضيع ذات صلة

atyaf logo