تقرير لماذا كثر غرق سكان غزة بالبحر هذا الموسم؟

السباحة في بحر غزة
السباحة في بحر غزة

شهد موسم اصطياف سكان غزة هذا العام تسجيل عدد كبير من حالات غرق المستجمين وسط البحر، وتزامن ذلك مع توالي تحذيرات بلدية غزة من السباحة في الأبيض المتوسط، لكن هذه المرة ليس بسبب التلوث، وإنما نتيجة التيارات المائية وارتفاع الأمواج، التي تعد أحد أسباب تزايد انتشال المصطافين من المياه.

في هذا التقرير تبحث "زوايا"، حول عدد حالات الغرق والوضع الصحي للأفراد الذين انتشلوا من البحر، وأسباب تزايد الحالات بشكل كبير هذا الموسم، وتدرس دور المنقذين وآليات عملهم والمعدات المساعدة في مهنتهم، ولماذا تنشط التيارات المائية، وإذا كانت للهزات الأرضية سبباً في ذلك.

2990 غريق خلال 40 يوماً

بحسب المعلومات التي حصلت عليها "زوايا" من وزارة الحكم المحلي، فإنه منذ بداية موسم الاصطياف في شهر يونيو (حزيران) الماضي وحتى 13 يوليو (تموز) الجاري، سجلت دائرة الإنقاذ البحري 2990 حالة غرق في جميع شواطئ بحر قطاع غزة، توفي منهم ثلاثة أشخاص، ونقل نحو 900 منهم لتلقي الرعاية الصحية في المستشفيات.

ويشرح مدير دائرة الإنقاذ البحري في وزارة الحكم المحلي طارق بركات تصنيف حالات الغرق قائلاً "بدأ المواطنون بنسب بسيطة في العوم داخل مياه البحر في شهر مايو، رغم عدم إعلان بدء موسم السباحة، وفي هذا الوقت لم يكن هناك منقذون، وخلال هذه الفترة غرق نحو 200 مصطاف في البحر، أغلبهم على بعد 50 متراً عن الشاطئ".

ويضيف بركات في حديث لـ "زوايا": "في شهر يونيو ومع الإعلان عن البدء الرسمي لموسم الاصطياف والسباحة، سجلنا 1800 حالة غرق، وهذا العدد كبير جداً وله تداعيات يجب دراستها، وكانت أغلب حالات نشل الغرقى على مسافات مختلفة لا تقل عن 14 متراً ولا تزيد عن 59 متراً، وأكثر فئة تم انتشالها من الشباب والقاصرين".

ويتابع بركات "منذ بداية يوليو وحتى 13 الشهر، سجلت طواقم فرق الإنقاذ أكثر من 990 حالة غرق، وكانت معظمها على مسافات قصيرة لا تقل عن 40 متراً، لكن لاحظنا أن الفئة العمرية تغيرت حيث كان أغلبهم من الأطفال والقاصرين دون 17 سنة".

اقرأ/ي أيضاً: موظفو حماس بغزة يكسرون الصمت وينتقدون حكومتهم

وبحسب مدير دائرة الإنقاذ البحري، فإن جميع الجهات الحكومية المشرفة على ملف الإنقاذ لاحظت هذا الموسم زيادة في حالات الغرق وارتفاع غير مسبوق في الأرقام التي نسجلها يومياً، خاصة وأن أغلب الحالات تكون على مسافات قريبة من الشاطئ، مؤكداً أن المشرفين على الملف لازالوا في إطار دراسة الأسباب بتعاون مع جهات غير حكومية ودولية.

حالات الوفاة

وعن حالات الوفاة الثلاثة بسبب الغرق، يوضح بركات أنها ربما تكون في المعدل الطبيعي عند مقارنة الفترة الحالية مع العشر سنوات الماضية، ولكن يجب الانتظار إلى نهاية موسم السباحة والاصطياف، حتى يتشكل الحكم حول أنها كانت مرتفعة من عدمه.

ويشير بركات إلى أن جميع الذين توفوا نتيجة الغرق سجلت حالاتهم في شهر يونيو، لافتاً إلى أن الأول غرق في حدود الساعة السادسة صباحاً قبل بدء دوام المنقذين، وتعطلت لديه الرئة وتوقف القلب، أما الحالة الثانية كانت لشابة من ذوات الإعاقة الحركية وغرقت في حدود الساعة العاشرة مساء بعد انتهاء دوام المنقذين، وبالنسبة للحالة الثالثة فإنها كانت لشاب فقد التنفس وأصيب بنوبة حادة وعلى إثرها دخل إلى غرفة الإنعاش المبكر لكنه فارق الحياة بعد عشرة أيام، وكانت هذه الحالة الوحيدة أثناء دوام المنقذين.

يؤكد بركات أن فرق الإنقاذ لم تقصر في عملها في التعامل مع الحالة الثالثة والتقطت الإشارة بعد 25 ثانية من بدء غرق الشاب، ووصل له المنقذ وهو في الثانية 61، وبحسب الدراسات فإنه يمكن إنقاذه ويبقى على قيد الحياة حتى خمس دقائق، لكن كان قدر الله أكبر من إنقاذ الشاب والتعامل مع وضعه الصحي.

683 منقذ يغطون الشريط الساحلي

وقبل البحث في أسباب تزايد أعداد الغرقى، سألت "زوايا" رئيس شعبة الإنقاذ البحري في بلدية غزة إبراهيم شملخ حول أعداد المنقذين وآليات عملهم، فأجاب في حديث خاص "يعمل هذا الموسم 683 منقذاً بحرياً مقسمين على 10 بلديات ساحلية شاطئية، ويختلف عدد العاملين في كل منطقة حسب طول الساحل والكثافة السكانية في المحافظات".

ويضيف "هناك 400 منقذٍ على بند التشغيل المؤقت، و150 منقذاً مثبتين في ديوان الموظفين العام، و78 آخرين شغلتهم الإغاثة الكاثوليكية في المحافظة الوسطى، و16 مثبتين ومفرزين من بلدية غزة، وأيضاً عملت الجهة نفسها على تشغيل 30 منقذاً مؤقتاً على نفقتها الخاصة، كما شغلت بلدية خانيونس 10 منقذين على نفقتها، وجميعهم يعملون على 140 برج إنقاذ ومراقبة".

ويظهر شملخ أن طواقم الإنقاذ البحري يعملون بمسؤولية عالية، وجميعهم لديهم شهادات علمية في هذه المهنة حصلوا عليها من دائرة الدفاع المدني في وزارة الداخلية، وخبرة عالية حيث تمرن أغلبهم لمدة سنتين في هذا المجال.

ويتابع شملخ "لا تعمل فرق الإنقاذ لوحدها بل يساعدها الشرطة البحرية بالتنسيق مع وزارة الداخلية وأيضاً الدفاع المدني وجمعية الهلال الأحمر الذين خصصوا 20 مسعفاً لتقديم الرعاية الصحية الأولية للغرقى يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع".

أسباب تزايد حالات الغرق

وعن أسباب تزايد أعداد الغرقى حسب الملاحظات التي جمعتها فرق الإنقاذ البحري، يشرح شملخ "لاحظنا تزايد في كثافة المصطافين نتيجة نظافة البحر وزيادة السكان، ولهذا أصبحنا نسمع كل يوم عن تسجيل عدد كبير من حالات الغرق، وبسبب زيادة المستجمين اضطررنا لفتح مناطق جديدة على الشاطئ كانت غير مأهولة بالمصطافين مثل منطقة الزهرة وما بعد الشيخ عجلين، وبات السكان يصلون إلى مناطق الاصطياف هذه بكثافة عالية".

ويؤكد شملخ أن تزايد عدد الغرقى ليس تقصيرا من وحدات الإنقاذ، بل لأن الكثير من المصطافين لا يأخذون التعليمات على محمل الجد، إذ وضعت البلديات الرايات الخضراء وتعني مسموح السباحة والصفراء التي تشير إلى السباحة بحذر، والسوداء وتفيد ممنوع السباحة، إلا أن لا أحد يلتزم بهذه التعليمات، على حد تأكيده.

ومن الأسباب أيضاً، يضيف شملخ "نطلب من الناس عدم السباحة قبل الساعة 8 صباحاً وبعد 8 مساء وهو وقت دوام المنقذين، لكن نجد أن أغلبهم ينزل للبحر خارج أوقات فرق الإنقاذ، وهذا يعرضهم للخطر والغرق، وأيضاً ننشر تحذيرات بشكل دوري بعدم السباحة في أوقات معينة لكن الالتزام قليل جداً".

أسباب علمية… التيارات المائية والهزات الأرضية

في الواقع، هذه الأسباب التي لمسها المنقذون من واقع عملهم، لكن هناك أسباب علمية مهمة، تتمثل في ظاهرة التيارات المائية والهوائية، يقول عنها مدير دائرة الإنقاذ البحرية في وزارة الحكم المحلي طارق بركات "هذا الموسم هناك نشاط ملحوظ للتيارات المائية والهوائية، ولذلك أصبحنا ننشر بشكل دوري للمواطنين الحالة الجوية والمائية".

ويضيف "عادة تنتج التيارات المائية بسبب ارتفاع درجات الحرارة ما يؤدي إلى ارتفاع الأمواج في فصل الصيف، فتصبح أعلى من مترين أي أطول من طول الإنسان وبالتالي تتسبب في حالات الغرق، وإلى جانب ذلك فإن نشاط الرياح الجنوبية الغربية يتبعها حركة أمواج عاتية تزيد عن مرتين وينتج عنها تيارات مختلفة تتسبب في تزايد أعداد الغرقى".

اقرأ/ي أيضاً: تصريحات نارية.. د.غطاس: وحدة الساحات أكذوبة وبندقية فتح في الميدان

ويتابع بركات لـ "زوايا": "أيضاً انقطاع الهواء يؤدي إلى هيجان البحر وارتفاع الموج الذي يصل ثلاث أمتار في أغلب الأحيان، وفي هذه الحالة يبقى البحر عاليا لفترة طويلة وهذا ما لاحظه أغلب المصطافين هذا الموسم بأن مياه البحر مرتفعة بشكل أكبر من باقي السنوات".

ويوضح بركات: "التيار الساحب والمرتد أخطر أنواع التيارات، وهما يشكلان أكثر أسباب حالات الغرق التي يتم فيها تدخل المنقذين، ونجد أن الوضع الصحي لأغلب الحالات يكون قد بلع كمية كبيرة من المياه أدت إلى انسداد مجرى التنفس".

وفي المقابل، يبين أستاذ العلوم البيئية والبحرية في الجامعة الإسلامية عبد الفتاح عبد ربه في حديث لـ "زوايا" أن الهزات الأرضية التي شهدتها دول حوض البحر الأبيض المتوسط خلال الفترة الماضية سببت في تحرك البحر أكثر من مرة ونتج عن ذلك تغيير في طبيعة حالاته، إذ أصبح أكثر هيجاناً ومنسوب المياه ارتفع عن المستوى الطبيعي له، وباتت حركة الأمواج قوية ومرتفعة.

ويشير عبد ربه إلى أن أثر الهزات الأرضية يبقى طويلاً وليس بمجرد انتهاء الزلزال يعود البحر إلى طبيعته، لافتاً إلى أن البحر لا يهدأ بسرعة والهزات لها توابعها وتأخذ وقتها حتى يعود البحر إلى منسوبه الطبيعي.

وعن طبيعة وظروف عمل المنقذين، يقول المشرف العام عليهم أحمد فرحات: "إنهم يعملون في ظروف صعبة ومعدات متواضعة، إذ يتولى المنقذ تحديد أماكن السباحة بناءً على خبرته ولا توجد برفقته أجهزة تحدد ذلك، كما في أغلب حالات الغرق يتحرك منقذ واحد بسبب قلة العدد، لأنه يكون على كل برج مراقبة شخصان وشرطي تابع للبحرية فقط".

صفارة ومكبر صوت معدات المنقذ

وعن المعدات المساعدة في عملهم، يشرح فرحات لـ "زوايا": "تنقسم إلى رئيسية وثانوية، ومن الأدوات الرئيسية الصافرة بقوة 40 فوكس ويمكن سماعها على بعد 200 متر في حال كان الجو طبيعي، ومكبرات الصوت بقوة 120 واط ويمكن سماعه عن بعد يصل إلى 200 متر".

ويقول فرحات "هناك معدات ثانوية مثل أجهزة الاتصال اللاسلكية وهي غير موجودة على جميع الأبراج، كما يوجد عشر حسكات مجداف لكل بلدية واحدة، ويتم وضعها في مناطق تتركز فيها كثافة المصطافين، وهذا عدد قليل إذ في حالة الغرق نضطر إلى الانتظار حتى تصل الحسكة، كما يوجد حسكة واحدة تعمل على مولد وهي تتبع للشرطة البحرية وتستخدم يوم الجمعة في الإنقاذ".

وينبه فرحات إلى أن هذه المعدات غير مناسبة لعملهم، إذ من المفروض أن يكون هناك لكل برج حسكة مجداف، بالإضافة إلى حقيبة إسعافات أولية وجهاز اتصال لاسلكي، وإلى جانب ذلك من المفروض أن تخصص حسكة موتور لكل بلدية لتمشيط البحر بشكل مستمر خوفاً من وجود غريق.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo