موسم مطري مضطرب في فلسطين.. ما تأثيراته؟

حركة المواطنين في فصل الشتاء
حركة المواطنين في فصل الشتاء

مر بفلسطين ومحيطها موسم مطري مضطرب، يعد الأسوأ منذ سنوات، وفق خبراء ومختصين في شؤون المياه والمناخ، حيث تتجه معظم توقعات الأرصاد الجوية إلى رحيل فصل الشتاء عن البلاد، في ظل اقتراب انتهاء ما تسمى "المربعينية"، التي تكون فيها ذروة المنخفضات الجوية وهطول أعلى كميات من الأمطار.

ومنذ بداية يناير الجاري انحبست الأمطار عن فلسطين نسبياً وعن قطاع غزة كلياً، مع عدم وجود مؤشرات حول إمكانية هطول أمطار قريبة حتى نهاية الشهر، ما يشكل ضغطاً كبيراً على الخزان الجوفي للقطاع الذي يعاني أصلاً منذ سنوات، ما يفاقم أزمة المياه وتلوث وملوحة الخزان الجوفي المتصاعدة، الأمر الذي يجلب مجموعة من الأزمات الزراعية والصحية.

إحصاءات 11 عاماً

بدايةً، ووفقاً للإحصاءات الرسمية التي حصل عليها "زوايا" من وزارة الزراعة بغزة، فإن عدد أيام هطول الأمطار خلال الموسم الحالي 2022-2023 بلغ 13 يوما، وبنسبة مئوية 46.8% من المعدل العام لكافة المحافظات، ومتوسط الهطول لكافة المناطق من بداية الموسم 166.2ملم، وكمية المياه التي هطلت على كافة المحافظات الجنوبية منذ بداية الموسم 59.8 مليون متر مكعب.

ومقارنة بالموسم الفائت 2021-2022 كان عدد أيام الهطول 20 يوما، وبلغت النسبة المئوية للهطول 65.8% من المعدل العام لكافة المحافظات، ومتوسط الهطول لكافة المناطق من بداية الموسم 237.2 ملم، وكمية المياه التي هطلت على كافة المحافظات الجنوبية منذ بداية الموسم 76.43 مليون متر مكعب.

وبشكل عام، تعد الأمطار المصدر الرئيسي للمياه في فلسطين، فهي المغذي للخزان الجوفي والمجاري المائية والأودية والسيول، ويُستفاد منها في ري مساحات واسعة من الأراضي الزراعية خصوصاً البعلية منها.

وتتذبذب كمية الأمطار في فلسطين من سنة لأخرى ومن منطقة لأخرى تِبعاً للظروف الطبوغرافية من حيث الارتفاع والانخفاض عن سطح البحر وظروف موقع المنطقة.

أمطار متذبذبة

موسم الأمطار هذا العام بدأ متأخراً نسبياً

في قراءته وتقييمه لموسم الشتاء الحالي، فقد ذكر الخبير في شؤون المياه والبيئة نزار الوحيدي، أن أمطار فلسطين وخاصة في جنوبها "متذبذبة"، وتأتي في صورة مجموعة من المتغيرات، تتمثل في تأخر بدء الموسم، أو انتهائه قبل موعده المتعارف عليه، أو أن يحدث انحباس مفاجئ في ذروة الموسم.

وأوضح الوحيدي في حديثه لـ"زوايا" أن موسم الأمطار هذا العام بدأ متأخراً نسبياً، حيث كان الهطول جيداً حتى نهاية كانون الأول/ديسمبر الماضي، إلا أنه عاود الانقطاع خلال شهر كانون الثاني/يناير ولمدة تزيد عن ثلاثة أسابيع تقريباً".

توزيعها على الأيام بما يضمن غياب فترات جفاف معنوية تزيد عن الأسبوع

وكان آخر هطول للأمطار يوم 3 كانون الثاني/يناير الجاري، وأشار الوحيدي إلى أن الأهم من كمية الهطول هو توزيعها على الأيام بما يضمن غياب فترات جفاف معنوية تزيد عن الأسبوع.

ويرى أن الموسم المطري الحالي "يخيم عليه شبح الجفاف"، ذلك رغم أن نسبة الهطول بلغت في متوسطها العام 45 % من المعدل العام، و160 ملم من أصل 368 ملم، علماً أن النسبة المذكورة هي لقطاع غزة فقط.

يعول على أمطار الأسبوع الأخير من شهر كانون ثاني/ يناير الجاري وأمطار شهري شباط وآذار، لتعويض النقص في كميات الأمطار

لكن الوحيدي، يستبشر بأن الموسم لم ينته بعد، ويعول على أمطار الأسبوع الأخير من شهر كانون ثاني/ يناير الجاري وأمطار شهري شباط وآذار، لتعويض النقص في كميات الأمطار.

ويرى الوحيدي أن الانقطاع المطري وبالذات في هذا الموسم، يعتبر من المؤشرات المخيفة بالنسبة للمهتمين بالبيئة والزراعة على وجه الخصوص، حيث يُعد هذا الوقت "ذروة تغذية الخزان الجوفي المنهك، ناهيك عن غسيل الأملاح من التربة، وتجديد حيوية الكائنات المجهرية في التربة، والتي تعتبر من أهم معايير وأسباب خصوبة التربة".

وذكر أن استمرار الري في منتصف موسم الهطول هو مشكلة أخرى تكلف المزارع نفقات الري والصيانة، يضاف إلى ذلك ارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها العامة في مثل هذا الوقت من الموسم أعلى من 5 درجات، الأمر الذي يخلق مجموعة من المشاكل، منها إتاحة الفرصة لذبابة الفاكهة وبعض الآفات الأخرى أن تأخذ فرصة إضافية لمضاعفة أعدادها والحصول على أجيال جديدة من هذه الآفة، فيضطر المزارع إلى رش المبيدات، وهذا إرهاق لميزانية المزارع، وزيادة لتكلفة الإنتاج، وبالتالي تقلص هامش الربح، والإضرار بالبيئة، حسب كلام الوحيدي.

اقرأ أيضاً: الكفاح من أجل الديموقراطية لن يحسم في إسرائيل، لكنه بعيد من هنا

وأردف الوحيدي: "ارتفاع درجات الحرارة يعتبر من العوامل المؤثرة جداً على فسيولوجيا النبات، حيث تحتاج الأشجار المثمرة وعلى رأسها الزيتون والعنب واللوزيات والتفاحيات، إلى عدد كبير من ساعات البرودة، حتى تتحول من طور النمو الخضري إلى الإزهار والإثمار، وهذا ما يثير قلق الاختصاصيين في مجالات الزراعة".

ووجه الوحيدي نصيحته للمزارعين، بأن يبذلوا جهدهم في حصاد مياه الأمطار وتخزينها سواء في البرك التجميعية أو بالتجوير وحراثة التربة، لتصل أكبر كمية من المياه إلى قطاع التربة وتغذي الجذور، حتى يستفيد منها النبات.

اختفاء فصل الربيع!

أما الباحث والمختص في علوم المناخ علاء سلامة، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك في توقعاته فقال: "في المستقبل القريب سيختفي فصل الربيع على صعيد الأمطار لينضم إلى الصيف في خصائصه المناخية"، مشيراً إلى أن توقعه بناه على بحث علمي أعده يقوم على تحليل البيانات التاريخية للأمطار في فلسطين.

وذكر سلامة لـ"زوايا" أنه بالاعتماد على السجلات المناخية التاريخية لفلسطين، فإن الحقيقة القائمة أننا ندخل النصف الثاني من موسم الأمطار الحالي، غير أن الكمية حتى الآن هي أقل بكثير من المتوسط لنفس الفترة المكافئة لها عبر السنوات الماضية، مبيناً أن المناطق الشمالية من فلسطين التاريخية هي الأسوأ هطولاً للأمطار، حيث تصل الكميات التراكمية إلى نصف المتوسط للفترة المكافئة لها في السجلات التاريخية، وفي بعض الأماكن تصل الى الثلث.

شكلت كميات الأمطار في النصف الأول من الموسم المطري الحالي ما نسبته 50٪ - 70٪ من متوسط الفترة المماثلة

وأوضح أنه في منطقتي الجليل ووادي الحولة، يعد النصف الأول من الموسم المطري الحالي واحداً من أكثر الأعوام جفافاً في الثمانين عاماً الماضية، على الرغم من وجود بعض السنوات كان فيها الوضع حتى 20 كانون الثاني/يناير مشابهاً أو أسوأ مثل مواسم (2008/2009، 2013/2014، 1998/1999، 1990/1991، 1981/1982، 1972/1973، 1950/1951، 1947/1948)، عاداً أن مرتفعات الجولان، هي النصف الأكثر جفافاً في الموسم منذ الأربعين عاماً الماضية.

أما في السهل الساحلي وفي جبال فلسطين الوسطى الممتدة من جنين حتى الخليل وفي شمال النقب، يقول سلامة: "كان الوضع أقل سوءاً، حيث شكلت كميات الأمطار في النصف الأول من الموسم المطري الحالي ما نسبته 50٪ - 70٪ من متوسط الفترة المماثلة".

اقرأ أيضاً: مركز "كارنيجي": 3 سيناريوهات أمام حكومة "نتنياهو" للسيطرة على الفلسطينيين

ويؤكد سلامة أنه بالتدقيق في السجلات المطرية المتوفرة عن المنطقة، يتضح أن السنوات التي كان فيها الوضع مشابهاً للوضع الحالي قد انتهت في الغالب كمواسم جافة، ولكن بشكل عام كان هناك بعض التحسن في النصف الثاني من الشتاء لتلك السنوات، ومع ذلك، انتهت مواسم الأمطار 1998/1999 و1950/1951 بجفاف شديد (حوالي 50٪ من المتوسط).

ويرى سلامة، أن الأبحاث العلمية التي قام بنشرها في مجال التغيرات المناخية في فلسطين، تفيد بشكل واضح أن التغير المناخي في فلسطين ومنطقة بلاد الشام ككل هي حقيقة مؤكدة، وأن أبرز تجليات هذا التغير المناخي هي التناقص في كميات الأمطار والارتفاع في درجات الحرارة، وأكثر الفصول تناقصاً للأمطار هو فصل الربيع، حيث أن مختلف مناطق فلسطين شهدت تناقصاً ذو دلالة إحصائية في كميات الأمطار في هذا الفصل الحالي، حسب تعبيره.

الجفاف وشح المياه يؤجج الصراعات والنزاعات المحلية والإقليمية، بالإضافة الى الهجرات بحثاً عن سبل أفضل للحياة

وحول التأثيرات المتوقعة لهذا التناقص، أوضح سلامة أن انحباس الأمطار يؤدي إلى الجفاف، حيث "أن وتيرة الانحباس ارتفعت في فلسطين، الأمر الذي له انعكاساته السلبية على القطاع الزراعي".

كما أشار سلامة إلى أن هناك تأثيرا مباشرا على القطاع المائي في منطقة تعاني بالأساس من شح الموارد المائية التي تتعرص إلى النهب من قبل الاحتلال الاسرائيلي، فضلاً عن أن الجفاف وشح المياه يؤجج الصراعات والنزاعات المحلية والإقليمية، بالإضافة الى الهجرات بحثاً عن سبل أفضل للحياة.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo